هدفٌ أوحد وحيد، قد يُلخّص مشهد الدعم الكوري الشمالي لروسيا الأخير الواضح، والصّريح “حتى النصر”، وهو أن الولايات المتحدة الأمريكية هي عدو وجودي لهما، ما يعني أن كوريا الزعيم كيم جونغ أون ذهبت فعليًّا باتجاه إرسال آلاف من جنودها لدعم الرئيس الروسي فلاديمير بوتين وجيشه.
ولا تُبدي كوريا الشمالية، أي مُحاولة للاختباء والتستّر، وهي تدعم روسيا، فوزيرة الخارجية الكورية الشمالية سون هوي قالتها صراحة، بأن بلادها ستقف بجانب روسيا حتى “تحقيق النصر” بأوكرانيا، ولافت أن ذلك التصريح يأتي رغم توالي الانتقادات الغربية لوصول آلاف الجنود الكوريين الشماليين للقتال ضد أوكرانيا، فيما لا تنفي كوريا الشمالية إرسال قواتها العسكرية لدعم موسكو.
يَمْتَن في المُقابل وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف لكوريا الشمالية علنًا لما وصفه بموقفها المبدئي، مُضيفًا أن الصّلات بين البلدين أتاحت لهما فرصة مُواجهة تحدّياتهما الأمنية، ما يُعزّز فرضية التعاون العسكري بالعديد والقوّات، وإرسالها من الزعيم الكوري الشمالي، لنظيره الروسي.
وأمام الانتقادات الغربية، يستند الرئيس الروسي إلى اتفاق مُساعدة مُتبادلة مع نظيره الكوري الشمالي، حيث جرى توقيع اتفاق للمُساعدة المُتبادلة عندما زار بوتين بيونغ يانغ خلال الصيف، ولم يشرح بوتين في حينها كيفية تنفيذ هذه المُعاهدة، وأكد أن الأمر متروكٌ لروسيا، ويبدو أن هذه المُعاهدة قد حان وقتها للدفاع المُتبادل بين البلدين، فكما تحتاج موسكو لقوات بيوغ يانغ تحتاج الأخيرة تقنيات روسيا النووية، كما الدعم المالي، والاقتصادي.
وتنص المادة الرابعة من اتفاقية الدفاع بين البلدين (روسيا- كوريا الشمالية) على أن البلدين سيُقدّمان المُساعدة العسكرية وغيرها، إذا تعرّض أي منهما للهُجوم، وهي مادّة لا تُخالف القانون الدولي.
ورغم الدعم العلني الأمريكي والأوروبي الصريح لأوكرانيا، تطرح الولايات المتحدة تساؤلاتها واستفساراتها التي يصفها البعض بالوقحة على الروس، فيقول نائب السفيرة الأمريكية لدى الأمم المتحدة روبرت وود، لمجلس الأمن الدولي؛ إن الولايات المتحدة تلقّت معلومات تُفيد بوجود ثمانية آلاف جندي من كوريا الشمالية حاليّا في منطقة كورسك الروسية.
ويُضيف وود مُتدخّلًا بشكل علني بالشأن الروسي الكوري الشمالي بسُؤال يراه مشروعًا: “لدي سُؤال مشروع للغاية لزميلي الروسي: هل لا تزال روسيا تؤكد عدم وجود قوات من جمهورية كوريا الديمقراطية الشعبية في روسيا؟”.
وكان لافتًا بأن ممثل روسيا لدى مجلس الأمن، اختار الصّمت، ولم يُعر لسؤال الأمريكيين أي أهمية، ولا وزن، ولم يرد عليه نهائيًّا، لا تأكيدًا، ولا نفيًا.
وقدّرت وزارة الدفاع الأمريكية (البنتاغون) عدد الجنود الكوريين الشماليين المُنتشرين بحسبها في شرق روسيا للتدريب بنحو 10 آلاف جندي، ارتفاعا من تقديرات سابقة يوم الأربعاء بلغت 3000 جندي فقط.
وحذّر البنتاغون من أن واشنطن لن تفرض قيودًا جديدة على استخدام كييف للأسلحة الأميركية إذا دخلت كوريا الشمالية في حرب موسكو على كييف.
ماذا عن الصين؟.. هذا التقارب الكوري الشمالي، والروسي، لا يُمكن أن يتم بدون مُباركة صينية، لاعتماد كوريا الشمالية على الصين بالمحافل الدولية، والدعم الاقتصادي، ولكن هذا لا يمنع مخاوف الصين من تقارب سريع تلجأ له واشنطن، مع كوريا الجنوبية، واليابان، ودول أخرى في شرق آسيا، وهو الأمر الذي نوّهت له صحيفة “الفايننشال تايمز”.
وسارعت الولايات المتحدة وكوريا الجنوبية الصين إلى استخدام نفوذها على روسيا وكوريا الشمالية لمنع التصعيد، فيما تلتزم بكين الصّمت حتى الآن.
وفي مُقابل ثبات روسيا في المعركة، والتفاف الحلفاء حولها، يشعر الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلنسكي بما وصفه بـ”تقاعس” حُلفاء كييف، واكتفائهم بالمُشاهدة، وناشدهم اتخاذ إجراءات للتعامل مع كوريا الشمالية التي تعهّدت بالوقوف إلى جانب روسيا حتى “النصر” في أوكرانيا.
وتابع مُنتقدًا الحُلفاء “بدلًا من توفير القدرة على الضربات بعيدة المدى الضرورية للغاية، تُراقب أميركا، وتُراقب بريطانيا، وتُراقب ألمانيا”. وأضاف “الجميع ينتظرون فقط أن يبدأ الجيش الكوري الشمالي في ضرب الأوكرانيين”.
ونشرت صحيفة “تليجراف” تقريرًا كشفت فيه تفاصيل عن الجنرال الذي أرسلته كوريا الشمالية إلى روسيا وهو كيم يونغ بوك نائب رئيس الجيش الكوري الشمالي ومحارب قديم في القوات الخاصة.
بكُل حال تُظهر كُل من روسيا، وكوريا الشمالية من خلال هذا التحدّي عبر التعاون العسكري المُشترك، متانة وعمق التحالف المُعادي لأمريكا والغرب، وصولًا للتحدّي العلني الجريء، فكلّما صعّدت واشنطن ضد روسيا، ثمّة خطوة تصعيدية أخرى تتّخذها موسكو ضدّها أو تُلوّح بها، فبعد تلويح الولايات المتحدة والغرب بمُساعدة أوكرانيا بإطلاق صواريخ بعيدة المدى في عمق روسيا، تأتي كوريا الشمالية لتُرسل قوّاتها إلى غرب روسيا، وكما قال ديمتري ميدفيدف نائب رئيس مجلس الأمن الروسي اليوم السبت مُحذّرًا بأن على الولايات المتحدة أن تأخذ تحذيرات موسكو على محمل الجد “حتى تتجنّب اندلاع الحرب العالمية الثالثة”، وأضاف: “إذا كنّا نتحدّث عن وجود دولتنا، كما قال رئيس بلادنا مرارًا… وقال آخرون بالطبع، لن يكون لدينا أي خيار آخر”.
سيرياهوم نيوز 2_راي اليوم