عبد اللطيف شعبان
الإصلاح الإداري كان وما زال مطلب وطني من أهم الإصلاحات العامة المنشودة منذ سنوات، ومن المجمع عليه عند جميع الاقتصاديين أنه يشكل المدخل الأساس لجميع الاصلاحات المطلوبة، وتجلَّت أهميته الأوْلَى من خلال إقرار واعتماد وجود وزارة متخصصة معنية بالتنمية الإدارية، والتي تزامن إحداثها منذ سنوات مع بداية إطلاق التطلعات الوطنية عن التطوير والتحديث ومكافحة الفساد، هذه التطلعات التي نبعت من فكر السيد الرئيس بشار الأسد وبثها لسانه من الأيام الأولى لاستلامه رئيسا للجمهورية، وهو الذي حدد أهمية الإدارة ( في كلمته يوم 17/ 7 / 2000 ) قائلا: ” قصور الإدارة لدينا من أهم العوائق التي تعترض مسيرة التنمية والبناء والتي تؤثر بشكل سلبي في كل القطاعات دون استثناء، وعلينا أن نبدأ بالسرعة القصوى بإجراء الدراسات الكفيلة بتغيير هذا الواقع للأفضل، من خلال تطوير الأنظمة الإدارية وهيكلياتها ورفع كفاءة الكوادر الإدارية والمهنية، وإنهاء حالة التسيب واللامبالاة والتهرب من أداء الواجب، ولا بد من محاربة المقصرين والمسيئين والمهملين والمفسدين”
والسؤال الصارخ أين الجهات الرسمية المعنية – على تعددها وتنوعها – من العمل على تطبيق تطلعات سيادته خلال الأعوام المنصرمة، رغم أنه ذكَّر بذلك مرات عدة، مايؤكد أن الجهات الرسمية المعنية هي المقصرة عن تحقيق ذلك، فعدم مساءلة بعض الجهات – وخاصة ذات الدور الرقابي – الذي لا تخلو من كثير من الإيجابيات لبعضها الآخر المتخم بالسلبيات عن التقصير في تحقيق الاصلاح المنشود الذي أوصل الحال إلى ماهي عليه من سوء: ما استوجب أن يذكّر سيادة الرئيس مجددا باستنهاض الاصلاح الاداري قائلا: علينا أن نعيد مراجعة هذا المشروع من الأساس.. بعد سبع سنوات أين كنا.. أين وصلنا.. ما هي العثرات.. ماهي الأخطاء.. ما هيالسلبيات.. ما هي الأماكن التي يجب أن نغيّر فيها.. ما هيالأماكن التي حولنا فيها المشروع الإداري بدلاً من أن يكونمشروعاً يعطي مرونة وأحياناً يقيد.. وفي مناطق أخرى يتحول الى حلقة بيروقراطية.. هذا ليس بالمخطط ولكن هذا ما يحصل بالتطبيق… فأين هي المشكلة.. نعيد مراجعة المشروع على مستوى الحكومة ويقدم مقترحات ودراسة أين يمكن أن نقوم بالتطوير والتعديل، وأهم نقطة في إعادة المراجعة ألا يعتبرالمعنيون بالأمر أن الإعادة فشل لهم بل أخطاء يقع بها كل من يعمل كي لا يتحول الأمر إلى كيديات تعيدنا إلى ثغرات جديدة، كما عليهم أن يستمعوا ويأخذوا بملاحظات الآخرين والاعتراف بخبرات الآخرين من باب الدراية وليس الإملاء،فكل شيء بمشروع الإصلاح الإداري بحاجة لإعادة مراجعة الخطوات والمعايير وطريقة النقاش ومشاركة الجهات بصنع القرار والأخذ بخصوصيات عمل الجهات وإلغاء التسلّط في فرض الرأي.
