يوسف فارس
غزة | استشهد يحيى السنوار، رئيس المكتب السياسي لحركة «حماس» وقائد الحركة في غزة، والذي تتهمه إسرائيل بأنه المدبّر الأول لعملية «طوفان الأقصى». استشهد في موقف لن يتملّكك إزاءه سوى الذهول الذي يعطّل المدارك والمشاعر كافة: مدرّعاً بجعبة عسكرية، حاملاً سلاحاً، متقدّماً الصفوف على خط النار الأول، وليس مختبئاً وسط خيام النازحين في معسكرات النازحين، أو محاطاً بعشرين أسيراً في أعمق نفق في القطاع، خلافاً لكل السرديات الممكنة أو المتوقّعة.
والواقع أن قائد الاستثناءات ظل طيلة حياته في مساحة اللامتوقّع، منذ أن اعتُقل في نهاية الثمانينيات، وحتى خرج في صفقة تبادل أسرى مدهشة في عام 2011، وصولاً إلى سطوع نجمه في عام 2016، وتوليه قيادة «حماس» في غزة، ثم رئاسة مكتبها السياسي عقب اغتيال إسماعيل هنية. لقد شكّل «أبو إبراهيم» حالة فلسطينية فريدة على مستوى القيادة، كونه عاد بحركة «حماس» التي ظل رئيس وزراء الاحتلال يظن أنه القادر دائماً على ترويضها وشرائها بشنط المال، إلى مربع البدايات.
على أن تلك العودة لم تكن إلى بدايات الحركة التي انطلقت في عام 1987، وإنما إلى بداية النضال الفلسطيني المعاصر الذي سبق النكبة في عام 1936. ففي ذلك العام، قضى قائدٌ يشبهه كثيراً في نسق النهاية، في أحراج يعبد قرب جنين، وهو الشيخ الشهيد عز الدين القسام. لقد قرّر صاحب رواية «الشوك والقرنفل» التي كتبها في أسره، منذ ترؤسه قيادة «حماس»، أن الأخيرة لن تكون الثورة التي تتحول إلى دولة، ثم تذوب على طريقة حركة «فتح» في مسارات أنصاف الحلول، إنما حالة المقاومة التي لا بدّ أن تصعّد المعركة إلى أعلى مستوياتها، في الوقت الذي يقرر فيه المشروع الصهيوني أن يمضي إلى أبعد طموحاته في حسم الصراع.
إنها معركة مصير؛ هكذا يراها الفلسطينيون، وفي القلب منهم المقاومون في الميدان
سيختلف كثيرون على «طوفان الأقصى»، وسيرى كثيرون مِن الذين دفعوا ضريبة يظنون أنهم ليسوا مجبرين على دفعها، أن 7 أكتوبر كان مغامرة غير محسوبة، أو قفزة في النار، لكن صورة «ابن معسكر خانيونس» لن تترك لأحد مساحة للاختلاف عليه. أما العدو، في المقابل، فقد عاد إلى تسرّعه المعتاد، والزهو الذي تبدّده أحداث الأيام التالية، وهذا ما تترجمه تصريحات قادة المؤسسة الأمنية والسياسية: لقد قضينا على السنوار، انتهى الأمر، لم يعد أمام مسلحي «حماس» إلا الاستسلام، وحان الوقت لإبرام صفقة تبادل، كل العقبات أمام الانتصار المطلق تبدّدت بمقتله. ومن مثل التصريحات المشار إليها، ثمة هباء كثير، إنما الواقع مغاير تماماً.
وبرغم كل الرمزية التي كان يمثلها أبو إبراهيم في الأوساط العسكرية والسياسية والمجتمعية للمقاومة، فقد قُتل الرجل وهو يحارب ويتفقد خطوط القتال، أي لم يكن محتضناً عدداً من الرهائن لضمان سلامته؛ فللأسرى جنود ووحدات ظلٍ تحميهم، كما لجبهات القتال الآلاف من الرجال والمقاتلين الذين يملؤون الثغرات. وعلى أي حال، هذه معركة لا تنتهي بـ»كش ملك»، خصوصاً أن طموحات العدو منها هو الاحتلال الدائم، وإعادة الاستيطان واقتلاع الوجود الفلسطيني من القطاع، ثم من الضفة. إنها معركة مصير؛ هكذا يراها الفلسطينيون، وفي القلب منهم المقاومون في الميدان.
سيرياهوم نيوز١_الأخبار