آخر الأخبار
الرئيسية » العلوم و التكنولوجيا » الذكاء الاصطناعي هو سلاح الجو الجديد

الذكاء الاصطناعي هو سلاح الجو الجديد

محمد فضل الله

 

 

يبدو أنه من الصعب على الطرف الإمبريالي التخلّص من الأوهام التقنية؛ أن هناك تقنية معينة يمكنها أن تُعفيها من السياسة وإشكالياتها وتؤمِّن لها «الحلّ النهائي». هناك صلة واضحة بين خطابات التقنية وخطابات الحلّ النهائي. أوهام أن الطيران الحربي في إمكانه حسم الحروب كانت تتجدّد مع كل تطوير لها، بعد تصميم الطائرات النفاثة الأسرع والقادرة على بلوغ ارتفاعات لم يكن في مقدور الطائرات المدفوعة بالمراوح بلوغها وبالتالي من الصعب إسقاطها بالدفاعات الأرضية التقليدية، ثم مع تصميم الطائرات التي لا يمكن رصدها من قِبَل الرادارات، لكن في كل مرة كانت تَفشل حملات القصف الجوي في حسم أي معركة، وكانوا يَكتشفون أنه لا مناص من دفْع ثمن بشري وإرسال قوات برية تَلتحم مع قوات العدو.

الذكاء الاصطناعي يَلعب دوراً شبيهاً اليوم: أوهام إسرائيل بأنه يمكنها إبقاء الفلسطينيين في قطاع غزة والضفة الغربية إلى الأبد تحت المراقبة والضبط المُدار من قِبَل الذكاء الاصطناعي سقطتْ في عملية السابع من تشرين الأول، ثم أوهام إسرائيل بأن عملياتها القائمة على الرقابة والذكاء الاصطناعي في إمكانها إنهاء قدرة حزب الله على المقاومة، ليَأتي دور الميدان في الجنوب اللبناني ويُظهِر أن العنصر الإنساني ما زال حياً؛ مئات من المقاتلين يَمنعون جحافل مجهزة بكل أصناف التقنيات من التقدّم منذ أسابيع.

العنصر الإنساني هذا تناوبتْ على محاولة قتله النيوليبرالية وأقسام جامعية كاملة في الحاضرة الإمبريالية، الولايات المتحدة: الهومو-إيكونوميكوس الذي وصل أرفع درجاته في النيوليبرالية سرعان ما تحوّل إلى الهومو-بريديكتوس، الإنسان القابل للتنبؤ، صنوان «حكْم الخواء» النيوليبرالي، وأصبح عماد اقتصاد السيليكون فالي؛ إنسان منكشف بشكل تام أمام السلطة (التي وَعدتْ بتحريره يوماً) والتي يُمكنها أن تَحسب رياضياً عبر الداتا المجمَّعة عنه احتمال أن يقوم بهذه الخطوة أو تلك. طبعاً كان يُراد لنا أن نَحتفل بميلاد هذا الاقتصاد باعتباره تحولاً ديموقراطياً، ذلك أن المنصات التي تَجمع هذه الداتا وُصفتْ بأنها منصات الديموقراطية واللامركزية. الداتا التي تَملكها إسرائيل عن الفلسطينيين واللبنانيين ليست سوى جزء بسيط جداً من الداتا التي تَملكها الولايات المتحدة، عبر منصات الديموقراطية هذه، حول كل إنسان حول العالم، وحين تَجد الولايات المتحدة أن «ضرورات الأمن القومي» تَستدعي استخدام هذه الداتا في حربها على أي بلد، فهي ستقوم بذلك دون أي رادع. الإعلام الأميركي يريد لنا أن نَخشى تجسّس السيارات الكهربائية الصينية وأنظمة الجيل الخامس من الاتصالات الصينية علينا، لكن ليس من التقنيات والأنظمة الأميركية التي نَستخدمها جميعاً. حنق الإستابلشمنت الأميركي على إدوارد سنودن هو بسبب كشفه لأسطورة أن الولايات المتحدة على علاتها هي أفضل من غيرها من الحكومات؛ لا يمكن لنظام المراكمة الإمبريالي الأميركي أن يَعمل بالشكل المطلوب دون هذه الأوهام. في أفضل الأحوال، الولايات المتحدة هي «دولة عتبة» في مجال الاستخدام العسكري للداتا التي لديها حول أفراد العالم كله، أي في أفضل السيناريوهات الأخلاقية إن الولايات المتحدة الأميركية لا تَستخدم حالياً هذه الداتا، لكن يمكنها فعل ذلك وتطبيق برامج الذكاء الاصطناعي في المجال العسكري في اللحظة التي تريد.

