نبيه البرجي
بعين حمراء وبتوجس شديد، ينظر بنيامين نتنياهو الى تسريب الوثائق الخاصة بالضربة الثأرية ضد ايران. في رأيه أن ادارة جو بايدن وراء ذلك، لا أي من دول «العيون الخمس» (FVEY) بعدما بدا أنه أعلن العصيان على هذه الادارة، وهو الذي يتهمها بمحاولة ابقاء الشرق الأوسط في اطار الستاتيكو الذي كان قائماً قبل عملية طوفان الأقصى، لخشيتها من أي تداعيات كارثية لتوسيع «حرب القيامة».
هذا ما يتناقض مع خطته لتغيير المسارات الاستراتيجية في المنطقة، وحتى لتغيير الخرائط. البداية من ايران التي تتصدر «تحالف الأرواح الشريرة»، بحسب بسلئيل سموتريتش. لاحظنا، كيف اتهمت «تل أبيب» الايرانيين باطلاق المسيّرة التي استهدفت منزله في قيساريا، مع علمها بأن تنفيذ العملية كان بقرار من المقاومة، وتبعاً لمقتضيات الميدان. أعقب ذلك قول نتنياهو لدونالد ترامب «ان اسرائيل تأخذ في الاعتبار المسائل التي تثيرها الادارة الأميركية، لكنها ستتخذ قراراتها في نهاية المطاف، وفق مصالحها الوطنية».
كلام يثير الذهول وأحياناً السخرية لدى الأميركيين الذي يدركون أي دور لهم، ليس فقط في وجود الدولة العبرية وانما في بقائها، بالتركيز على اقامة «حزام بارد» حولها بدل» أحزمة النار».
ترامب الذي يتقن اللعب في شقوق الجدران، يعرف كيف يلاعب نتنياهو، ولكن في اطار تكتيكي لتوجيه الضربة القاضية الى كامالا هاريس، التي تخوض مواجهة ضارية مع الرجل الذي نستعيد وصف بوب وودورد وروبرت كوستا له في كتابهما (Peril )، حول أيامه الأخيرة في البيت الأبيض، «اذا أردت أن تعرف كائناً بشرياً يخرج النار من أذنيه، فهذا هو دونالد ترامب». الآن في «اسرائيل» كائن بشري آخر ينطبق عليه هذا الوصف…
في المعلومات الموثوق بها رسالة روسية تحذيرية الى أكثر من حاكم عربي «اياكم والعقرب»، «نتنياهو سيفعل في الشرق الأوسط ما فعله أدولف هتلر في أوروبا»، لتكون نهايته كما نهاية الفوهرر، وليكون مستحيلاً على «اسرائيل» القيام من الركام. هي ليست في أي حال ألمانيا، التي ما لبثت أن تحولت الى القاطرة الأوروبية.
حتى ولو كان هناك اختلال هائل في موازين القوى بين «اسرائيل» وايران، ولو تصور توماس فريدمان حديثاً بين وليم بيرنز، مدير وكالة الاستخبارات المركزية، ونظيره الايراني يقول فيه «بلادك مخترقة ومكشوفة ومعزولة». ولكن مثلما تمتلك ايران العمق الجغرافي تمتلك العمق التاريخي، حتى وإن كانت وسائل الاعلام الغربية تضج بالتحقيقات حول «السنوات الايديولوجية» التي أعقبت الثورة الاسلامية، والتي أحدثت تصدعات اتنية وطائفية وسياسية، مع تزايد الاحتقان الاقتصادي المهدد بالانفجار.
«الاسرائيليون» يراهنون على نقاط الضعف هذه. لا حدود مشتركة لهم مع ايران (لهذا اعتمادهم على المؤازرة العملانية الأميركية). غير أن برنار ـ هنري ليفي الذي يقال إنه بعقله الجهنمي، يختزن ويختزل كل ثقافة التوراة، يرى أن تغيير الشرق الأوسط يبدأ من الهضبة الفارسية، كنقطة تقاطع جيوستراتيجية بالغة الحساسية بين طريق الحرير (الصيني) وطريق الأفاويه (الهندي).
التغيير بحسب ليفي، لا يمكن أن يتم الا بتقويض «نظام الملالي»، ما يبدو معقداً جدا في ظل التمنع (أو التردد) الأميركي، ليشير الى أن الرؤوس النووية لم تصنع لتبقى نائمة في مخابئها، مع ادراكنا مدى تأثير الفيلسوف الفرنسي في بارونات المؤسسة «اليهودية».
الايرانيون الذين يعرفون، ومنذ أيام الشاه المخلوع، ما يدور في رؤوس «الاسرائيليين»، لذا مضوا وسط حصار مروع، بخطى ثابتة نحو العتبة النووية، دون صناعة القنبلة التي تحتاج الى فتوى سياسية لا الى فتوى دينية، بعدما وصلت تحذيرات متتالية الى أركان السلطة حول «انفجار اللحظة النووية في رأس نتنياهو»، ومع اعتبار التنسيق العملاني بين أجهزة الاستخبارت «الاسرائيلية» والكثير من الأجهزة الدولية والاقليمية، لرصد «الدبيب النووي» على الأراضي الايرانية.
الأميركيون يتخوفون من تلك اللحظة لتداعياتها الكارثية على مصالحهم، حتى ولو كان دونالد ترامب في السلطة. ما يتناوله ريتشار هاس، الديبلوماسي المخضرم، في تغريدة له «لا نتصور أن ترامب سيفتح أمامه الطريق العسكري الى حيثما يشاء. نتنياهو بالنسبة الى ترامب، ليس سوى حجر على رقعة الشطرنج».
هاس سأل «اين هي مصلحة الولايات المتحدة أن يتحول الشرق الأوسط الى مقبرة»؟!
(سيرياهوم نيوز1-الديار)