علي عواد
بينما تستعد الولايات المتحدة غداً لخوض إحدى أكثر الانتخابات الرئاسية تأثيراً في تاريخها، تبدو الأجواء الانتخابية لعام 2024 مشحونةً بتحديات جديدة وأساليب غير تقليدية تتجاوز المعتاد. يتميز السباق الانتخابي بتغيير واضح في طرق التواصل مع الناخبين، إذ غزت المنصات الرقمية وسائل الإعلام التقليدية، وأصبحت المساحة الأكبر للأفكار والنقاشات حول سياسات المرشحين، ومواقفهم تجري في حوارات «البودكاست». ومع ازدياد انخراط الجالية العربية والمسلمة في الولايات المتحدة في هذا النقاش الانتخابي، تظهر تفاعلاتها كمؤشر مهم على التحولات السياسية داخل المجتمع الأميركي. يجد عدد من الناخبين العرب والمسلمين أنفسهم في مواجهة خيارات صعبة، وخصوصاً في ظل المواقف الأميركية التقليدية من قضايا الشرق الأوسط، خصوصاً قضية فلسطين
في ظلّ المشهد الإعلامي الأميركي المنقسم اليوم، لم تعد الجولات الانتخابية التقليدية والمقابلات الإخبارية كافية للوصول إلى الجمهور الواسع. الناخبون الأصغر سناً، على وجه الخصوص، يبتعدون بشكل متزايد عن الأخبار التقليدية ويلجؤون إلى منصات مثل «تيك توك» و«إكس»، وخاصة «البودكاست» في الشأن السياسي. وفي الوقت الذي يتنافس فيه المرشحان الرئاسيان، الرئيس السابق دونالد ترامب ونائبة الرئيس الحالي كمالا هاريس، بشكل محتدم في الولايات المتأرجحة، اتجها نحو «البودكاست» للتواصل مع الناخبين. ومع إشارة غالبية الاستطلاعات إلى أن ترامب وهاريس متساويان في الشعبية، يبدو أنّ كلاً منهما يدرك أهمية «البودكاست» في التأثير في آراء الناخبين، وخصوصاً بين جيل الألفية والجيل Z. إذ يتيح البودكاست للسياسيين التفاعل مع الجمهور بطريقة أكثر ودية وأقل رسمية، ما يسهم في تقديمهم بشكل أقرب إلى الناخبين. ورغم أنّ كمالا هاريس قد اختارت الظهور في بودكاستات عدة مثل Call Her Daddy وAll the Smoke التي تستهدف جمهور الشباب، إلا أنّ ترامب اختار بودكاست «جو روغان» الذي يعد من الأكثر شعبية في الولايات المتحدة. هذا الاختيار ليس مجرد مصادفة، بل جزء من إستراتيجية أكبر تهدف إلى جذب الناخبين غير المسجّلين، إذ تُظهر الإحصاءات أنّ واحداً من كل ثمانية أميركيين يستمعون إلى «البودكاست» أسبوعياً، لا يحملون بطاقة انتخابية حزبية (بمعنى أنه لا يمكن معرفة إلى من سيقترعون). بالإضافة إلى ذلك، أفاد تقرير نشرته مجلة «إيكونومست» في 31 تشرين الأول (أكتوبر) الماضي، أنّ هذا التوجه نحو «البودكاست» يعكس تطورين: الأول تراجع ثقة الأميركيين بوسائل الإعلام التقليدية، إذ تشير بيانات «غالوب» إلى أن نحو 70 في المئة من الأميركيين لا يثقون بها أو لديهم ثقة ضئيلة بها. أما الثاني فهو مكانة «البودكاست» كأحد المصادر الشائعة والقيّمة للأخبار، إذ يستمع تقريباً نحو 100 مليون أميركي إلى بودكاست أسبوعياً. ومن المثير للاهتمام أنّ عدد الأشخاص الذين يتابعون برنامج «جو روغان» يتجاوز بـ 30 مرة عدد المشاهدين الذين يتابعون برنامج «سي. إن. إن» في أوقات الذروة.