اختُزلتْ نظريةُ الحرب إلى الذكاء الاصطناعي، ورأينا مع بدء الحرب على غزة بأن هذه التقنية هي محور الحرب، ولا يَملك الجيش الإسرائيلي أي تصوّر سوى استخدام المزيد منها (رغم اتضاح محدوديتها في السابع من تشرين الأول 2023) بدلاً من طرح تصوّر سياسي؛ جوهر الإبادة هو إنكار الإنسان لمصلحة الذكاء الاصطناعي والفانتازيات المحيطة بهذه التقنية.

محاولة القضاء على الإنسان، نقيض الذكاء الاصطناعي أو الإنسان ككائن مزعج يجب استبداله ليس فقط في مكان العمل بل في التفكّر الأنطولوجي حتى، هي في صميم قسم الفلسفة التحليلي في الولايات المتحدة؛ فرع «أخلاقيات الذكاء الاصطناعي» يحتلّ حيزاً واسعاً في الإنتاج البحثي لهذا القسم، لكنه لا يُشير أبداً إلى تجاربنا في الأطراف مع هذه التقنية التي تُشرِف على الإبادة. المطلوب من كمية الأدبيات التي تُعنى بفانتازيات الذكاء الاصطناعي (هل يمكن للذكاء الاصطناعي فعلاً أن يحكم البشر أم لا؟ واللجوء إلى تعريفات لاتاريخية للإنسان للإجابة عن هذا السؤال) هو بالضبط حجب تجاربنا الحقيقية مع هذه التقنية. في أفضل الأحوال تُنشَر دراسات حول مَنْ سيكون المستفيد مالياً من استبدال الروبوتات للإنسان في مكان العمل، أو كيف يجب أن نَضمن استخداماً «أخلاقياً» لهذه التقنية؛ لكن كل المجازر والإبادات التي تُرتكَب باستخدام الذكاء الاصطناعي لا تَستأهل أن يُعاد النظر في مجمل تعاطينا البحثي والأخلاقي مع هذه التقنية. لذلك حين نَستخدم عبارة «أبطال» في وصْف مقاتلي «الرضوان»، فهذا ليس من منطلق شعري، بل ضداً بأدبيات الذكاء الاصطناعي. ما يدافع عنه أبطال «الرضوان» اليوم هو الإنسان، الإنسان الذي يمقته قسم الفلسفة التحليلي في الولايات المتحدة، الإنسان الذي تمقته السيليكون فالي. إذا ما كان قسم الفلسفة التحليلي في الولايات المتحدة مهتماً فعلاً بإيجاد ما هو إنساني في مقابل الذكاء الاصطناعي، فإن أبطالنا يَستعيدون الإنسانية بالمعنى الحرفي، الإنسانية المهدَّدة بالمحو.

لكن السؤال الذي يُطرَح تالياً: تمّ تفكيك العناصر المكوِّنة للهومو-إيكونوميكوس بُعيد بدء الحرب في أوكرانيا وفي غزة، والتي تحدثنا عنها سابقاً، والعودة إلى الحروب القَبَلية التي لا تُعير الأثمان البشرية أهمية. كان يُقال إن ذلك حكرٌ على شعوبنا، جزء أساسي من أساطير الشعوب «المتحضّرة» حيث الرئيس يَستقيل عند حدوث خطأ في ظل قيادته، وحيث لا تجنيد إجبارياً في الجيش، وحيث الدولة تَتنازل مرحلياً أو تكتيكياً لأعدائها من أجل خفْض التكاليف البشرية على مجتمعها؛ كل هذا انتهى، فلا رئيس يَستقيل بعد عملية السابع من تشرين الأول، والرئيس الفرنسي يُريد استعادة التجنيد الإجباري وبناء الجيش من جديد، وإسرائيل تَترك أسراها للموت وحتى تقتلهم كي لا يقعوا أسرى بيد حركة حماس. هل هذا يَعني نهاية الهومو-بريديكتوس أيضاً؟ هل يمكن المواءمة بين نهاية الهومو-إيكونوميكوس والإبقاء على الهومو-بريديكتوس على طريقة الفاشية التي جَمعتْ التكنولوجيا مع اللاعقلانية؟ وماذا يمكن أن يَعني الذكاء الاصطناعي حين تَنتهي أوهام الهومو-بريديكتوس؟ سنسعى إلى معالجة هذا السؤال في مقالات لاحقة.

* باحث

 

 

 

 

 

سيرياهوم نيوز١_الاخبار

x

‎قد يُعجبك أيضاً

أكثر 5 تطبيقات شيوعاً واستخداماً في عام 2024.. التفاصيل هنا

مع الانتشار الواسع للهواتف الذكية، باتت التطبيقات جزءًا لا يتجزأ من حياة المستخدمين اليومية، حيث يستخدمها الملايين حول العالم للتواصل، الترفيه، التسوق، وتحرير المحتوى. بينما ...