عبد اللطيف شعبان
نبع الغمقة المشهور يقع شمال مدينة صافيتا ب 3.5 كم، وعلى حدود حرم النبع تتلاقى حدود أربع وحدات إدارية ( مدينة صافيتا – بلدية الجروية – بلدية الصومعة – بلدية فتاح نصار ) إلا أن النبع يقع ضمن عقارية بلدية الصومعة، وهو نبع موسمي بغزارة مائية ملفتة بدءا من أواسط فصل الخريف ويستمر تدفقها حتى أواخر شهرحزيران، مع اختلاف هذه المدة – زيادة أو تقصان – بين عام وآخر حسب غزارة الأمطار.
ينبع ماؤه من فوهة صخرية مسبوقة بتجاويف تحت الأرض على شكل كهوف صخرية اخطبوطية الشكل بعدة أحجام شكلا وغمقا وطولا وعرضا، ويوجد ماء دائم في بعض زوايا هذه التجاويف وكأن هذا الماء جزء من نهر مائي جوفي تحت الأرض، وعندما تزداد مياهه بسبب الحجم الكبير لمياه الشتاء يمتلئ مجراه وتمتلئ جميع الجيوب الكهفية الاخطبوطبة فيتدفق الماء الزائد من فوهة مفتوحة للخارج هي فوهة النبع، ليصب بعد أمتار في النهر المجاور( نهر الغمقة )الذي يصب بعد حوالي 25 كم – في البحر قرب المدخل الجنوبي لمدينة طرطوس.
أواخر القرن التاسع عشر يوم لم تكن الكهرباء ولا محركات الديزل معروفة في سورية، ونظرا للحاجة الماسة للطحين انتشرت يومئذ طواحين الماء التي تدور رحاها بواسطة تدفق الماء المنساب من علو على دواليب تسبب دوران رحى صخرية كبيرة مصممة لطحن الحبوب لغاية الحصول على لقمة الخبز، وبغية تحقيق الاستفادة من مياه نبع الغمقة تم بناء طاحونة غرب النبع بمسافة واحد كم، وقام المجتمع الأهلي بحفرمجرى ترابي بمحاذاة النهر وأعلى من مساره بأمتار، وتعمير جانبيه بالحجارة، بغية الحفاظ على سير الماء فيه حتى الطاحون وتم تشغيلها.
لاحقا تم بمبادرة أهلية ( منذ حوالي 100 عام )إحداث ثقب كبير في الصخرة فوق النبع بقصد تحويل خروج بعض ماء النبع من هذا الثقب ليتجمع بحوض ويتابع بمجرى علوي لصالح تشغيل طاحونة ثانية قرب النبع تماما، ومع الانتهاء من تجهيز الثقب والحوض والمجرى الجديد وحلول موسم الشتاء تفجرت مياه النبع بغزارة من الثقب العلوي الجديد ( مع بقاء انسيابها من الفوهة السفلية القديمة ) وانسابت المياه إلى الطاحونة الجديدة لتديرها، والماء نفسه يعود ليصب في المجرى الترابي باتجاه الطاحون الغربية الأولى، وقد لوحظ أيضا أن غزارة النبع تسمح بإنشاء طاحونة ثالثة قربه، فتم تجهيز مجرى ماء لها بمحاذاة مجرى الطاحون الثانية، وتم تشغييل الطاحون الثالثة، وقد عملت الطواحين الثلاثة معا عشرات السنين خلال أشهر استمرار مياه النبع في كل عام، وبعد دخول الكهرباء والنفط في العقود الأخيرة ….ظهرت الطواحين الجديدة وتوقفت طواحين الماء الثلاثة التي لازالت أبنيتها موجودة حتى تاريخه.
