الرئيسية » مجتمع » من الحبّ إلى المحبّة

من الحبّ إلى المحبّة

رشا سلوم:

مهما كانت الآراء والمواقف التي تبدو متنافرة فيما يسمونه (عيد الحب) بعضهم يراه مظهراً من مظاهر العواطف الجميلة، قبل أن يتحول إلى ظاهرة استهلاكية عمل عليها التجييش التجاري، وآخرون يرونه بدعة في العالم كله، وهو ليس إلا تعليباً للفكرة النبيلة، مهما يكن الأمر، فإن الحب أنبل المشاعر الإنسانية، حب الأرض والوطن، حب الأهل، وأنبله، وأنقاه حب الأم لأبنائها، فهو الأسمى الذي لا يدانيه حب، ومن البداهة أن نقول: إن تراثاً ما في العالم أي تراث، لم يعرف الحب كما عرفه التراث العربي، ويكفي فقط أن نعدد أسماء من جنوا، وحملوا أسماء محبوباتهم، حلقة متواصلة ونبيلة لم تنقطع في الشعر العربي، وما أجمل أن نختار من بدوي الجبل ما قاله في دنيا محبوبته:
تقسَّم الناس دنياهم وفتنـتها وقد تفرَّد من يهوى بدنياه
ما فارق الريُّ قلباً أنتِ جذوته ولا النعيم محبَّاً أنتِ سلواه
غمرتِ قلبي بأسرارٍ معطَّـرةٍ والحبُّ أملكه للروح أخفاه
في مقلتيك سماوات يهدهدها من أشقر النور أصفاه وأحلاه
ورنْوةٌ لك راح النجم يرشفُها حتَّى ترنَّح سكرٌ في محيَّـاه
مُدلَّـه فيك ما فجرٌ ونجمته موَلَّـه فيك ما قيسٌ وليلاه
مَنْ كان يسكب عينيه ونورَهما لتستحمَّ رؤاك الشقر لولاه
سما بحسنك عن شكواه تكرِمةً وراح يسمو عن الدنيا بشكواه
يريد بدعاً من الأحزان مؤتلفاً ومن شقاء الهوى يختار أقساه
وإذا كان بدوي الجبل يريد هذا اللون من الحب النوراني الذي يكتفي به المحب، فإن الشاعر عمر أبا ريشة يقترب منه في شفقته على محبوبته، وخوفه عليها بعد أن انتهت عرى الحب بينهما :
قـالت مـللتك اذهـب لست نادمة
عـلى فـراقك إن الـحب ليس لنا
سـقيتك الـمر من كاسي شفيت بها
حقدي عليك وما لي عن شقاك غنى
لـن أشـتهي بـعد هذا اليوم أمنية
لـقد حـملت إلـيها الـنعش والكفنا
قـالت وقـالت ولم أهمس بمسمعها
ما ثار من غصصي الحرى وما سكنا
تـركت حـجرتها والدفء منسرحا
والـعطر مـنسكبا والـعمر مرتهنا
وسـرت في وحشتي والليل ملتحف
بالزمهرير وما في الأفق ومض سنا
ولـم أكـد اجتلي دربي على حدس
وأسـتلين عـليه الـمركب الخشنا
حـتى سـمعت ورائي رجع زفرتها
حـتى لـمست حـيالي قـدها اللدنا
نـسيت مـا بـي هـزتني فجاءتها
وفـجرت مـن حـناني كل ما كمنا
وصـحت يـا فـتنتي ما تفعلين هنا
الـبرد يـؤذيك عودي لن أعود أنا.
على الرغم من قسوة الملل التي صدمت الشاعر حين خاطبته بذلك لكنه، ظل الوفي لها، ظل القلب نابضاً بشغف الإنسانية التي التي يجب أن تنتقل من ملامح الحب الذي شوهه البعض إلى المحبة، وإلى هذا كان يشير إيليا أبو ماضي وهو القائل: أيقظ شعورك بالمحبة إن غفا … لولا شعور الناس كانوا كالدمى

أحبب فيغدو الكوخ قصرا نيرا … وابغض فيمسي الكون سجنا مظلما

ما الكأس لولا الخمر غير زجاجةٍ … والمرءُ لولا الحب إلا أعظُما

كرهَ الدجى فاسودّ إلا شهبُهُ … بقيتْ لتضحك منه كيف تجهّما

لو تعشق البيداءُ أصبحَ رملُها … زهراً، وصارَ سرابُها الخدّاع ما

لو لم يكن في الأرض إلا مبغضٌ … لتبرمتْ بوجودِهِ وتبرّما

لاح الجمالُ لذي نُهى فأحبه … ورآه ذو جهلٍ فظنّ ورجما

لا تطلبنّ محبةً من جاهلٍ … المرءُ ليس يُحَبُّ حتى يُفهما.
ملاذ البشرية اليوم أن تكون المحبة الهوية والفعل، لا إشغال العالم بالحروب والفتن، فيا محبي العالم العالم اتحدوا، اشعلوا الشمع من أجل نور الحياة، الحب ليس يوماً وليلة، ولا مناسبة عابرة، هو المحبة التي تصنع المعجزات

(سيرياهوم نيوز-الثورة)

x

‎قد يُعجبك أيضاً

“اليونيسيف”: أكثر من 200 طفل قُتلوا في لبنان من جراء العدوان الإسرائيلي منذ نحو شهرين

منظّمة الأمم المتحدة للطفولة “اليونيسيف” تعلن استشهاد أكثر من 200 طفل في لبنان من جرّاء العدوان الإسرائيلي منذ نحو شهرين، في وقتٍ “يجري التعامل مع ...