ومع ذهاب المرشحين الرئاسيين البارزين إلى برامج بودكاست مختلفة وتمضية ساعات كانت عادةً تُصرف في المهرجانات الانتخابية، إلا أنّ كلاً منهما اختلفت طبيعة رسالته. إذ سعت هاريس إلى توسيع قاعدتها عبر الوصول إلى الشباب الذين شعرون بخيبة الأمل من السياسة أو الذين يتقبلون موقفاً تقدمياً، فيما استخدم ترامب «البودكاست» لتعزيز الولاء بين جمهوره المحافظ، محاولاً التواصل مع المستمعين الشباب عبر تعزيز مواضيع مألوفة، مثل حرية التعبير وتقليل تدخل الحكومة.
دور المؤثرين والسوشال ميديا
يلعب المؤثرون دوراً متعاظماً في ربط المرشحين بالجمهور الذي يصعب الوصول إليه، تحديداً أولئك الأقل انخراطاً في السياسة. ويحظى المؤثرون بثقة المتابعين الذين يتجنّبون السياسة التقليدية الرتيبة، وخصوصاً في أوقات الاستقطاب الحاد. بالنسبة إلى كثير من هؤلاء الناخبين ـــ المستخدمين، تعزز المنشورات على منصات التواصل الاجتماعي الدعوات للاقتراع بشكل أفضل بكثير مقارنة بالإعلانات التقليدية. لجأ فريق ترامب إلى المؤثرين الذين يتماشون مع القيم المحافظة، ساعياً إلى جلب جمهورهم إلى حظيرته السياسية، بينما سعى فريق هاريس إلى التعاون مع شخصيات مؤثرة في مجالات العدالة الاجتماعية والمجالات التقدمية. كذلك، يسمح الإيقاع السريع للسوشال ميديا لكلا الحملتين بالاستجابة السريعة للأحداث الجارية، ما يتيح لهما تخصيص الرسائل بشكل فوري لتتوافق مع مشاعر الناخبين. كان هذا أمراً حاسماً في عام انتخابي يشهد قضايا عالمية معقدة وحروباً منتشرة، إذ يمكن أن تتغير مواقف الناخبين بسرعة بناءً على التطورات الأخيرة.
الناخبون العرب والمسلمون الأميركيون
بالنسبة إلى العرب والمسلمين الأميركيين، تجلب هذه الانتخابات مشاعر متأجّجة واختيارات صعبة. الدعم الثابت لإدارة الرئيس جو بايدن لإسرائيل، جعلهم حذرين من موقف الحزب الديموقراطي، ما يشكل طريقاً صعباً أمام هاريس في هذه المجتمعات. كما واجهت حملة هاريس احتجاجات بسبب موقفها من الشرق الأوسط، وأعرب قادة من المجتمعات العربية الأميركية عن خيبة أملهم من فشلها في الابتعاد عن سياسات بايدن. مع ذلك، تقدمت بعض الشخصيات العربية الأميركية البارزة والمؤثرة إلى دعم هاريس، ولا سيما هيثم وهب، وعباس علوية، ولكسيس زيدان ووليد شهيد (@_waleedshahid)، معتبرين أنّه إذا جرى انتخابها، قد تدفع نحو التغيير من الداخل. علماً أنها ليست الخيار المثالي، إلا أنّ هؤلاء المؤثرين يعتقدون أنّ هاريس توفر فرصةً للحفاظ على نفوذ المجتمع العربي ومنع تراجع السياسة الخارجية الأميركية تجاه فلسطين. كذلك، من المهم ملاحظة كيف استبقت الجمعيات الإسرائيلية الأميركية مفاعيل تحركات كمالا هاريس تجاه الجالية العربية في الولايات المتحدة، عبر انتقادها ورفض هذه الجمعيات لإشراك شخصيات مثل ناشر صحيفة «صدى الوطن» في ميشيغن، أسامة السبلاني، في الحوارات حول مستقبل العلاقات مع الناخبين العرب والمسلمين.