مع بداية فصل الخريف من كل عام اعتاد عشرات المبادرين الخيرين من سكان البلديات المجاورة تنظيف الحشائش من حرم مياه النبع ( التي تتفرع إلى سواقي في مساحة حوالي 3 دونمات ) وتهذيب حجارة جوانب السواقي التي يتوزع فيها الماء، تحضيرا لتمكين زوار منطقة النبع الذين يؤمونه بالمئات كل يوم خلال فصلي الشتاء والربيع، وبالآلاف أيام الصحو والعطل الرسمية من الحركة بسهولة في حرم النبع، وخلال الأيام الماضية من شهر أيلول المنصرم بدأ المبادرون بتنظيف بعض الحشائش وإحداث قنطرة من الحجر والاسمنت على شكل قوس لتمكين الزوار من عبور حوض النبع من جهة لأخرى، وأيضا تم تجهيز حوض ثاني للماء تحت الحوض الرئيس بأمتار لغاية استخدامه للسباحة كالحوض الرئيسي للنبع الذي يضيق أحيانا كثيرة بعدد السباحين، مع الإعداد لحوض ثالث وحوض رابع لصالح الأطفال مع حفر أدراج في الصخر تمكن الزوار من النزول والصعود إلى حرم النبع بسهولة، وكل ذلك / مواد من حجر واسمنت وأيدي عاملة / تم تقديمه تطوعا اختياريا من المبادرين، دون تحميل أي جهة رسمية بعضا منه، ولهذه الأعمال فائدة كبيرة تجميلا للموقع وتسهيل استفادة وحركة زوارالنبع، وكان بنية المبادرين تعميرحافة الطريق العام المنهارة ( بطول 25 م ) على بعد أربعة أمتار من النبع حيث من المتخوَّف سقوط أية ألية أومواطن يقف عليها، فكثيرا ما يكون الازدحام كبيرا في هذا المكان ( سيارات – دراجات – مواطنين – سباحين ) ولا يوجد أي رصيف بين الطريق العام وبين النبع.
المستغرب في الأمر أنه قد وصلت بعض المعلومات إلى بعض الجهات الرسمية بأن المبادرين تطوعا بهذا التحسين المفيد يقومون بعمل تخريبي خلافا للحقيقة والواقع، والملفت للانتباه أن هذه الجهات الرسمية حذرت المشاركين في المبادرة من متابعة العمل بدلا من التقدير الذي يستحقونه، خاصة وأن الواقع يظهر وجوب الإطراء والثناء والتشجيع بالاستمرار… وهذا يستوجب أن تتأكد الجهات المعنية من الجدوى الكبيرة المتحققة من هذا العمل التطوعي، وتبارك جهود من شاركوا به وتطلب منهم المزيد وقد يكون من المفيد أن يتم ذلك بالتنسيق مع بلدية الصومعة التي يقع عقار النبع ضمن حدودها ..فالمبادرات المجتمعية تحتاج المزيد من التشجيع والتقدير بعيدا عن أي تقريع أو تحذير، وهنا من الجائز السؤال لماذا لم تُقدم أيا من الجهات الرسمية على إجراء أية تحسينات حول هذا النبع الذي يعتبر منطقة سياحية بامتياز، إذ يوجد على حدود حرمه ثلاثة مقاصف متميزة التجهيز والخدمة وعلى مقربة منه اثنين آخرين مع مسابح وعلى مسافة قريبة منه اثنين آخرين أيضا مع مسابح.
وهنا أشيرإلى أن ماء النبع مع ماء النهر المجاور / حوالي 100 م3 كل دقيقة / تذهب هدرا إلى البحر كل عام، ومنذ سنوات كان من المقرر بناء سد على النهر، ولا زالت الدراسات التي تمت بخصوص ذلك في الادراج، وقد رشح مؤخرا أن السد قد يكون مقابل قرية المعوانة مع نفق تحتها يسمح بمرور الماء الزائد عن السد انسيابا بالأودية باتجاه الجنوب ليدعم سد الباسل على نهر الأبرش، ولا زالت الوعود رهن تحقيق المنشود.
وفيما يلي بعض الصور من موقع النبع ومنها ما يظهر بعض التحسينات التي تمت نتيجة المباردة والحاجة الماسة للمتابعة مع تكريم المبادرين.
*الكاتب:عضو مشارك في اتحاد الصحفيين
(موقع سيرياهوم نيوز-1)