الرئيسية » كتاب وآراء » تميّز المقاومة اللبنانية

تميّز المقاومة اللبنانية

سعد الله مزرعاني

 

بدءاً من مطلع الأسبوع الفائت، انتقل المركز الأساسي للحملة العدوانية الإرهابية الصهيونية من غزة إلى لبنان. واكب ذلك تصعيد إعلامي (معظمه سعودي)، مشبوه ومدفوع، بغرض التضليل والخداع والتشكيك والتيئيس والدعوة إلى الإذعان. هذا التحوّل لم يمنع العدو الصهيوني من استئناف حرب الإبادة الجماعية والتطهير العرقي، في غزة والضفة الغربية. ماذا عن «جبهة الشمال» وموقعها في مجريات الصراع الضاري الراهن، وما هي النتائج المتوقّعة والمهمات المطلوبة ؟تستدعي هذه التساؤلات عوداً على بدء: الحدث الأكبر والأخطر كان إعلان ولي العهد السعودي محمد بن سلمان (المنقلب على الولي الشرعي محمد بن نايف في تموز 2017) أن التطبيع السعودي مع الكيان الصهيوني قد قطع مسافة كبيرة. حصل ذلك قبل عملية «طوفان الأقصى» بحوالي أسبوعين، وبشكل احتفالي وصاخب عبر قناة «فوكس نيوز» الأميركية. يمكن القول، دون تردد، أن توقيت «طوفان الأقصى» قد كان ذا صلة وثيقة بإعلان ولي العهد السعودي ذاك، وإن كانت تلك العملية، أساساً، إحدى أبرز محطات الصراع الطويل بين الشعب الفلسطيني ومغتصبي وطنه الصهاينة وداعميهم في دول الغرب الاستعماري. قلبت عملية «حماس» الطاولة على خطة العدو وحماته وأتباعهما من المطبّعين في الحكومات العربية. جذرية العملية كانت بمستوى ما فرضه المسار التصفوي المذكور، والذي كان يتقدّم، واثقاً ومستفزّاً، برعاية واشنطن التي احتكرت دور «الوسيط» لتكون الخصم والحكم كما كان شأنها دائماً! سارعت واشنطن إلى تبني حرب الإبادة التي اعتمدتها حكومة أقصى اليمين الفاشي بقيادة نتنياهو : بكل ما تطلّبته من تبرير سياسي (معركة «دفاع عن النفس»)، ودعم مادي وعسكري ومالي واستخباراتي (عشرات المليارات)… وبشكل متواصل، منذ حوالي السنة إلى اليوم.

كشف التعامل مع الرد الجنوني والوحشي الإسرائيلي عن ثبات داعمي العدو والمطبّعين معه، على مواقفهم بشكل عام، عبر تأييد، مباشر أو غير مباشر، لحرب الإبادة الإسرائيلية. أمّا من بكَّر في إعلان تفرّده وتمرّده، فكانت المقاومة في لبنان ومن ثم انخراط سلطة صنعاء بقيادة «أنصار الله» في المعركة… إلى فصائل «الحشد الشعبي» العراقي في نطاق «محور الممانعة» بقيادة الحكومة الإيرانية التي شجّعت ورعت وموَّلت.

الواقع أن الردّ اللبناني عبر المقاومة، قد شكّل ظاهرة تخطّت كل التوقّعات من حيث التبكير في الانخراط والمواظبة على «الإسناد»… إلى أن تحوّلت في الأسبوع الأخير «رسمياً» إلى ساحة أولى للصراع بإعلان صريح ومتوتّر من العدو الذي قرَّر أن يحشد الأساسي من قواته على الجبهة من لبنان.

ينبغي القول إن «قصة» لبنان مع العدو هي قصة مميزة من حيث لم يكن أحد يحسب أو يتحسَّب، إلا منذ عام 2006 على وجه الخصوص. لبنان كان حاضراً في كل مراحل الصراع مع العدو. في مراحل التأسيس انتصاراً للشعب الفلسطيني، ونتائج ذلك في احتلال وضم القرى «السبع»، وفي المجازر كما في بلدة حولا عام 1948 (85 شهيداً)، إلى احتضان ودعم المقاومة الفلسطينية من قبل «الحركة الوطنية اللبنانية»… إلى مقاومة غزو لبنان واحتلال بيروت عام 1982، إلى مباشرة المقاومة ضد الغزو وتسجيل انتصار غير مسبوق على جيش العدو المحتل وإكراهه على الانسحاب تباعاً حتى المرحلة الأخيرة عام 2000، إلى حرب 2006 وهزيمة جيشه تحت وطأة ضربات المقاومة التي واصلها «حزب الله»…

استناداً إلى هذا السجلّ الحافل بالاعتداءات، من جهة، وبالانتصارات من جهة ثانية، وفي امتداد تفرّد المقاومة اللبنانية بكل أطرافها، في إلحاق أكبر الهزائم بالعدو وحماته، صدر قرار «الإسناد» منذ اليوم الأول بعد «طوفان الأقصى»، وحتى اليوم، حين أصبحت جبهة لبنان هي الجبهة الأساسية حتى إشعار آخر.

ينتسب قرار «الإسناد» إلى خلاصات ما ذكرناه: من المعاناة، ومن النتائج الباهرة. وهو بذلك يجسّد أكثر المواقف إخلاصاً ووفاء لتاريخ المقاومة وتفرّدها ولانتصاراتها، بمقدار ما يفضح، بالمقابل، دور المتواطئين مع العدو أو المشاركين، سرّاً، في إجرامه، أو الساكتين حرصاً على سلطاتهم التابعة وعلاقاتهم المشبوهة…

لقد كانت المشاركة اللبنانية، غالباً، مشاركة نبيلة، بمقدار ما اتخذته من مواقف جريئة، وكابدته من تضحيات وحقّقته من إنجازات ذات هدفين: الأول، دعم الكفاح العادل للشعب الفلسطيني. الثاني، مواجهة خطط الصهاينة وداعميهم ضد مصالح كل شعوب المنطقة ومن أجل السيطرة عليها ونهبها وانتهاك سيادتها.

من ناحية ثانية، جسّدت المقاومة في لبنان، والانخراط اليمني المدهش، فضلاً عن مساهمات المقاومة العراقية وغيرها… نموذجاً فذاً لقومية المعركة ولطابعها التحرّري الذي ينبغي الحرص على تطويره في الشكل والمضمون. هذا يملي أن تطور القوى التقدمية العربية مواقفها وممارساتها لكي تكون شريكة في المواجهة، وذات حضور جدي، وبالتالي ذات تأثير على الطابع العام لتلك المواجهة، بالاستناد إلى برامجها التي تُمتحن وتتأكد جذريتُها بالممارسة، لا بالتفرج أو بالانكفاء، أو بالبيانات.

أمّا العامل الثالث، فقد تجلّى في منع الاستفراد بالشعب الفلسطيني، وخصوصاً في إسقاط محاولة العدو وداعميه والمطبّعين معه إرهاب كل من يتجرّأ على مواجهة المشاريع الصهيو-أميركية للسيطرة على المنطقة واستباحة ونهب ثرواتها واستعباد شعوبها.

* كاتب وسياسي لبناني

 

 

 

سيرياهوم نيوز١_الاخبار

x

‎قد يُعجبك أيضاً

عن إعادة التموضع.. ودور النُخَب

      بقلم :بسام هاشم   هفي مرحلة ما بعد الانتصار على الإرهاب، وفي سياق إعادة بناء الدولة الوطنية، تجد سورية نفسها أمام تحديين ...