بعد زيارة المديرة الوطنية لحملة هاريس، جولي تشافيز رودريغيز، لديترويت، حيث ناقشت كيفية إصلاح العلاقات مع المجتمع العربي الأميركي. وقبيل انعقاد المؤتمر الوطني للحزب الديموقراطي في مدينة شيكاغو في آب (أغسطس) الماضي، بدأت المنظّمات الإسرائيلية مثل ADL بحملة إعلامية تندّد بهذا التواصل، بالتوازي مع نشر تقارير ومقالات في أبرز الصحف الإسرائيلية، معتبرة أن وجود السبلاني الذي رفض مراراً توصيف «حما س» و «حزب الله » بالإرهاب، يمثل خطراً على الصورة التي يريد الديموقراطيون بناءها. ومن منظور مراقب، يمكن وصف ما حصل بتدخّل غير مباشر في العملية الانتخابية الأميركية.
سبعون في المئة من الأميركيين لا يثقون بوسائل الإعلام التقليدية المهيمنة
من جهة أخرى، حقق دعم ترامب بين العرب والمسلمين الأميركيين، رغم ضآلته، بعض الزخم في صفوف من يعارضون نهج الإدارة الأميركية الحالية. إذ غالباً ما يركز خطاب حملته على تقديم تصرفات الحكومة الحالية في الشرق الأوسط على أنّها عدوانية جداً، ما يجذب الناخبين المستائين من تعامل الحزب الديموقراطي مع القضايا الفلسطينية. مع ذلك، فإنّ سجل ترامب الخاص، الذي يشمل الحظر الشهير على دخول المسلمين إلى البلاد، ونقل السفارة الأميركية إلى القدس المحتلة، والاعتراف بالجولان السوري المحتل، يعقّد علاقته بهذه المجتمعات. كذلك، يقول منتقدوه إن «مشروع 2025» المقترح الذي حاول التنصل منه لدى سؤاله عنه، يتضمن إلغاء المساعدات الإنسانية للأراضي الفلسطينية. وبالنسبة إلى عدد من العرب والمسلمين الأميركيين، يجعل هذا الدعم لترامب أمراً صعباً، رغم عدم رضاهم عن هاريس. بالتالي، تبدو الجالية العربية أكثر ميلاً إلى عدم انتخاب أي من الرئيسين، ويفضل بعضهم دعم مرشحة حزب «الخضر»، جيل ستاين، باعتبارها خياراً بديلاً. تُعرف ستاين بدعمها للقضايا البيئية والاجتماعية، ولديها مواقف واضحة تدين فيها الاحتلال الإسرائيلي وتدعو إلى منح الفلسطينيين حقوقهم. وتطالب بتبنّي سياسة خارجية قائمة على العدالة والحقوق الإنسانية، وتدعو إلى إنهاء الدعم العسكري والسياسي للاحتلال الإسرائيلي، والعمل على حلّ سلمي وعادل للقضية الفلسطينية. لكن أيضاً، يجد بعض العرب صعوبةً في انتخابها، وخصوصاً في ولاية ميشيغن المتأرجحة، إذ يعني انتخابها فوز ترامب بهذه الولاية المهمة. ولهذا، يجد بعض العرب أنّ عدم انتخاب أي مرشح رئاسي هو الخيار الأفضل في هذه الانتخابات المعقدة.
يستغل فريق هاريس منصات التواصل لاستهداف الناخبين العرب الأميركيين، لكن الحملة تواجه تحدياً صعباً في التغلب على الاستياء من السياسة الخارجية الأميركية. في الولايات التي تضمّ نسبة كبيرة من السكان العرب والمسلمين، مثل ميشيغن، أطلقت حملتها إعلانات تؤكد على أهمية الحفاظ على صوت داخل النظام السياسي، وحثّ المجتمع على التفكير في تأثير رئاسة ترامب المحتملة في القضايا المحلية. في المقابل، تتوجه حملة ترامب إلى جذب شرائح معينة داخل هذه المجتمعات العربية التي تشعر بالإهمال أو النفور من الحزب الديموقراطي. يستخدم فريقه وسائل التواصل الاجتماعي لتقديم قيمه الأساسية، مؤكداً على أنّ حملته تدعم حرية التعبير، والحقوق الدينية. ورغم هذا النهج، يبقى من الصعب على ترامب كسب تأييد كبير من هذه المجتمعات بسبب سياساته وخطاباته السابقة.
سيرياهوم نيوز١_الأخبار