قسيم دحدل
إلى أي درك وصلنا حين تصل السوق السوداء إلى قطاع الصيدلة، الذي من المفترض بمن يعمل فيه أن يكون على سوية علمية وأخلاقية ومهنية وإنسانية رفيعة المستوى، وهنا لا نعمّم، لكن ظاهرة التجاوزات عند العديد من الصيادلة بلغت حداً لم يعد يحتمل السكوت عنه، وخاصة عندما يكون استغلال حاجة المرضى للدواء التوصيف الدقيق للظاهرة!
الظاهرة التي بدأت بتقاضي أسعار مختلفة للدواء نفسه، حيث يختلف السعر ما بين صيدلية وأخرى، زيادة وليس نقصاناً طبعاً، وبآلاف الليرات، وصلت مرحلة الاحتكار للدواء بغاية الحصول على السعر الأعلى والذي يختلف من صيدلاني إلى آخر..!
هنا لا نتحدّث عن أدوية مهربة، بل عن أدوية، سواء كانت مُنتجة محلياً أو مستوردة بشكل نظامي، أي عن أدوية من البديهي توفرها وبأسعار محدّدة ومعلنة صادرة عن وزارة الصحة، والمؤلم أن تكون أدوية مزمنة!. على سبيل المثال لا الحصر دواء “هيبوربتيك يوني”، وهو دواء ضغط، سعره 10.500 ليرة، لكن هناك من الصيادلة من يقول للمريض جهراً بإمكانية تأمينه لكن بسعر حرّ وصل إلى 18.000 ليرة، أي بفارق 7.500 ليرة، وأيضاً دواء آخر وهو قطرة لضبط ضغط العين اسمه “بريموغان”، سعره 13.000 ليرة فقط، لكن هناك أيضاً من يقول لك: موجود إنما بسعر حرّ ويطلب بلسانه 47.000 ليرة، أي بزيادة عن ثمنه المحدّد قدرها 34.000 ليرة!
والسؤال المحيّر فعلاً: كيف وصل أمثال هؤلاء الصيادلة لهذه الدرجة من “الجرأة” كي يحدّدوا سعر الأدوية على هواهم، ويفرضونه على المرضى دون أي رادع أخلاقي قبل القانوني، مستغلين بأبشع أسلوب، حاجة المرضى الماسة للدواء؟!
إن ما يلجأ إليه بعض الصيادلة من أساليب ابتزاز للمرضى يجب أن يصنّف بمثابة الشروع بالجريمة، لأن ضربهم عرض الحائط بكلّ ما يترتب على أفعالهم، يعدّ استهتاراً بالأرواح، إذ إن مثل تلك الأفعال وبما فيها من احتمالية عالية للخطر، قد تكون من الأسباب المباشرة المؤدية لفقدان الحياة، نتيجة لعدم قدرة الكثير من المرضى على تأمين ثمن أدويتهم!!
ظاهرة أخذت بالاستفحال، ونكاد نجزم أن الكثيرين عانوا منها بشكل أو بآخر، الأمر الذي يقتضي التحرك السريع من قبل الجهات المعنية لضبط سوق وأسعار الدواء، وتطبيق الرقابة الدوائية من المصدر إلى المستهلك، وبكلّ المراحل، لعلَّ وعسى نخفّف على المواطنين تبعات هذا الفلتان في تداول الدواء وتوفيره وتأمينه لكلّ من يحتاجه، ولا يستطيع شراءه في ظلّ العبثية السعرية، حيث تختلف الأسعار ما بين صيدلية وأخرى!
ولعلّ في اعتبار العمل الصيدلاني – مؤخراً – من المهن الفكرية، بداية الضبط لاقتصاد الظلّ في هذا القطاع، حيث مستودعات احتكار الدواء تحقّق الثروات من معاناة الناس وأمراضهم..!
بقي أن نشيد بأصحاب الضمائر الحيّة من الصيادلة الذين لا يرتضون لأنفسهم غير الرزق الحلال، لأنه لولاهم لما عرفنا حقيقة ما يحدث في هذا القطاع، وخاصة لناحية الأسعار.
سيرياهوم نيوز١_البعث