كانت صحيفة «وول ستريت جورنال» الأميركية، أول من أورد، الجمعة، خبر «إرسال إيران صواريخ باليستية قصيرة المدى إلى روسيا»، نقلاً عن مسؤولين أميركيين وأوروبيين، مشيرةً إلى أنّ الخطوة تمنح موسكو «أداة عسكرية قوية أخرى»، في حربها ضد أوكرانيا، قبل أن تتداول وسائل إعلام أخرى، على نطاق واسع، الخبر، لا سيما أنّه يأتي وسط تحذيرات غربية مستمرة لطهران من إرسال أي أسلحة إلى موسكو، تحت طائلة التعرض لمزيد «من العقوبات». وتتزامن هذه الأنباء مع تكثيف روسيا هجماتها الجوية على مختلف المدن الأوكرانية، إذ زعم الرئيس الأوكراني، فولوديمير زيلينسكي، الأسبوع الماضي، أنّ معدل القنابل التي تطلقها روسيا، في جميع أنحاء بلاده، شهرياً، بلغ «نحو 4 آلاف قنبلة». ورغم أنّ البعثة الإيرانية في الأمم المتحدة نفت، مساء الجمعة، صحة التقارير الأميركية، مؤكدة في تصريحات صحافية أنّ الموقف الإيراني المحايد من الحرب الأوكرانية «لم يشهد أي تغيير»، وأنّ إيران تعتبر أنّ «إرسال المساعدات العسكرية إلى طرفي النزاع أمر غير إنساني»، نظراً إلى أنّه يتسبب في خسائر في الأرواح والبنى التحتية، ويقوض مباحثات وقف إطلاق النار، فقد أكد مسؤول أميركي، في حديث إلى «وول ستريت جورنال»، أنّه «تم تسليم الصواريخ» بالفعل، فيما أفادت مصادر غربية أخرى بأنّ الشحنة «تتضمن بضع مئات من الصواريخ الباليستية القصيرة المدى»، والتي تمتلك إيران مجموعة متنوعة منها، ويصل مداها إلى حوالى 500 ميل، مشيرةً إلى أنّه من المتوقع «أن يستمر تدفق الأسلحة الإيرانية إلى روسيا» في المستقبل. ومن جهته، قال المتحدث باسم مجلس الأمن القومي الأميركي، شون سافيت، إن واشنطن حذرت «من تعميق الشراكة الأمنية بين روسيا وإيران، منذ بداية الغزو الروسي الشامل لأوكرانيا، ونحن نشعر بالقلق من هذه التقارير»، متابعاً: «لقد أوضحنا نحن وشركاؤنا في كل من (مجموعة السبع) وفي قمم (الناتو) هذا الصيف أننا مستعدون لفرض عواقب وخيمة»، واصفاً أي عملية نقل للصواريخ الباليستية الإيرانية إلى روسيا بـ«التصعيد الدراماتيكي لدعم إيران لحرب العدوان الروسية على أوكرانيا»، على حدّ تعبيره. وفي حين ذكرت وكالة «بلومبرغ»، نقلاً عن مصادر مطلعة، أنّه بعد إطلاع الولايات المتحدة لحلفائها على «الأدلة» حول عملية التسليم، من المرجح أن تقابل «الخطوة الإيرانية بمزيد من العقوبات من واشنطن و(الاتحاد الأوروبي)»، فإنّ المعطيات تشير، حتى اللحظة، إلى أنّ رد الأطراف المشار إليها لن يكون بـ«الحدة» التي هددت بها في الأشهر الماضية. وفي السياق، نقلت وسائل إعلام أميركية عن مسؤولين أوروبيين قولهم، الجمعة، إنهم يعملون مع نظرائهم الأميركيين على رد «يتضمن فرض عقوبات إضافية»، وإنه بعدما كانت الخطوة الإيرانية متوقعة «على نطاق واسع في الأشهر الأخيرة»، فقد تم العمل على تحضير تلك الإجراءات خلال الصيف. وعليه، من المرجح أن يحظر الأوروبيون شركة «إيران إير» من السفر إلى المطارات الأوروبية، ما قد يؤثر بشكل كبير على ما تبقى من العلاقات التجارية بينها وبين الدول المعنية. كما قد يتم استهداف سلسلة من الشركات الإيرانية والأشخاص المشاركين في عمليات نقل الصواريخ، بما في ذلك بعض شركات النقل.
