د.نبيل طعمة
حروب الشرق الأوسط إلى متى؟ الشعوب التي تحيا على جغرافيته تعبت ووصلت حدود القرف والغثيان، أُنهكت من النزوح واللجوء والرحيل واستبدال المدن والبلدان، استُنزفت في مقدراتها المادية والبشرية، الكل أصابه الضرر في المال والبنون؛ أي أنها خسرت، وتخسر، زينة الحياة الدنيا وبهجتها، وأهم ما تخسره سلامها الذي ولد في الأساس بين حدودها، كان قليلاً ومن آمن به ندرة، تاه الكثرة في البحث عنه، والأنكا من هذا أنهم ذهبوا في رحلة الوصول إليه إلى التقاتل تحت راياته، الكل يريد الانتصار على بعضه، متناسين حجم الخسائر التي تنتج عنه، وحتى اللحظة لم ينتصر أحد، الكل ينادي بضرورة الصبر والانتظار، الكل أصدقاء وأعداء في الوقت نفسه، والشعوب لا تدري هي مع من، في هذا الشرق كل الشعوب تقاتل تحت راية الوصول إلى السلام، والحجج الدائمة أنهم يقاتلون من باب إيمانهم به وتحت راياته، لا أحد يريد الاستسلام إلى السلام؛ بل يريد أن يستسلم الآخر له.
أين هو السلام وأين المؤمنون به؟ الكل ذهب إلى التمسك بالمهيمن ويريد أن يهيمن، لا أحد يدرك قدر نفسه كي يقف عنده، فلسفة بشرية غابية لا تمتلك القناعة أو الالتزام بمشروعية الحدود والحقوق والقدر، وهذا يعني تعزيز القوى الذاتية التي تمنح الإنسان قدرة الوقوف عند حدود الإنسان وإنصافه للآخر ومعرفته بقدراته، فلا يتجاوزها ولا يعتدي بها على غيره، لا أحد يريد الوصول إلى الإيمان بمفهومه العميق، فما أن تتطور القوى والقدرات حتى تظهر لغة السيطرة والاعتداء والانتقام، السلام يعني البناء للحياة وامتلاك عناصر الجمال والإيمان بعدالة المهيمن، وهنا نجد أن الكثرة تحيا على التسويات أو الهدن المؤقتة (اجتماعية، دينية، سياسية، اقتصادية) وهذه تدع البوابات مفتوحة لاستمرار النزاعات وتحمل ضمنها العديد من الثغرات الجاهزة لتعيد الجميع في أي لحظة إلى الخلاف والعداوة والحروب والاعتداء والانتقام، وإذا كان السلام سبب الوجود وماهيته، وبدونه يشعر الكائن الحي بالحذر والحيطة والقلق، هذه التي تمنعه من الرؤية بسبب سعيه للحماية والحراسة والتحصن والاستعداد الدائم، فكيف به يرى الفرح والأمل والسلام، إنه يتحول إلى أداة تحمل أداة تقاتل، تقتل، تدمر، تتدمر، تخون، دون أن تتألم، ليبقى الإنسان القليل المؤمن بالسلام مؤمناً بإعادة البناء، الكثرة يرهقهم التحول إلى أسلحة تحمل السلاح، ومن ثم إلى الدفاع عن السلام، الكل يستثمر الآن باستثناء الندرة للحصول على السلاح، لا أحد جاهز للسلام، السلام قليل في الشرق الأوسط والعالم أجمع، والسبب أن الكل لديه الخوف من الكل، والكل يستعد دائماً للحرب، الكل يشعر بالضياع والفقدان، لم يعد للجميع نظر أفقي يرى به الآخر إلا كعدو، لم يعد لدى هذه الكثرة الإيمان بأن الإنسان بمفرده قليل وأنه مع الآخر أقوى، إنما أفقده النظر إلى محيطه رؤية الحياة فسلك سبل الموت، لم تعد شعوب المنطقة تبحث عن الفرح إلا في الحزن، معتقدة أن الحزن أعظم من الفرح ومؤمنة بأنه يعيد إليها وجودها، الكل يتحدث عن أنه واصل للفوز بالمعارك، يبحث عن تحقيق الانتصار ويستعد للتضحية بآخر ما لديه من مادي ومعنوي، للوصول إليه، في النتيجة الكل خاسر.
قلوب أبناء الشرق الأوسط انغمست بالأحزان، تبكي وتضحك دون أن تدري أو تفرق بين الحزن والفرح، بل على ما يحدث معها بإرادة منها أو بدونها، آمنت بالعبودية لا بالعبادة التي حولتها إلى طقوس، صلوات وأدعية، أفراح وأتراح، لا للإيمان بأسباب وجودها التي تدعوها للبناء والإعمار، بنت جيوشاً للقتال لا من أجل الحفاظ على سلام شعوبها ولا للحفاظ عليه، شعوب آمنت بالقتال والاقتتال تحت رايات الإله والسلام دون أن تؤمن به أو بمبادئ وجوده، تنتظر الوعود بولادة شرق أوسط جديد يأتيها، ولكن من أين؟ من الله، من الغرب، من الشرق، متمسكة بتاريخ بائد وتديّن أجوف، حتى اللحظة لم تستطع أن تبدع شرقاً جديداً متجدداً من بنات أفكارها، لذلك بقيت عرضة لغزو شباب أفكارهم، يغتصبونها بإرداة منهم؛ أو بالضغط والإكراه عليهم، كيف بهم ينتصرون؟ حقيقة ينتصرون على بعضهم بالقتل والتهجير والتدمير والتخلف وهدم الجزء اليسير الذي أنجزوه بين الحرب والحرب، شرق أوسط غير قادر على إنجاز عملية سلام، يتحدث دائماً عن صعوبات الوصول إليه وينادي من بوابات العداوة الدينية على السلام، يتحدثون عنه دون الإيمان بمبادئه وينتظرون.
(سيرياهوم نيوز2-الازمنة)