فجر هذا اليوم الخميس كثفت إسرائيل الغارات على الضاحية الجنوبية لبيروت واستهدفت حارة حريك، وبرج البراجنة ومنطقة الحدث، وادخلت مدينة بيروت مجددا الى دائرة الاستهداف بعد غارة على مركز للهيئة الصحية في منطقة الباشورة وسط بيروت اسفرت عن 6 شهداء و11 جريحا وخلفت اضرارا كبيرة بالبناء، وفي الوقت الذي كانت فيه بيروت تحت النار والغارات، دوت انفجارات في تل ابيب بعد وصول مسيرات قادمة من اليمن لتدخل سكان تل ابيب ليلة أخرى الى الملاجئ، وأعلنت إسرائيل انها اعترضت المسيرات اليمنية، لكن المشاهد التي انتشرت على وسائل التواصل اظهرت انفجارات والسنة لهب في تل ابيب.
رغم هذه التطورات المتسارعة، ظل الحدث الأبرز طوال نهار امس هو الهجوم البري الفاشل على حدود لبنان الجنوبية. ولعل صحيفة يديعوت احرنوت لخصت المشهد في الشمال عندما عنونت ” كارثة تحل بالمناورة البرية بالشمال”. فشل ذريع وكارثي منيت به قوات النخبة الإسرائيلية في لواء “ايغوز”. وكانت الحصيلة ثمانين جنديا وضابطا بين قتيل وجريح، اعترفت إسرائيل بمقتل ثلاثة ضباط وخمسة جنود واصابة الاخرين. فيما قالت المقاومة انها دمرت كذلك ثلاثة دبابات ميركافا.
وفي تفاصيل الهجوم البري الفاشل وحسب مصادر ميدانية مطلعة، فقد تقدم الجيش الإسرائيلي على أربعة محاور نحو الأراضي اللبنانية. المحورين الاولين من اصبع الجليل باتجاه العديسة وكفر كلا، ومن الجليل الأعلى اندفعت دبابات نحو مارون الراس وقوة نخبة من المشاة نحو يارون.
على المحور الأول استدرج رجال المقاومة القوة الإسرائيلية نحو البلدة، تحركت القوة الإسرائيلية بصمت وبدون اطلاق نار وعندما اقتربوا من منزل تحصن به مقاومون وقعت القوة الإسرائيلية بكمين المقاومة وحصل اشتباك وجها لوجه مع الجنود والضباط الإسرائيليين، مما اضطرهم الى الانسحاب خلف الشريط واستدعاء مروحيات الاخلاء التي تعرضت بدورها لنيران مدفعية المقاومة وللقذائف التي لحقت بهم الى عمق الشريط. في المحور الثاني اندفعت القوة الإسرائيلية نحو كفر كلا ووجهت بنيران المقاومة وحصل اشتباك من مسافة صفر أدى الى تراجع القوة الإسرائيلية والعودة الى داخل الشريط. ومن حدود الجليل الأعلى تحركت قوة مع الدبابات نحو مارون الراس، واجهتها المقاومة بالأسلحة المضادة للدروع ودمرت الدبابات قبل ان تصل الى البلدة وأجبرتها على التراجع، واثناء معركة مارون الراس، حاولت قوة إسرائيلية الالتفاف على المقاومين من جهة بلدة يارون القريبة لكن المقاومين اكتشفوها واجبروها على العودة. في النهاية أصيب الجيش الإسرائيلي بنكسة ومن الأمتار الأولى لدخوله البري. ودلالات ذلك كبيرة في حسابات الحرب على لبنان، لانها:
ـ أولا: اثبتت ان قدرات حزب الله ما زالت سليمة رغم الاغتيالات في الصف الأول من القيادات ورغم اغتيال الأمين العام السيد حسن نصر الله، وان المقاومة جاهزة مستعدة ولديها خطط دفاع متماسكة وقوية، رغم الحرب النفسية التي شنها نتنياهو وأركان حكومته لإبراز ان حزب الله انهار وان إسرائيل تمكنت من ضرب منظومة القيادة والسيطرة لدى المقاومة. لكن تبين ان هذا التقدير الإسرائيلي كان خاطئا، وان الدخول البري ليس بالأمر السهل.
ـ ثانيا: ما جرى اليوم من نتائج الهجوم البري الأول، وضع ورقة الثمن الذي لطالما خشيت منه إسرائيل في أي هجوم على لبنان على الطاولة. وتبدد حلم نتنياهو في قطف رأس المقاومة بشكل حاسم بعد ما انجزه من اغتيالات وضربات قاسية لقيادة الحزب.
ـ ثالثا: رفع تصدي المقاومة وافشال الهجوم البري المعنويات لدى جمهور المقاومة وانصارها في العالم العربي والإسلامي، واعاد التوازن للمعادلة التي اعتقد نتنياهو انها اختلت وان اختلالها يعطيه الفرصة للمضي الى الامام ورفع سقف الأهداف الى الدرجة التي تحدث فيها عن نظام إقليمي جديد بعد تغيير وجه الشرق الأوسط.
نتنياهو ظهر بخطاب جديد، لكن من دون الريش المنفوش، وبوجه ممتقع، وبقميص اسود، كان قد ارتداه وظهر به مرارا بعد عملية طوفان الأقصى في السابع من أكتوبر العام الماضي، اضطر نتنياهو اليوم الى خلع البدلة الانيقة وخلع معها ثوب الزهو والنشوة، واخرج من خزانة ملابسة القميص الأسود الرث بعد عام من نزعه، ولم يعود للقميص فحسب بل عاد الى خطاب أهدافه القديم، ولم يتحدث كما قبل أسبوع عن تغيير الشرق الأوسط، وعن اخضاع دول المنطقة، مثلما تحدثت وسائل اعلامه عن الاستيطان في جنوب لبنان، وعن اكل الشاورما في بيروت، كان خطاب نتنياهو امس يقتصر على أهدافه المحددة من دون أوهام، إعادة سكان الشمال، واستعادة الاسرى ونقطة. وحتى هذه الأهداف التي بدت له قبل أيام صغيرة امام هول ما يريد تحقيقه، لم تتحقق حتى الان، لا عاد سكان الشمال ولا استعاد الاسرى من غزة.
هو الان يخوض حربا، لا يعرف كيف يخرج إسرائيل منها، ولا متى تنتهي، ولا كيف تتوقف، وانما يواصل الهروب الى الامام، والان يتحدى ايران، وقد صادق مع اركان حكومته على الرد العسكري عليها، بعد الضربات الموجعة التي تلقها من طهران اول امس، ويبحثون كيف ستكون ومتى، وماذا سوف تستهدف، مواقع عسكرية إيرانية، ام منشآت نفطية، ام منشآت نووية. الولايات المتحدة قالت انها لا تدعم ردا على المنشآت النووية، لان ذلك سوف يفضي الى حرب إقليمية واسعة وطاحنة، وإسرائيل تبدو حسب التسريبات وافقت علــى ذلك، لكن من يصدق بايدن ومن يصدق ان نتنياهو يستمع لبايدن، على ايران الاستعداد لأسوأ السيناريوهات.
سيرياهوم نيوز 2_راي اليوم