علي عبود
بعد أشهر من اندلاعها، اكتشفنا إن لا أمريكا ولا “إسرائيل” تفاجأت بحرب 6 تشرين 1973، فقد تطوعت عدة حكومات عربية بإبلاغ قيادة العدو بأن مصر وسورية تعدّان لهجوم وشيك على “إسرائيل”!
نعم، لقد كانت “إسرائيل” مستعدة تماما للحرب القادمة، بل إن وزير دفاع العدو آنذاك موشي ديان أعد خطة لشن حرب استباقية على الجبهة السورية في 3/10/1973 أي قبل ثلاثة أيام من حرب تشرين، لكن أمريكا منعت “إسرائيل”! من المبادرة انطلاقا من قناعة أواستنتاج: لن تجرؤ سورية ومصر على المبادرة بشن الحرب!
السؤال الآن: هل تفاجات“إسرائيل”وأمريكا بعملية طوفان الأقصى ؟
الصحفي الإستقصائي (بوب وودورد) كشف في كتابه الجديد بعنوان “الحرب” عن تورط قادة عرب في دعم إسرائيل بالحرب الدائرة على غزة، لكنه لم يجب على السؤال الأهم: هل كانت مخابرات بعض الأنظمة العربية تعرف بأن حركة حماس ستقوم بعملية في غلاف غزة؟
الغريب بل المريب جدا تسويق وودورد لسردية ان مسؤولي الإستخبارات الأمريكية و“الإسرائيلية” فوجئوا بالهجوم الذي شنته حماس في 7/10/2023 مستندا إلى ماقاله له مستشار الأمن القومي جاك سوليفان “أن هجوم حماس في 7 أكتوبر كان أكبر فشل إستخباراتي في تاريخ “إسرائيل”!
كما نقل وودورد عن مديرة الإستخبارات الأمريكية الوطنية “أفريل هاينز” قولها: “لاشك أن هجوم 7 أكتوبر كان مفاجأة”!!
قطعا، وودورد ليس من السذاجة كي يُصدّق بأن المخابرات الأمريكية ستكشف له بأنها كانت على علم مسبق بعملية طوفان الأقصى، وبأنها أخبرت “إسرائيل” بتفاصيلها قبل وقت كاف من قيامها، فهو لن يعرف الجواب الأكيد إن لم يُسرّب له مسؤؤل إستخباراتي كبير الوثائق التي تكشف عِلم الإستخبارات بها، كما حصل معه سابقا عندما سرّب له مسؤول كبير وثائق فضيحة ووتر غيت!
وفي هذا السياق لايمكن تجاهل المعلومات التي كشفتها عدة مصادر التي تؤكد إن “إسرائيل” كانت مثل أمريكا على علم مسبق بعملية طوفان الأقصى، ونوجز فيما يلي بعضها دون أن نتبناها:
قال مدير المخابرات المصرية عباس كامل (الذي أقيل مؤخرا) في 10/10/2023 : (أنا شخصيا تكلمت مع “نتنياهو” وأبلغته أن حماس تنوي القيام بعملية عسكرية)، وأكد: (أجهزة أمننا المصرية تواصلت مع نظيرتها “الإسرائيلية” وأبلغتها بأن حماس تتجهز لعملية عسكرية في 7 اوكتوبر).
ونقلت تقارير إعلامية عن موقع “بديعوت أحرونوت” ان رئيس المخابرات المصرية السابق اتصل شخصيا بنتنياهو قبل 10 أيام من الهجوم وحذره من أن المقاومة في غزة من المحتمل أن تقوم بشيئ غير عادي: “عملية فظيعة”!!
وكشف رئيس لجنة الشؤون الخارجية بمجلس النواب الأمريكي “مايكل ماكول” إن مصر حذرت “إسرائيل” من احتمال حدوث هجوم عسكري عليها قبل ثلاثة أيام من بدء عملية طوفان الأقصى فجر السبت ونقلت وكالة الصحافة الفرنسية عن “ماكول” قوله: (نعلم إن مصر حذرت “الإسرائيلين” قبل ثلاثة أيام من احتمال وقوع حدث مثل هذا، لا أريد أن أخوض في كثير من الأمور السرية).
ونقلت وكالة “أسوشيتد برس” عن مسؤول في المخابرات المصرية قوله (إن القاهرة حذرت مرارا وتكرارا “الإسرائيليين” من التخطيط لشيء كبير في غزة.. لقد حذرناهم من أن انفجارا للوضع قادم، قريب جدا، وسيكون قريبا، لكنهم قللوا من شأن هذه التحذيرات بشأن غزة وركزوا بدلا من ذلك على الضفة الغربية).
كل هذا يعني أن “نتنياهو” كان يعرف أن حماس ستقوم بعملية عسكرية في 7/10/2023.
كذلك مدير المخابرات العسكرية الجنوبية للعدو قال: “قبل ساعات من العملية أبلغت القيادة وأبلغت الأمن”.
والملفت جدا إن الناشط والإعلامي الفلسطيني “علي النسمان” نشر قبل ثلاثة أسابيع فيديو محاكاة لاقتحام الحدود، وبعدها بثلاثة أيام من 7 أوكتوبر قتله “الإسرائيليون” مع زوجته وأولاده ، وهذا يعني أنهم شاهدوا الفيديو، وبالتالي كانوا يعرفون بالعملية مسبقا.