تشير المعطيات إلى أنّ رد الأطراف الغربية لن يكون بـ«الحدة» التي هددت بها في الأشهر الماضية
ومع هذا، ورغم أنّ مسؤولين في «الاتحاد الأوروبي» أكدوا، في وقت سابق من العام، أنّ عمليات نقل الصواريخ الإيرانية إلى روسيا ستكون بمنزلة تجاوز لـ«الخط الأحمر»، قد يدفعها إلى التراجع عن بعض «التخفيفات في العقوبات التي حظيت بها طهران بموجب الاتفاق النووي لعام 2015»، إلا أنّ الاتحاد أصبح «أكثر تردداً» إزاء مثل تلك الخطوات، في الأسابيع الأخيرة، بحسب «وول ستريت جورنال». وقال ديبلوماسي أوروبي كبير، الأسبوع الماضي، إنه باستثناء قطاع الطيران، «لن يتم قطع العلاقات الاقتصادية أو المصرفية الأخرى مع إيران».
وإذ حذرت «مجموعة الدول الـ7»، في آذار، من أنها ستفرض عقوبات منسقة على إيران، إذا أرسلت الأخيرة الصواريخ الباليستية، في تحذير كرره المشاركون في اجتماع قمة «الناتو»، في واشنطن في تموز، فقد أفاد تقرير أوردته صحيفة «نيويورك تايمز»، أنّه رغم التهديدات والعلاقات المتوترة بين واشنطن وطهران، فإن لدى الرئيس الأميركي، جو بايدن، عدداً من الأسباب التي تجبره على ممارسة «ضبط النفس»، من ضمنها الجهود الديبلوماسية التي تبذلها واشنطن مع طهران، منذ أشهر، في محاولة لمنع توسع الحرب في غزة إلى صراع إقليمي، بينما أكد مسؤول أوروبي كبير، للصحيفة، أنّه فيما تمضي الحملة الرئاسية الأميركية «على قدم وساق»، ومع اقتراب نهاية ولاية بايدن «العرجاء»، فمن غير الواضح مدى قوة الرد الذي ستنتهجه واشنطن.
«فشل» أوكراني
وإذ دعت البعثة الإيرانية لدى الأمم المتحدة أيضاً بقية الدول «إلى وقف إرسال الأسلحة إلى أي من الأطراف المشاركة في الحرب»، وبعدما رفض بايدن طلبات زيلينسكي المتكررة لرفع القيود المفروضة على استخدام أوكرانيا للصواريخ الطويلة المدى، لمهاجمة القواعد الجوية في عمق روسيا، ذهب زيلينسكي، الجمعة، إلى اجتماع لـ«مجموعة الاتصال من أجل أوكرانيا» في رامشتاين في ألمانيا، أخيراً، للمطالبة برفع تلك القيود، قبل أن يكرر، بعد ساعات، مطلبه في مؤتمر كبير في سيرنوبيو، إيطاليا، مشيراً إلى أنّه يطلب الدفاعات المشار إليها لـ«الدفاع عن أنفسنا»، وأنّه لن يستخدمها ضد أهداف مدنية. وأضاف: «الناس يخشون من أن نهاجم الكرملين… إنه لأمر مؤسف أننا لا نستطيع القيام بذلك»، لافتاً إلى أنّه «حتى الصواريخ التي طلبناها لا يمكن أن تصل إلى ذلك المدى».
وفي حين لفت مسؤولون، في حديث إلى «نيويورك تايمز»، السبت، إلى أن تزويد موسكو بصواريخ إيرانية قد يدفع ببايدن إلى الموافقة على توريد صواريخ طويلة المدى إلى أوكرانيا، إلا أنّ مسؤولاً أوروبياً أشار إلى أن بايدن كان حذراً من التمادي مع الرئيس الروسي، فلاديمير بوتين، خوفاً من دفعه إلى تصعيد الحرب والدخول في صراع مباشر مع «الناتو». على أنّ إصرار كييف المستمر على الحصول على الأسلحة المشار إليها نابع، طبقاً لمراقبين، من فشلها الكبير في مواجهة سيل الهجمات الجوية الروسية. وفي هذا الإطار، تشير صحيفة «وول ستريت جورنال» إلى أنّه خلال ستة أشهر حتى آذار، أسقطت أوكرانيا 10% فقط من الصواريخ الباليستية التي تطلقها روسيا، وفقاً لتحليل أجرته الصحيفة لبيانات صادرة عن سلاح الجو الأوكراني، نظراً إلى أنّ الصواريخ الباليستية سريعة جداً وكبيرة جداً بالنسبة إلى معظم أنظمة الدفاع الجوي الأوكرانية، فيما تُعتبر بطاريات «باتريوت» الأداة الوحيدة الموثوقة لإسقاط تلك الصواريخ، ولا تمتلك أوكرانيا إلا «عدداً قليلاً منها». وحالياً، من المرجح أن تعمل الصواريخ الإيرانية، طبقاً لهؤلاء، جنباً إلى جنب الأسلحة الروسية، على «إغراق» أوكرانيا في ساحة المعركة.
سيرياهوم نيوز١_الأخبار