على الأغلب يعود ضعف تحقق الاصلاح الإداري المنشود خلال السنوات المنصرمة لقلة الإرادة الصالحة الجادة في هذا الاصلاح عند بعض أولي الأمر ولضعف أهلية وكفاءة من تم تكليفهم بذلك ( لجان وورشات عمل ومؤتمرات … ) ويتحمل المسؤولية معهم العديد من أصحاب كبار المهام في الإدارات العليا والمتوسطة المستوجب أن يقوموا بالاصلاح الذاتي للخلل المتجذر في مواقع عملهم، ولكن راح عن البال أن المستفيد من الخلل لا يعمل على إصلاحه، إذ لم ولن يتحقق الاصلاح ما لم يتوفر الصلاح بالمعنيين بتحقيقه أكان تكليفا رسميا لهم أو مبادرة ذاتية منهم.
والسؤال المشروع هنا أين وزارة التنمية من ذلك، ولماذا ظهر في أكثر من مكان وزمان أن تعيين مدير بدلا من مدير سابق ( توفي أو استقال أو أقيل أو تقاعد ) استغرق أشهرا بل وأحيانا أكثر من عام، وقد حدث ذلك في أكثر من إدارة ضمن أكثر من وزارة رغم وجود مؤهلين وراغبين للاستلام، والطامة الكبرى ما حصل هذا العام بخصوص مديري المدارس فإعفاءات مدراء آلاف المدارس الذين سبق وجودهم ثمانية أعوام، أسفر عن وجود العديد من المدارس ( ثانوي وتعليم أساسي بمرحلتيه ) بدون مدير لقلة من يرغب هذه المهمة بسبب متاعبها وكثرة معاناة المكلفين بها اجتماعيا ورسميا، حتى استدعى الأمر تكليف أحدهم أو إحداهن بإدارة أكثر من مدرسة، وبعض من تم تكليفهم لايحمل شهادة جامعية لابل وشهادته غير تعليمية، مااستدعى الأمر أن تم تعيين من هو غير راغب وربما من هو ليس أهل.
لماذا لم تولي الجهات المعنية مئات طروحات الاصلاح الإداري التي كتبها باحثون مهتمون بالشأن العام، والتي غصّت بها الدوريات الاعلامية الرسمية والخاصة خلال السنوات المنصرمة، وعلى رأسها أعداد الملحق الإداري لصحيفة البعث، ولو أن أولي الأمر طالعوا ملياً جميع ماتمت كتابته حول قضاياالتطوير والتحديث والاصلاح الإداري والاقتصادي ومكافحة الفساد والتنمية الإدارية وعملوا به، لكان تحقق خلال أعوام قليلة الشيئ الكثير المنشود من المنهجية، فأين كانت التنمية الإدارية من متابعة ما جاء في هذه الدوريات وأين دورها التدريبي والتأهيلي المسبق لتمكين وجود وتعيين المدير البديل فور خلو كرسي الإدارة، بل أين الاستفادة من المعاهد الادارية التي تم إحداثها منذ سنوات لتحقيق ذلك، فكثيرون من خريجي هذه المعاهد يشكون من تهميشهم رغم أن إيفادهم السابق تم لغاية الاستفادة الإدارية منهم، لماذا لم يتم اعتماد أن يكون لكل مدير نظير من نفس الإدارة بحيث يكون مؤهل للاستلام فورا، من منطلق أن من في الدار أدرى بالذي فيه، خاصة وأن حجم التعيينات الوظيفية السابقة سمح بوجود فيض من العاملين الجامعيين في أكثر من إدارة، ومن المؤكد أنه تحقق بعض الاصلاح الإداري من خلال تقدم ملموس في استخدام المعلوماتية، ولكن هذا التقدم لم يترافق في تقدم إداري مكن توفير الكهرباء الضرورية جدا لذلك.
والأمل قائم بخصوص المراجعات الإيجابية التي تنوي لها الحكومة الحالية لكثير من التشريعات والاجراءات السابقة، ولكن حبذا أن تستفيد من الرصيد النظري والعملي لحيثيات الاصلاح خلال السنوات الماضية، بحيث لاتظهر الحاجة لمراجعة بعض مراجعاتها.
*الكاتب:عضو جمعية العلوم الاقتصادية السورية
(موقع سيرياهوم نيوز-1)