أكثر من ذلك، ألقى الأمن اللبناني القبض على شخص من غزة يدعى “خليل بو معزة” وهو كادر من حماس سافر إلى تركيا فابعدته إلى لبنان فاعتقله الأمن اللبناني لأنه كان يتواصل مع “إسرائيل” ، ويقول “بو معزة” في الإعترافات التي نشرها رضوان مرتضى في جريدة الأخبار اللبنانية: سألني “الإسرائيليون” في شهر تموز 2023: هل تنوي حماس القيام بعملية عسكرية؟
فأجاب:نعم هناك عملية كبيرة ستقوم بها حماس وستشارك فيها ألوية الناصر صلاح الدين..الخ.
كما أكد المتحدث باسم الجيش “الإسرائيلي” (دانيال هغاري) بان الجيش تلقى إشارات استخباراتية بوجود استعدادات في الليلة التي سبقت الهجمات من قطاع غزة لكن بلا إشارة إلى مصدر تلك التحذيرات.
السؤال: لماذا نفى مكتب نتنياهو كل هذه التحذيرات ووصفها بالأكاذيب؟
في 6/12/2023 نشرت صحيفة “هآرتس” تحقيقا أكدت فيه انه كان بإمكان الجيش “الإسرائيلي” التحرك لمنع هجوم طوفان الأقصى على مستوطنات غلاف غزة في 7 أكتوبر الذي أدى لمقتل 1200 من العسكريين والمستوطنين، لكن الجيش لم يتحرك، أوتحرك وفشل في التصدي للهجوم.
وحسب التحقيق فإن الإستخبارات أطلقت تحذيرات قبل هجوم حماس لكن جيش الاحتلال لم يتحرك لإخلاء الحفل الموسيقي الذي كان يقام في الهواء الطلق بالقرب من مستوطنة (رعيم).
وقد دخل المسؤولون العسكريون الكبار في مشاورات عاجلة ليلا قبل بدء عملية طوفان الأقصى ولكن أيّا من مسؤولي الجيش لم يُحذّر المنظمين أو المشاركين في المهرجان ولـ 9 ساعات لم يأت أحد لإنقاذهم.
وجاء في التحقيق أن قوات الأمن “الإسرائيلية” وصلتها تحذيرات كافية تشير إلى أن حماس بصدد تنفيذ هجوم في داخل المستوطنات في غلاف غزة.
وشارك في اجتماع جيش العدو الذي انعقد حوالي منتصف الليل عبر الهاتف عدد من المسؤولين الكبار من جهاز الأمن الداخلي (الشاباك) والاستخبارات العسكرية إلى جانب رئيس فرع العمليات في الجيش الجنرال عوديد باسيوك ورئيس القيادة الجنوبية اللواء يارون..الخ
وقد تم إبلاغ رئيس الأركان هرتسي هاليفي بالتحذيرات والمشاورات العاجلة.
وفندت “نيويورك تايمز” في تقرير لها يوم 3/11/2023 الروايات التي تزعم أن “إسرائيل” لم تعلم أبدا بمخطط حركة حماس، حيث أكدت الصحيفة الأمريكية (أن مسؤولين “إسرائيليين” تلقوا قبل أكثر من عام وثائق لحركة حماس مكونة من40 صفحة تُفصّل بالتدقيق هجوم واسع النطاق شبيه بالذي نفذته حماس في 7 تشرين الأول 2023 ، إلا إنهم لم يأخذوها على محمل الجد واعتبروا السيناريو غير واقعي).
وهذه الوثائق التي جرى تداولها في دوائر استخبارات العدو باسم “جدار أريحا”، لم تحدد موعدا لهجوم محتمل، لكنها حددت نقاطا دقيقة لمهاجمة مدن وقواعد عسكرية، كما تحدثت الوثيقة في شكل أكثر دقة عن وابل من الصواريخ وعن طائرات بلا طيار تدمر كاميرات أمنية وأنظمة دفاع آلية، يليها عبور مقاتلين إلى الجانب “الإسرائيلي” بمظلات وسيارات وسيرا على الأقدام، وهي عناصر تشبه بشكل كبير الخطوات الهجومية لعميلة 7 تشرين الأول.
وفي تموز2023 حذرت عاملة من وحدة استخبارات 8200 المسؤولة عن التجسس الإلكتروني والتي تعتبر إحدى أقوى أذرع هيئة الاستخبارات “الإسرائيلية”، من أن تدريبات عسكرية أجرتها حماس تشبه، في نقاط عدة، خطة الهجوم الذي تحدثت عنه وثيقة “جدار أريحا”، لكن زملائها في الفرقة العسكرية المسؤولة عن غزة تجاهلوا مخاوفها.
وكتبت هذه العاملة في رسائل بريد إلكتروني مشفرة اطلعت عليها نيويورك تايمز “أنا أدحض بشكل قاطع فكرة أن هذا السيناريو خيالي وأظن أنه خطة لحرب وليس مجرد هجوم على قرية”، ثم أضافت “مررنا بالفعل بتجربة مماثلة قبل 50 عاما على الجبهة الجنوبية في سيناريو بدا أنه خيالي لذلك من الممكن أن يعيد التاريخ نفسه إذا لم نكن حذرين”، في إشارة منها إلى حرب 6 أكتوبر عام 1973.
الخلاصة: كل هذه المعلومات تؤكد ـ في حال صحتها ـ إن “إسرائيل” كانت على علم مسبق بعملية طوفان الأقصى، وقد استغلتها كذريعة لشن حرب في المنطقة لتحقيق اسطورة “إسرائيل الكبرى” التي رفع نتنياهو خريطتها في مقر الأمم المتحدة، وذلك بدعم أمريكي لامحدود ووسط صمت عربي أكثر من مريب!
(موقع سيرياهوم نيوز-1)