الرئيسية » ثقافة وفن » الموسيقي العربي .. العلم وحده لايكفي

الموسيقي العربي .. العلم وحده لايكفي

علي الأحمد :
يسأل أحد الباحثين المرموقين، في موسيقانا العربية، ومن واقع النتاج الموسيقي العربي اليوم، كيف أُمكن لهؤلاء الأدّعياء المهرجين، من أن يحتلوا منصة هذا المشهد الموسيقي السريالي، مع أنهم لايمتلكون العوامل والأسباب الموجبة، التي تجعلهم يدخلون باب هذا الفن النبيل،حيث تراهم يفرضون حضورهم السمج وثقافتهم الوضيعة على الجميع، من دون أن يردعهم أحد أو يعيدهم الى حجمهم ومكانهم الطبيعي ، وكأن الأمر هنا أصبح مجرد لعب ولهو وتسلية عابرة ليس إلا.
وفي حقيقة الأمر، لايملك أحد الجواب على ذلك، لأن الأمور اختلط فيها الحابل بالنابل، وبات المدّعي يلبس قناع المبدع والشاذ يحتل مكان الطبيعي، ولو بحثنا عميقاً في مسببات الأزمة التي تحيط بهذا الفن، لوجدنا أن غياب التربية الجمالية من أهم الأسباب التي أدت الى تكريس هؤلاء المهرجين عبر سطوة وتسيّد المال الفاسد المفُسد، على شركات الانتاج والإعلام الخاص الذي تمثله المحطات الفضائية العربية التي تدّعي أنها تقدم الموسيقى العربية، وهي لاتمت بصلة لها، لأن مايقدم عبرها هو تحديداً الفيديو كليب هذا الفن الوافد الذي يحاول صنّاعه ومفبركوه ، تقليد الغرب الاستهلاكي عبر أغانٍ لاتمت بأي حال من الأحوال الى المجتمع العربي لامن قريب ولا من بعيد، ولاداعي لذكر وسوق الأمثلة على ذلك فهذه المحطات التجارية تفي بالغرض وأكثر. وحتى لوفرضنا أن بعض هؤلاء “النجوم” يمتلك ولو ” جزء يسير من العلم الموسيقي” فإن ذلك وحده لايكفي، ولايخوله أبداً إطلاق آراء وتهويمات كيفما شاء وكأنه وحده يملك الحقيقة الموسيقية المطلقة، فالموسيقى كعلم وفن بمثابة محيط واسع لاحدود له، قد يصرف المرء فيه حياته بأكملها، من دون أن يمتلك كافة أسراره الخبيئة، التي لاتُسلّم مفاتيحها، إلا لأولئك الأوفياء الخُلّص من الذين يمتلكون إضافة الى الموهبة، الفكر والثقافة والمعرفة ، وهم قلة نادرة كمايخبرنا التاريخ وتجارب الشعوب عبر العصور والأزمنة. فكيف يستوي هذا الأمر، مع أولئك الذين يدّعون أنهم ختموا هذا العلم الواسع من ألفه الى ياءه، كما يقال. وفي حقيقة الأمر لانريد أن نعقد مقارنة، وهي مجحفة بكل تأكيد، مابين هؤلاء الكبار الذين ساهموا في رفعة ورقي هذا الفن الإنساني النبيل،عبر الحضارات الموسيقية المتعاقبة، وبين مايزدحم به المشهد الموسيقي المعاصر، من “فنانين” يمتهنون هذا الفن ويفتقرون الى تلك العوامل التي ذكرناها آنفا.
