استخدام الدولار الأميركي ونظام “سويفت” كسلاح من جانب الولايات المتحدة الأميركية، بشأن ما تعتبره واشنطن “أمن النظام المالي العالمي”، والذي يتمركز حولها وحلفاءها، أثار حفيظة ومخاوف بشأن حقيقة أمن هذا النظام، ما دفع دول “بريكس” إلى إيجاد بديل، كيف ذلك؟
مع انعقاد قمة “بريكس” في مدينة قازان الروسية بمشاركة 36 دولة، بدأ يتجلى عملياً ما تروم إليه المجموعة، حيث ظهر سعيها الجاد والمحسوم لتوسيع دائرة عضويتها، وبالتالي الدفع نحو إيجاد نظامٍ مالي جديد، بعيداً عن نظام “سويفت”، الذي يخدم جهات اقتصاديةٍ بعينها، ويرسخ أزمات اقتصادٍ تُضرّ بكل جهة تحاول أن تجد لها مكاناً خارج إطار الهيمنة الغربية.
فقد أثار استخدام الدولار الأميركي ونظام “سويفت” كسلاح من جانب الولايات المتحدة الأميركية، خصوصاً بعد استهدافها لروسيا وفصلها عن نظام “سويفت” عام 2022، مخاوف عميقة بشأن أمن النظام المالي العالمي الذي يتمركز حول أميركا، بحيث إنّ هذا الاستبعاد له عواقب اقتصادية خطيرة، ليس فقط على الدول المستهدفة، ولكن على التجارة العالمية بشكل عام.
هذا الوضع، سلّط الضوء على الحاجة الملحة إلى بدائل لـ”سويفت”، وإلى نظام مالي أقل اعتماداً على الدولار للتخفيف من مثل هذه المخاطر. وقد تبنّت في هذا الإطار، المجموعة النقاش منذ فترة طويلة، فكرة عملة “البريكس”، والتي قد تكون عبارة عن سلة عملات مدعومة بالموارد الطبيعية مثل الذهب والنفط والغاز.
وما يُساعد “بريكس” في ذلك، أنّ دولها مجتمعة تمتلك احتياطيات نقدية من الذهب أكبر من احتياطيات صندوق النقد الدولي والبنك المركزي الأوروبي مجتمعين، بحسب موقع “إندبندت أونلاين”، فيما هي تسعى الآن لتوسيع أعضائها.
فلماذا تتوسّع مجموعة “بريكس”، وكيف يمكن أن يؤثر إطلاق عملة جديدة للمجموعة على الدولار الأميركي؟
لماذا تتوسع مجموعة “بريكس”؟
مجموعة “بريكس” هي مجموعة غير رسمية من الاقتصادات الناشئة التي تأمل في زيادة تأثيرها في النظام العالمي. تأسست في عام 2009 وتتألف من دول البرازيل وروسيا والهند والصين وجنوب أفريقيا، فيما انضم إليها الآن خمسة أعضاء جدد هم إيران والسعودية والإمارات وإثيوبيا ومصر، وسط سعيها لتوسيع عضويتها أيضاً مع تلقيها طلبات دول أخرى بالانضمام إليها.
تأسست المجموعة على فرضية مفادها أنّ المؤسسات الدولية خاضعة لهيمنة القوى الغربية بشكل مفرط، وتوقفت عن خدمة البلدان النامية، وفق موقع “The Council on Foreign Relations”.
وقد سعت الكتلة إلى تنسيق السياسات الاقتصادية والدبلوماسية لأعضائها، وتأسيس مؤسسات مالية جديدة، والحد من الاعتماد على الدولار الأميركي.
وهي بذلك أصبحت قوة سياسية رئيسية في العقدين الماضيين، بناءً على رغبتها في خلق ثقل موازن للنفوذ الغربي في المؤسسات العالمية.
ومع نمو المجموعة من حيث العضوية والتأثير العالمي، فإنّ توسعها يوضح ثقلها المتزايد، ويكثّف تركيز الكتلة المناهض للغرب، بما في ذلك محاولات إقصاء الدولار الأمريكي، خصوصاً بقيادة روسيا هذا العام، على الرغم من أنّها “ستكون معركة شاقة”، وفق الموقع.
إزاحة الدولار.. نحو اللاهيمنة
وعليه، تتجّه الأنظار الآن، نحو ما إذا كانت القمة التي تنعقد في قيرزان في روسيا، ستنتهي بعملة جديدة لمجموعة “البريكس”، ونظام مدفوعات شبيه بـ”سويفت”، وفق موقع “Republic”.
وبحسب “ناسداك” – موقع مزود عالمي للتبادل، فإنّ العملة المحتملة لمجموعة “البريكس” من شأنها أن تسمح لهذه الدول بتأكيد استقلالها الاقتصادي، في حين تتنافس مع النظام المالي الدولي القائم، حيث يهيمن الدولار الأميركي على نحو 90% من إجمالي تداول العملات.
