يبدو أنّ توجّه الرئيس التركي رجب طيب أردوغان نحو مُصالحة داخلية تقوم على التراجع عن نبذ حزب العمال الكردستاني، والتخلّص من الخُصومة معه، وبالتالي ما يصفها بهجماته، وإرهابه، هذه الخطوة يبدو أنها ستزيد من خصوم الرئيس التركي، وحليفه في الحركة القومية دولت بهتشلي، حيث ذهب الأخير لدعوة عبد الله أوجلان الحبيس ذاته إلى البرلمان، لإلقاء كلمة، وإعلان حل التنظيم، الأمر الذي يبدو أنه لا يُلاقي ترحيبًا جماعيًّا في تركيا.
الرفض لعودة أوجلان (الإفراج عنه) من بوابة البرلمان، سيسمح فيما يبدو أو بدأ يسمح بدخول تيّارات جديدة، تمثّلت بوادرها بإعلان مجموعة من السياسيين المحسوبين على القوميين عن تأسيس حزب جديد، بقيادة السياسي البارز يافوز أغيرالي أوغلو، حيث استقال الأخير من حزب “الجيد” العام الماضي.
وأعلن فعليًّا أغيرالي أوغلو عن تأسيس حزب “المفتاح”، ولافت أن الحزب الجديد المذكور، نتاج مجموعة من السياسيين المُستقيلين من حزب “الجيد” المُعارض، وحزب الحركة القومية المُتحالف ضمن تحالف الجمهور مع الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، وحزب (الحركة القومية) يعد أكبر حزب قومي في تركيا، فهل يتراجع حُضوره لصالح حزب المفتاح الجديد؟
وحظي أغيرالي أوغلو بهتافات لافتة، بعد إعلانه عن حزبه الجديد “المفتاح” في أنقرة، وكان من بين الهتافات “يافوز الرئيس”، و”الأمة بحاجة ليافوز”، ليصعد الأخير على المنصّة ويقول بنبرة تحذيرية لافتة: “أمّتنا في ورطة، والمنطقة في ورطة، وأمننا في ورطة، وخُبزنا في ورطة، ونحن في ورطة”.
كما هاجم السياسي القومي أغيرالي أوغلو رئيس الحركة القومية دولت بهتشلي بسبب دعوته لزعيم “حزب العمال الكردستاني” المسجون في تركيا عبد الله أوجلان إلى إلقاء كلمة في البرلمان وإعلان حل التنظيم المُدرج على قوائم الإرهاب ووضع السلاح.
وقال أغيرالي أوغلو: “لن نسمح بدخول رئيس أو حتى أحبّاء شبكة القتل الدنيئة التي تقتل أطفالنا من خلال الإرهاب منذ 40 عامًا، إلى البرلمان”، معتبرا أنه “من غير الممكن الإشارة إلى أوجلان كعنوان للحل”.
وابتعد الرئيس التركي عن الواجهة فيما يتعلّق بطرح إعادة أوجلان، أو تخفيف العُزلة عنه، وترك ذلك عن تخطيط مدروس لجسّ النبض لحليفه بهتشلي قائلًا أمام كتلة حزبه النيابية: “إذا تم رفع العُزلة عن الزعيم الإرهابي (أوجلان)، فعليه أن يأتي ويتحدّث في اجتماع مجموعة حزب المساواة وديمقراطية الشعوب (DEM) في مجلس الأمة التركي، ويصرخ بأن الإرهاب انتهى تمامًا وتم إلغاء التنظيم”.
ويبدو أن مُبادرة بهتشلي، مرفوضة أو مشكوكٌ فيها ليس فقط من العديد من الأحزاب التركية، بل تبدو موضع استفهام من حزب العمال الكردستاني نفسه، حيث بعد تلك المبادرة “الجدلية” شهدت العاصمة التركية أنقرة هجومًا مُسلّحًا نفّذه اثنان أحدهما امرأة، قالت السلطات التركية إنهما من أعضاء حزب العمال الكردستاني، ضد منشأة تعود لشركة صناعات الطيران والفضاء التركية “توساش” (TUSAŞ)، ما أسفر عن سقوط قتلى وجرحى.
أما أوجلان نفسه فيبدو أنه يتفحّص المبادرة الجدلية المطروحة ويُقيّم، حيث جاء ذلك في رسالة بثها ابن شقيقه عمر عقب السماح بزيارة عائلية في محبسه بعد منعها لفترة طويلة (43 شهرًا)، إنه “في حال توفرت الظروف، لدي القوة النظرية والعملية لنقل هذه العملية (يقصد المُواجهات مع حزب العمال الكردستاني) من أرضية الصراع والعنف إلى الأرضية القانونية والسياسية”.
