الرئيسية » ثقافة وفن » بين الإعلامي والفنان

بين الإعلامي والفنان

 فؤاد مسعد :
تختلط الأوراق لدى الحديث عن العلاقات التي تربط عادة بين الإعلامي والناقد والفنان ، حتى إن مفاهيم مغلوطة قد تشوب هذه العلاقة التي تحدها روابط ميزانها المد والجزر في العديد من مفاصلها ، ولكنها كالحياة فدائماً هناك الجيد والسيىء ، المليء والفارغ ، ولا يمكننا تجيير هذا إلى ذاك ، إلا أن السيىء غالباً ما يؤخذ مثالاً ومطية الى عمق الحقيقة وتبرير بعض ردود الفعل فيكون واجهة لكيل الاتهامات المُسبقة ، ما يجعل هذه العلاقة تعيش حالة من التقلبات وربما المزاجية التي تصل أحياناً حد النرجسية والاستعلاء وإلغاء الآخر واقصائه (من مبدأ أنا فقط من يمتلك المعرفة) ما يجعل المسافة تتسع أكثر فأكثر وتأخذ بالتباعد فيما بينهم ، في حين أن السمة الأبرز التي لا بد من توافرها هنا هي الوعي والمعرفة والثقافة والأهم سمة الحب إضافة إلى القليل من التواضع .
هناك من تطغى لديهم حالة الـ (أنا) إلى الحد المرضي فتعمي بصرهم وبصيرتهم إلى الدرجة التي يقتنعون فيها أن الإبداع والمعرفة يتوقفان عند حدود إدراكهم ، ولكن على رسلكم فهذه المهن الإبداعية نتاجها مكشوف أمام الجميع ، فالفنان الخلاق في إبداعه معروف كما الفنان المحدود الرافض للتطور ، والأمر نفسه ينجر على الإعلامي والناقد ، فالفرق كبير بين التعاطي السطحي مع المنتج الإبداعي وبين تقديم تحليل وقراءة نقدية موضوعية عنه ، كما أن الدافع هنا يختلف أيضاً بين من يتعاطى بحب وحرص بقصد البناء وبين من توجهه بوصلة علاقاته الشخصية الضيقة فيذهب إما للتهجم أو للمدح الانبطاحي ، والبون شاسع بين كلتا الحالتين .
محكوم على علاقة الإعلامي بالفنان أن تُبنى على المحبة واحترام كل منهما لعمل الآخر فكلاهما على متن مركب واحد إما أن يتكاملا ليسير المركب في طريقه بشكل قوي وسليم مهما علت أمامه الأمواج وهبت الرياح وإما أن يتخاصما ويضع كل منهما العراقيل والحواجز في وجه الآخر مما يُضعِف من قدرة المركب على السير ويجعله يغرق أمام أبسط مأزق أو نسمة ، فعندما يقف الإعلامي على مسافة واحدة من الجميع ويطرح رأياً موضوعياً منشأه المحبة ومحركه خوفه وحرصه على فنان بلده وعندما يكتب مادة إعلامية جادة ينتقد فيها عملا أو يجري حواراً مشاكساً وتكون غايته في ذلك كله نبيلة محركها المحبة . عندها فقط ستصل كلمته المحملة بالحب نفسه وإن استقبلها بعضهم بفتور، ولكن من يهرب من كلمة الحقّ لن يكون سوى نعامة تخبئ رأسها في التراب. وبشكل عام قدم الإعلام المحلي الفنان السوري بإطار فيه الكثير من الجدية والاحترام والاتزان ، تارة يقسو هنا وتارة أخرى يهلل هناك وفقاً لأهمية النتاج الإبداعي، ولكنه في المجمل كان يتعامل بموضوعية بعيداً عن منطق الصحافة الصفراء التي لم يكن لها حضور أو وجود على الساحة، وإن وجدت بطريقة أو بأخرى فتبقى دخيلاً طارئاً يحاول التسلل من خلال بعض الصغار عبر بث الشائعات واللهاث وراء الفضائح ونسبة تواجدها نادرة ومنابرها معروفة ، ويُنظر إليها بعين الريبة لأنها غريبة عن الجسم الإعلامي الحقيقي .
عندما يكون هناك لقاء لفنان مع وسيلة إعلامية محلية تتفاوت نسبة تفاعله مع الأمر، فبينما يؤكد بعضهم أن الأهم بالنسبة إليهم الظهور عبر هذه الوسيلة لأنها تمثّلهم وينتمون إليها بشكل أو بآخر وهي تتوجه للجمهور السوري أولاً ، نفاجأ أن بعضهم الآخر يضع العراقيل مفضلين الظهور فقط من خلال وسيلة إعلامية عربية معينة لأسباب الكثير منها ليس له علاقة بالحالة الإبداعية .
مما لا شك فيه أن الساحة الفنية غنية بأمثلة كثيرة عن فنانين كبار يُمَتّنون العلاقة التبادلية والتكاملية الصحيحة مع الإعلام ، وبالتالي هي دعوة لردم الهوة حين توجد ولتُبنَ مكانها جسور قوية لأن الهدف واحد وهو إنجاز أعمال هامة نحتفي بنجاحها وتميزها ، فهو نجاح يعنينا كلنا ولنا جميعاً شئنا أم أبينا .

سيرياهوم نيوز 6  الثورة

x

‎قد يُعجبك أيضاً

وإنّما أولادُنا بيننا.. أكبادُنا تمشي على الأرضِ … في يوم الطفل العالمي.. شعراء تغنوا بالطفولة

  قد تجف أقلام الأدباء وتنضب أبيات الشعراء ولا ينتهي الحديث عن جمال الأطفال وذكريات الطفولة في عمر الإنسان؛ فالطفولة عالم مملوء بالحب والضحك والسعادة، ...