وحتى وقت قريب، كان ما يقرب من 100% من تجارة النفط تتم بالدولار الأميركي، ومع ذلك، أفادت التقارير في عام 2023 أنّ خُمس تجارة النفط كانت تتم باستخدام عملات غير الدولار الأميركي.
وإذا أنشأت دول مجموعة “البريكس” عملة احتياطية جديدة، فمن المرجح أن يؤثر ذلك بشكل كبير في الدولار الأميركي، ممّا قد يؤدي إلى انخفاض الطلب، أو ما يعرف بنزع الدولرة. وهذا بدوره من شأنه أن يخلف آثاراً على الولايات المتحدة والاقتصادات العالمية، وفق “ناسداك”.
لدى “البريكس” مجموعة من الأسباب التي تجعلها ترغب في إنشاء عملة جديدة. دفعت التحديات المالية العالمية الأخيرة والسياسات الخارجية الأميركية العدوانية دول المجموعة إلى استكشاف الاحتمال، بحيث إنّها “تريد خدمة مصالحها الاقتصادية بشكل أفضل مع تقليل الاعتماد العالمي على الدولار الأميركي واليورو”.
هل سنشهد العملة الجديدة في القريب العاجل؟
لا يوجد تاريخ إطلاق محدد حتى الآن، لكن قادة الدول ناقشوا الاحتمال بالتفصيل، خلال قمة “البريكس” الرابعة عشرة، التي عقدت في منتصف عام 2022.
الرئيس الروسي، فلاديمير بوتين، قال في هذا الإطار، إنّ “الوقت لم يحن بعد لعملة بريكس مشتركة، لكنّه أضاف في نفس الوقت، أنّ الكتلة المكونة من 10 دول، تستكشف استخدام العملات الرقمية في التجارة والاستثمارات المتبادلة التي تعمل بلاده من أجلها مع الهند ودول أخرى.
وفي معرض دعوته إلى اتباع “نهج حذر في إنشاء عملة احتياطية جديدة بسبب الاختلافات في هيكل وجودة اقتصادات الدول الأعضاء في بريكس”، قال بوتين إنّ هذه الدول “يجب أن تركز على استخدام العملات الوطنية والأدوات المالية الجديدة وإنشاء نظير لسويفت”.
ففي هذه المرحلة الزمنية، “عملة بريكس هي احتمال طويل الأجل، حيث ستكون بريكس حذرة وتتصرف تدريجياً، وتتحرك ببطء”، حتى يحين الوقت، بحسب ما قال بوتين لمجموعة مختارة من كبار المحررين من الدول الأعضاء في بريكس في تفاعل إعلامي في مقر إقامته الرسمي.
أهمية الدفع نحو نظام بديل جديد: “BRICS Pay” مثالاً
ووفقاً لهذه النظرية، تعمل دول “البريكس” على تطوير نظام “BRICS Pay”، وهو نظام مراسلة دفع مستقل لامركزي، وهو مماثل لنظام “SWIFT” في أوروبا.
وأكّد الموقع الرسمي لـ “BRICS Pay”، أنّ هذه الخطوة هي “حجر الزاوية المحتمل للمدفوعات للدول ذات السيادة والمزدهرة”.
فهذه الخطوة ستوفّر لدول “البريكس” خيارات دفع موسعة لتسوية السلع والخدمات، ممّا يعزز علاقاتها الاقتصادية بشكل أكبر، وفق ما قاله خبراء صينيون.
بالإضافة إلى ذلك، قد يساعد هذا النهج في تقليل الاعتماد المفرط على الدولار الأميركي، وموازنة هيمنة الدولار، وتعزيز التنوع المالي، وتعزيز الاستقلال الاقتصادي بين أعضاء البريكس وخارجها، كما أشار الخبراء.
في هذا السياق، قال وزير المالية الروسي أنطون سيلوانوف، إنّ “النظام المالي العالمي تسيطر عليه الدول الغربية، وأنّ المجموعة، التي تمثل 37% من الاقتصاد العالمي، بحاجة إلى إنشاء بديل”.
وأضاف أنّ “البنية التحتية الجديدة للدفع عبر الحدود ستعتمد على التقنيات المتقدمة، وستمكن من معاملات التجارة الخارجية الأسرع والأرخص، والتي لا تخضع لتدخل خارجي”.
على الهامش: ما هو نظام “سويفت”؟
بدأ نشاط النظام المالي، “سويفت” (SWIFT)، رسمياً عام 1972، وهو اختصار لاسم “جمعية الاتصالات المالية العالمية بين البنوك” (Society for Worldwide Interbank Financial Telecommunications)، ومقرها الرئيسي في بلجيكا.
