د.عماد فوزي الشعيبي عرفته قرابة عام 2003 كان لافتًا بالنسبة لي أن أرى محللاً بهذه القدرة والعمق والوثوق. جمعنا لقاء مشترك في عام 2004 على قناة MTV وكان معنا طرف ثالث مناويء بطريقة استفزازية؛ وقتها حاول أنيس أن يقرّعه فالتفتُ إليه وطلبت منه همساً أن يتركه لي. البست الضيف مواقف ليست منه لكنها عاليه البروز الأخلاقي فتملكته ومضى الحديث متناغماً معنا. بقي أنيس حتى آخر أشهر مضت يقول: لقد تعلمت من عماد هذا. وكنت أرى أنه قد بلغ ذروة التواضع في هذا. كانت أخلاق الذين مهما بلغ شأنهم يتواضعون أمام ما يتعلمون بل لايتوقفون عن التعلم والاكثر مدعاة للإعجاب انهم يقرظون زملاءهم بتواضع. وهو ما يثير في داخلي شعور بعظمة هذا النوع من البشر. مضت صداقتنا ولم يكن يمر اسبوع إلاّ ونتحدث مرة أو مرتين. اختلفنا واتفقنا ولا أكتم سرّاً حين أقول إن ظهور أمثاله على الإعلام يخفي جانباً عميقاً لا يظهر للعامّة! فالإعلام لا يستطيع أن يُظهر ما يمتلكه شخص من خاصة الخاصّة مثل أنيس. كانت الاستراتيجية تجمعنا وقلّة هي الجلسات التي كنا نتحدث فيها بالآنيات. كنا كتابين مفتوحين لكلينا؛ نفكر من خارج الصندوق ونتجرأ على النمطيات في عقولنا فلا تابو (محرمات) على تفكيرينا. كان من نوع خاص يجمع مع ما يعرفه الناس عنه الفيزياء والروحانيات المُعلّلة بسويّة يصعب أن تجد لها نظيراً. وكان يشجعني في ذروة الحرب حيث تتساقط القذائف، حين يحضر محاضرة لي عن الفيزياء الكوانتية ليقول لي أنت ترسل رسالة مهمة كيف أن السوريين يفكرون رغم الحرب، ويمضي ليكتب عن ذلك، فأرنو إليه: نتحدى الموت بحبٍّ نوعيّ للحياة-المعرفة. ويوافقني. كان يتناغم مع هذا لأبعد حدّ وكنا متفقين على أن الحياة تستدعي التحديّ ما دمنا قادرين. وكلّ بطريقته. اتفقنا على أن العالم قد تغير وإننا يجب أن نتغير مع هذا العالم والتفكير على مستوى الجيوبوليتيك بما يليق مع متغيرات العالم، اختلفنا قليلا على تفاصيل المشهد القادم في المنطقة، فلم أكن مع الكونفدرالية المشرقية عندما لا تكون دولها متشابهة القوة. لكنني كنت مستعدا كما كان هو أيضا لمناقشة كل شيء بعقل منفتح. كثيراً ما مارسنا نقداً لتجربتينا السلوكية والفكرية في الحياة وفي مطالع الشباب. وكان يجرؤ على (حكمة) النقد بلا مُداهنة للذات وبلا جلد للذات. وفي هذا كان يستحق لقب (الحكيم). اهديته وأهداني مانكتبه من كتب. وطلب مني في آخر غذاء جمعنا أن اطلع على مخطوطته الأخيرة لأنه يريد رأياً مضافاً. لكنه رحل وبقيت المخطوط على أدراجه ولم تصلني! كان عاليّ النور على مُحياه؛ أنموذجاً لخليط من النبلاء والكرماء لايُشق لهم غبار ولا يقارنون. وفيٌّ وصادق لأبعد حدّ. لا يغتاب أحداً. ولاتعنيه النقود. لم أطلب منه خدمةً وتردّد. كان سريع الاستجابة كما يفعل النبلاء حقاً. فارس بكل ماتعنيه الكلمة. كان آخرها خدمة تفضّل علي بها وهو في لحظة دخوله المشفى ليفحص الكورونا ويخبرني أن النتيجة إيجابية. تواصلت يوميًا معه ومع شاب بنبله معه وكانت الأيام تخبرني عبر التحليلات الطبية والفحوص أن المخاطر على حياته تتصاعد إلى أن كان البارحة صوت الطبيب وهو يشرح وضعه إيذاناً لي بأن الرحيل قادم. فزعتُ وحاولت التجلّد! رحل هذا الصديق الأخ ورحلت معه تجربة تستحق أن تُكتب عن شخص استثنائي كانت بوصلته راكنةٌ في السمت الدقيق، وحاول أن يفكر وله امتياز ذلك. أنيس أنت شخص يليق به نعوت مختلفة لكن يهيمن عليّ تعبير … العزيز-الرفيع.
(سيرياهوم نيوز-صفحة الكاتب22-2-2021)