حسان نديم حسن
في جلسة مجلس الوزراء الأخيرة، خرج الدكتور محمد غازي الجلالي، رئيس مجلس الوزراء، بدعوة صريحة لتبني “التفكير خارج الصندوق” لمواجهة التحديات المتزايدة التي يعاني منها المواطن السوري. هذه الدعوة تكتسب عمقًا خاصًا في ظل التحديات الاقتصادية والاجتماعية التي تواجه البلاد اليوم، والتي تستدعي بالفعل حلولًا جذرية تتجاوز الطرق التقليدية.
الجذور أولًا… الآثار لاحقًا
واحدة من أبرز النقاط التي أثارها الدكتور الجلالي كانت ضرورة معالجة جذور المشكلات، وليس الاكتفاء بمعالجة آثارها. فنحن اليوم بحاجة إلى سياسات تتعامل مع أساس الأزمات التي نواجهها، سواء كان ذلك في قطاع النقل أو تسعير المشتقات النفطية. قضية النقل الجماعي، على سبيل المثال، ترتبط بعمق بتسعير المحروقات، التي تؤدي بدورها إلى خلق أسواق سوداء وموازية تضعف كفاءة الخدمات، وتزيد من معاناة المواطن العادي. هذه النظرة الشمولية التي تجمع بين قضايا الاقتصاد والخدمات تعتبر خطوة في الاتجاه الصحيح، إذ لم يعد الوضع الراهن يسمح بمعالجة المشكلات بطرق سطحية أو مؤقتة.
نقد السياسات السابقة .. و تعديلها
دعوة الدكتور الجلالي إلى نقد السياسات الاقتصادية والخدمية التي ترسخت لعقود تأتي في توقيت حساس، حيث تواجه الحكومة ضغطًا شعبياً متزايدًا لتحسين الواقع المعيشي. من السهل على الحكومة أن تتحدث عن “التطوير” و”التغيير”، لكن الحقيقة هي أن الجرأة في نقد السياسات القديمة ومراجعتها بشكل فعّال يتطلب شجاعة وقدرة على التخلي عن الأساليب التقليدية.
إن مراجعة ملف الدعم والتسعير لا يعني فقط تغيير أرقام أو نسب، بل يتطلب فهمًا شاملاً لكيفية تأثير هذه السياسات على حياة الناس، وإيجاد بدائل حقيقية لا تقتصر على حلول قصيرة الأمد.
بين “تنظيم” السوق و”ضبط” الأسعار
أشار الدكتور الجلالي إلى مفهوم “تنظيم” السوق بدلاً من “التدخل المباشر في الأسعار”. هذه الفكرة تتطلب دقة في التطبيق، فهي تحمل توجهًا إيجابيًا بالتركيز على ضبط آليات السوق وتشجيع المنافسة بين المنتجين، لكنها تحتاج إلى آليات رقابية فعّالة تضمن عدم استغلال المستهلكين.
السوق السورية، بتاريخها العريق وقدرتها على التنظيم الذاتي، قد تكون قادرة على ضبط نفسها في ظل ضوابط حكومية تضمن توازن المصالح بين المنتجين والمستهلكين، ولكن يجب أن تمتلك الحكومة الأدوات الكافية لتحقيق هذا التوازن.
إعادة هيكلة قطاع الأعمال… التحدي الأكبر
إحدى القضايا التي طُرحت في جلسة المجلس كانت موضوع نقل مديرية الشركات من وزارة التجارة الداخلية إلى وزارة الاقتصاد، إذ هناك حاجة حقيقية لتبسيط وتوحيد آليات إدارة قطاع الأعمال والاستثمارات، و إن توحيد الجهات المعنية بالاستثمار قد يكون خطوة إيجابية، من خلال رؤية شاملة واستراتيجية واضحة تضمن أن لا تصبح هذه التغييرات مجرد تحولات شكلية.
السياحة والزراعة… أملٌ في الأفق
رغم الظروف الصعبة، شهد القطاع السياحي زيادة في عدد الزوار، وهو أمر يدعو للتفاؤل ويعكس رغبة المواطنين في العودة إلى ربوع الوطن.
أما القطاع الزراعي، الذي يواجه تحديات كبيرة، فتلقيه سلفة مالية بقيمة 300 مليار ليرة هو خطوة جيدة لدعم الإنتاج، لكنها تحتاج إلى استمرارية في الدعم والسياسات الزراعية التي تضمن إنتاجًا مستدامًا يخفف من الأعباء المعيشية ويحقق الاكتفاء الذاتي.
كلمة أخيرة
إن جلسة مجلس الوزراء الأخيرة ليست مجرد اجتماع عادي، بل تحمل في طياتها رؤية جريئة لمستقبل يحتاج إلى حلول غير تقليدية وشجاعة في مواجهة الحقائق. دعوة الدكتور الجلالي إلى التفكير خارج الصندوق تشير إلى تحول في التوجه الحكومي نحو معالجة مشكلات المواطنين. ومع ذلك، يبقى التحدي الأكبر هو في التنفيذ الفعلي لهذه الرؤية ومتابعتها بشكل يضمن تحقيق تغيير حقيقي على الأرض.
(موقع سيرياهوم نيوز-1)