سعاد سليمان
المسرحية التي تم عرضها مساء الأحد الماضي على خشبة مسرح طرطوس القومي , من تأليف فرحان بلبل , وإعداد وأداء عبد الكريم عمرين القادم من مدينة حمص ليقدم لنا هذا العرض المميز بكل ما تحمله الكلمة من معنى .
أن تدخل صالة لحضور مسرحية الطاولة لا يمكن أن تتوقع ما ترى !!
هي طاولة يستند إليها بطل العمل الوحيد الجالس خلفها , في عتمة يشع فيها ضوء خفيف لكن لمن ينظر يراه قويا , وهو مقيد إذ يمكنك أن تقرأ اللوحة الصغيرة بجانب وجه الممثل , فهي إعلان تجاري لبطل العمل – الفرجة ع الضبع بخمسين ليرة بس –
الأجمل في هذا العرض الغريب أنك تستمع بداية إلى بطل المسرحية , وهو يغني بصدق يدخل القلب ..
قد تكون كلمات ما يغنيه حزينة , أو مؤلمة : أنا مش كافر بس الجوع كافر ..
أعتقد أننا كلنا نعرف هذه الأغنية , ونحبها رغم الوجع الذي يخرج منها .
يبدأ الممثل الوحيد , أو الراوي , أو المتحدث مع الجمهور أمامه – سمه ما شئت –
بالنسبة لي رأيته جدتي تلك التي غابت منذ زمن غاب , فقد عادت صورتها , وهي تحكي لنا أنا , وأخوتي , حكايات الطفولة الجميلة , وحيث تعيش الحالة , ونعيشها معها بأرواحنا البريئة اللطيفة المحبة , ونحن الأطفال .
لم أندهش , أو أحزن , وأنا أحضر مسرحية لبطل واحد , لم يقف على خشبة المسرح بل جلس عليها , خلف طاولة , يتحدث , ويغني , يبكي بصدق , وهو يحكي وجعه , حياته البائسة , وسبل العيش الصعبة التي يبدعها !!
تجربة جديدة لم نعهدها من قبل , إذ يجلس الممثل الوحيد بمشاعره العديدة الصادقة التي تخرج من قلبه كما يحس المشاهدون , وتدخل القلوب ..
يقول الممثل , وبعد انتهاء العرض عن دوره في هذا العمل المسرحي , حيث جرب بيع ما لا يمكن توقعه كي يعيش : هي تجربة غير معهودة حيث يمكنك الاستماع والاستمتاع بالحديث , عبر التمكن باللغة , والتلوين الصوتي الذي يأخذك إلى الحزن معه تارة , وإلى الفرح تارة أخرى .
لا وجود للموسيقى لذلك ترى في غناء هذا الممثل الكافر , أو المش كافر , الجالس طوال وقته – وقت المسرحية !! – خلف الطاولة , يغني , يضحك , يبكي , ونبكي معه حيث التلوين الصوتي , والاستمتاع بالتمكن من اللغة فقط ..
يقول بلهجته الحمصية : هي أسباب موجبة لهذا النوع من المسرح فقد بتنا اليوم لا نتحدث مع بعضنا , وهذا العمل يشغل خيال المتلقي حيث تعمل حواسه كلها .
هي محاولة لكنها محاولة جيدة بل جميلة , وناجحة كما رأيت أنا ..المتفرجة التي استمتعت بما لم تعتد أن تراه فوق مسرح !!
فالعرض عار من الديكورات , والاضاءة , والموسيقا , ولا شيء سوى الكلمة , والأداء الصوتي .
عرض مقصود , وعن سابق إصرار , وتصميم , والهدف كما قال بطله عبد الكريم عمرين : إحياء للغة , وعلاقتنا بها , وما تنتجه من معان , وخيال , وجمال داخلي بعد ما سرقت الصورة خيال الانسان , وتفكيره عبر السوشل ميديا , والاعلام البغيض , والقادم أسوأ عبر تطبيقات الذكاء الاصطناعي حسب رأي البطل .
هو عرض مختلف .. شقة مكسوة نصف إكساء , وعلى المتفرج أن يكمل الاكساء ليكتمل العرض , حيث ينشط خيال المتلقي على قاعدتي اللغة , والأداء الصوتي ليعطي صورة تضاف إلى الجهد الابداعي للمؤلف , والمؤدي , وتتفوق عليهما .
ويقول وعبر مناقشة طالت بعد انتهاء العرض بين الممثل , والحضور : تكنولوجيا المسرح تسرق الحميمية بين الخشبة , والمتفرج , وتسرق عقل الانسان المعاصر فالمشهدية كما يرى بطلنا – التي تعطي الابهار على حساب الحكاية , لا تقدم سوى شجن مبتور , فالناس اليوم تقرأ بالصور , وتتفرج على الكلام حيث يعلنون اليوم موت المتفرج .
(موقع سيرياهوم نيوز-2)