بقيّة الأحزاب الكردية ثمثّل بعض من موقفها في ما أعلنه حزب “الديمقراطية والمُساواة للشعوب” المُؤيّد للأكراد، وتفحّص جديّة ما سيأتي بعد مُبادرة بهتشلي، بأنّ الدور حان الآن لتُعلن الحكومة عن خطواتها المقبلة بشأن عملية السلام الداخلي وحلّ المشكلة الكردية بعدما أبدى أوجلان استعداده لمُطالبة حزب العمال الكردستاني بترك السلاح وحلّ المشكلة بالطرق السياسية والقانونية.
وقالت المتحدّثة باسم الحزب، عائشة غل دوغان، إن الرسالة الأولى التي بعث بها أوجلان مع نجل شقيقه نائب الحزب عن شانلي أورفا (جنوب شرقي تركيا)، عمر أوجلان، الذي التقى عمّه، في سجن إيمرالي (غرب) ستلقى صدى من جانب أولئك الذين أطلقوا له النداء بمُطالبة “العمال الكردستاني” بترك السلاح وإعلان انتهاء الإرهاب في البلاد وبدء عملية جديدة، في إشارة إلى رئيس حزب الحركة القومية، دولت بهشلي، وأولئك الذين يدعمونه، في إشارة إلى الرئيس رجب طيب إردوغان.
حزب الشعب الجمهوري المُعارض، وهو أكبر أحزاب المُعارضة التركية، يقيّم هو الآخر مُبادرة بهتشلي، وطالب الرئيس التركي بالتوقّف عن استخدام بهتشلي كمتحدّث بالنيابة عنه، ويُريد وضوحًا.
ويُثير بهتشلي الجدل في تركيا ليس بسبب مُبادرته بحد ذاتها، فكل الأحزاب التركية تتبنّى مبدأ التعايش بين كافّة أطياف الشعب التركي، ولكن كونه كان يشدد على ضرورة إعدام عبد الله أوجلان، ووعد بذلك ناخبيه عام 1999، وكان عارض الإصلاحات المطلوبة لتحقيق تركيا المعايير الأوروبية من قبيل منح الأكراد حُقوقًا ثقافيّةً أكبر.
وأعرب من جهته رئيس حزب الرفاه الجديد فاتح أربكان عن استيائه قائلاً: “إن السماح لأوجلان بالتحدث في البرلمان أمر لا يمكن تصوره”، معتبراً أن هذا الاقتراح يعد ضربة قوية لجهود الشعب في محاربة الإرهاب وتخليداً غير لائق لذكرى الشهداء.
هذه المبادرة الجدلية التي يقودها الرئيس التركي خلف الستار، لا تأتي بكُل حال من الحرص الكامل على حل مُشكلة الأكراد وتعايشهم في تركيا، والتخلّص بحسب الأدبيّات التركية من “إرهابهم”، أو كما شدّد الرئيس أردوغان على ضرورة “بناء تركيا خالية من الإرهاب والعنف” فقط، بل يعود ذلك لمخاوف الحزب الحاكم في تركيا الأكبر من النوايا الإسرائيلية، وتأسيس دولة كردستان الكبرى، حيث بعد أيام من هجوم دموي تبنّاه تنظيم “PKK” في العاصمة أنقرة، أعاد الإعلام العبري نشر خريطة ما أسماه بـ”تأسيس كردستان”، والذي يقوم على اقتطاع أراضٍ من تركيا وسوريا والعراق وإيران، وهو الأمر الذي يُفسّر أيضًا تكرار الرئيس أردوغان الرغبة بمُصالحة دمشق، ومُغازلتها، والتمنّي على حليفها الروسي المُساعدة، لصد مخطط تأسيس كردستان باستعادة سورية أراضيها، وقوّتها المركزية.
ويقبع أوجلان تجدر الإشارة داخل محبسه في سجن بجزيرة “آمرلي” مُنذ عام 1999 بتهمة “الخيانة والانفصالية” حيث صدر بحقه حكم بالإعدام، إلا أن هذه العقوبة خُفّفت عام 2002 إلى السجن مدى الحياة، فيما يخوض حزب العمال الكردستاني حملة مسلحة من أجل الحكم الذاتي الكردي داخل تركيا مُنذ عام 1984.
سيرياهوم نيوز 2_راي اليوم