صحيح أن هذا المشهد يحتوي بين طياته بعض الومضات الإبداعية لفنانين مبدعين، يمكننا القول أنهم يستحقون هذا الاسم بكل تأكيد وهم مع كل أسف قلة نادرة، نتاجهم الابداعي محدود التأثير بالرغم من أهميته ولغته الجمالية اللافتة ،لكنه لايعرف طريقه الى المنصات الإنتاجية والإعلامية، وبالتالي الى ذائقة المتلقي المتعطش لهذه الموسيقى الإنسانية الرفيعة، وهذه معضلة فكرية وحالة خاصة ونادرة قد لانجدها إلا في موسيقانا العربية وحدها، تؤكد باختصار، على الاختلافات الجوهرية مابين الغرب والشرق عموما، حيث الموسيقى والفنون هناك، تُعنى ببناء الإنسان تربويا وأخلاقيا وبالتالي جماليا وذوقيا،منذ الصغر، وهنا في المشرق يتخذها الكثرة الغالبة، كوسيلة للإمتاع والمؤانسة ومزجاة الوقت ليس إلا.
مانريد القول هنا، أن العلم وحده لايكفي الذي على أهميته يبقى قاصرا، إن لم يتم رفده كما أسلفنا، بالفكر والثقافة والمعرفة الموسوعية، وهذا يتطلب من دون أدنى شك، تضحيات ومغامرات وارتحالات دؤوبة ومستمرة من قبل الموسيقي العربي، في أن يمتلك ولو بحدود معقولة هذه العوامل المهمة في تكوين شخصيته الموسيقية المائزة، ولايكون ذلك إلا عبر قراءات مستمرة في العلاقة الوثيقة مابين الموسيقى والفنون عموما كالمسرح والسينما والعمارة والفن التشكيلي والرقص التعبيري والشعر والفلسفة، وغيرها من فنون وآداب وعلوم، فليس من المعقول والمنطقي أن يتأسس هذا الموسيقي على العلوم والنظريات الغربية الموسيقية التي على أهميتها بالتأكيد، يكون جاهلاً تماما بتاريخه الموسيقي ورموزه المبدعين عبر التاريخ. فأن تعلم الكثير عن أساطين الموسيقى الغربية كباخ وموزارت وبيتهوفن وتشايكوفسكي وكورساكوف وديبوسي، وفاغنر وغيرهم شيء جيد ومستحب، أما أن لاتعلم شيئاً يُذكر عن مؤسسي وحكماء وفلاسفة الموسيقى العربية كالكندي والفارابي وابن سينا والأرموي واسحاق الموصلي وزرياب وغيرهم فتلك مصيبة كبرى وإجحاف بحق هويتك وانتمائك إلى تربة وطين هذا الفن الذي يمتلك كل العوامل ليأخذ موقعه ومكانته في مسير ومسرى الثقافة العالمية،إن وجد الموسيقي العربي الذي يمتلك ناصية العلم والمعرفة والثقافة بمعناها الشمولي والانساني،وليسأل هذا الموسيقي نفسه هل نجد موسيقي واحد في الغرب، وحتى في الموسيقات المشرقية القريبة، يجهل تراثه الموسيقي وأعلامه ورموزه الثقافية الكبيرة ..؟ هذه باختصار مشكلة الموسيقي العربي أو لنقل بشكل أدق إحدى المشاكل، التي

تحيط به حيث يريد الذهاب بعيدا عن هذه الهوية وإرثها الابداعي، ليندمج في متاهة الأدلجة الموسيقية عبر منظومة العولمة التي تريد أمركة العالم بثقافة الاستهلاك والمتاجرة بالفن والابداع، كما نبّه اليه الكثير من المفكرين والفلاسفة حتى في الغرب نفسه، وبالتالي تسليع هذا الفن واعتباره كأية بضاعة يحكمها منطق السوق والتسويق، أما إذا أردنا أن نتحدث عن القيم والقيمة الابداعية، فهنا يقف المرء على عجائب لاتنتهي.

سيرياهوم نيوز 6  الثورة

x

‎قد يُعجبك أيضاً

وإنّما أولادُنا بيننا.. أكبادُنا تمشي على الأرضِ … في يوم الطفل العالمي.. شعراء تغنوا بالطفولة

  قد تجف أقلام الأدباء وتنضب أبيات الشعراء ولا ينتهي الحديث عن جمال الأطفال وذكريات الطفولة في عمر الإنسان؛ فالطفولة عالم مملوء بالحب والضحك والسعادة، ...