ويعمل هذا النظام على تمكين المؤسسات المالية في جميع أنحاء العالم من إرسال المعلومات بشأن المعاملات واستقبالها، في بيئة آمنة وموحَّدة وموثوقة.
وترتبط بهذا النظام أكثر من 11 ألف مؤسسةٍ كبيرةٍ في 200 دولة، من أجل إرسال رسائل مؤمَّنة وأوامر الدفع المالي. ومع عدم وجود بديلٍ مقبولٍ عالمياً، يُعَدّ نظاماً أساسياً للتمويل العالمي.
وهنا يكمن سؤال عن ماهية نزع الدولرة؟
نزع الدولرة هي محاولة من جانب الدول لتقليل الاعتماد على الدولار الأميركي في المعاملات، وخاصة للتجارة، وفق موقع “The Council on Foreign Relations”، وهي في قوتها؛ إيقافٌ لمسار هيمنة العملة الأميركية على الاقتصاد العالمي وصيرورته.
ولإلغاء الدولار، تفضل البلدان إجراء المعاملات التجارية بعملاتها المحلية لتقليل الاعتماد على الدولار الأميركي. وهذا من شأنه أيضاً أن يضيف قيمة إلى عملاتها المحلية.
وهناك سبب آخر لقيام الدول بإلغاء الدولار، وهو حماية مصالحها، وخاصةً خلال الأوقات التي تفرض فيها الولايات المتحدة عقوبات، الأمر الذي يؤدي إلى عقبات اقتصادية خطيرة بالنسبة لها.
هل ستستطيع مجموعة البريكس حقاً التخلي عن الدولار؟
لقد ظل الدولار الأميركي لعقود من الزمن العملة الاحتياطية الدولية. ومع سعي العديد من الدول الآن إلى إيجاد بديل، وانضمام إلى مجموعة “البريكس” أعضاء جدد، بات تهديد أيام ازدهار الدولار واقعياً.
لقد شهد العام الجديد انضمام 4 من أكبر الاقتصادات في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا إلى الاتحاد الاقتصادي لمجموعة “البريكس”، حيث يُمثّل انضمام مصر وإيران والسعودية والإمارات خطوة استراتيجية بعيداً عن الولايات المتحدة وأوروبا.
وبالنسبة إلى أعضاء مجموعة “البريكس” الجدد، فإنّ هذا قد يفتح فرصاً جديدة للتجارة والاستثمار مع مؤسسي الكتلة. وقد يوفر لهم أيضاً الفرصة لتقليل اعتمادهم على الدولار الأميركي، مما يمنحهم المزيد من المرونة لمواجهة الضغوط السياسية والاقتصادية الأميركية.
في الواقع، ربما لم يكن من قبيل المصادفة الإعلان خلال زيارة بوتن للصين، عن قيام بكين ببيع ما مجموعه 53.3 مليار دولار من سندات الخزانة الأميركية وسندات الوكالات مجتمعة في الربع الأول، وفقاً للحسابات المستندة إلى أحدث البيانات من وزارة الخزانة الأميركية، بحسب موقع “responsiblestatecraft“.
واعتباراً من آذار/مارس 2024، تم تسوية أكثر من نصف المدفوعات الصينية (52.9%) بالرنمينبي، بينما تم تسوية 42.8% بالدولار الأميركي.
وعلاوة على ذلك، ارتفعت احتياطيات الصين من الذهب إلى 2264.87 طناً في الربع الأول من عام 2024، ارتفاعاً من 2235.39 طناً في الربع الرابع من عام 2023،وفقاً للبيانات الصادرة عن بنك الشعب الصيني، وهذا ضعف الحصة من السنوات الخمس السابقة.
وبحسب “غولدمان ساكس”، فإنّ رغبة الأجانب المتزايدة في تداول الأصول المقومة بالرنمينبي لا تزال تساهم في نزع الدولرة لصالح العملة الصينية.
وفي أوائل العام الماضي، أعلنت البرازيل والأرجنتين أنهما ستبدآن في السماح بتسويات التجارة بالرنمينبي. ومع بداية اتجاه نزع الدولرة العالمي، سارعت العديد من البلدان إلى تنويع احتياطياتها من خلال زيادة حيازاتها من الذهب وتبني العملات المحلية للمعاملات الدولية.
في الخلاصة، إذا نجحت فكرة النظام البديل، فإنّ إضافة نظام منافس قد يكون مغرياً بشكل خاص بالنسبة إلى دول الجنوب العالمي، ومن المؤمل أن يدفع صناع السياسات في الولايات المتحدة إلى ممارسة قدر أعظم من ضبط النفس فيما يتصل باستخدام العقوبات كمطرقة للسياسة الخارجية، وخاصة في ظل البيئة المحلية الحالية من الضغوط التضخمية والديون الوطنية المتزايدة باستمرار.
سيرياهوم نيوز 2_الميادين