نزار نمر
حالما انتهى المسؤول الإعلامي لـ «حزب الله» محمّد عفيف من مؤتمره الصحافي يوم الإثنين الماضي، أتى الردّ من العدوّ الصهيوني على صفحاته الرسمية. نشر المتحدّث باسم «جيش» الاحتلال أفيخاي أدرعي قائلاً: «خلاصة المؤتمر الصحافي الذي عقده المدعو محمّد عفيف أكاذيب وأوهام واختراعات لا طائل منها، فالواقع والمشاهد الميدانية أثبت وأصدق ممّا يدّعيه». وختم منشوره بهاشتاغ «محمّد عفيف الصحّاف». أمّا صفحة «إسرائيل بالعربية» الرسمية فكتبت: «ثقافة الأكاذيب والانتصارات الوهمية تتواصل منذ أحمد سعيد عام 1967، مروراً بمحمّد الصحّاف عام 2003 وصولاً إلى محمّد عفيف من حزب اللات الذي يدّعي الانتصار. فحان الوقت لوقف الاستهتار بعقول العرب الذين يدركون الحقيقة».
الردّ المتوقّع من العدوّ الذي يمارس حرباً نفسية ضروساً وتضليلاً هائلاً بالتزامن مع مجازره المستمرّة بحقّ لبنان، سرعان ما تلقّفه إعلام لبناني يعترض القائمون عليه إذا ما اتُّهموا بالعمالة. والردّ يكون دائماً بردّ الاتّهام من دون نفيه عن أنفسهم. لم يكمل هذا الإعلام انخراطه بالحرب النفسية فقط، بل أعاد أيضاً استخدام تعبير العدوّ كما هو! هكذا، في عددها الثاني بعد إعادة إصدارها تحت عباءة مالكها الجديد ميشال غبريال المرّ، وضعت صحيفة «نداء الوطن» عنواناً على غلافها هو: «من الصحّاف إلى عفيف: متلازمة الإنكار». وفي صفحتها الأولى، نشرت مقالاً بعنوان «الحزب غارق في مستنقع الإنكار»، إذ بلغ مستوى الأكاذيب حدّ الادّعاء بأنّ العدوّ توغّل إلى قرى لبنانية وصولاً حتّى عمق 40 كيلومتراً! كما ادّعت أنّ «عفيف أعادنا بالذاكرة إلى حقبة نظام البعث العراقي». ونُشر تحت المقال، آخر فتنوي حمل عنوان «مقتل قاتل الحريري يُخرج الفرحة السنّية المكتومة». وشاءت المصادفة أن يكون على الصفحة ذاتها ردّ مباشر على «الأخبار» وقولها إنّ ميشال المرّ استعجل إعادة إصدار «نداء الوطن»، لكنّ نظرة على عناوين تلك الصفحة يؤكّد ذلك، بل يثير الشبهات أكثر حول تمويل الجريدة وعلاقاتها، وخصوصاً مع تجنيد السفارة الأميركية أخيراً صحافيّين من أجل النطق بلغتها ولغة العدوّ ضمناً.
واستعار عدد من المواقع الأخرى التشبيه الذي أطلقه العدوّ على عفيف، لعلّ أبرزها موقع «القوّات اللبنانية» الذي نشر مقالاً لطارق الأمين تحت عنوان «محمّد عفيف الصحّاف». أمّا مضمونه، فحدّث ولا حرج. يبدأ المقال باستخدام صورة نمطية أقلّ ما يقال فيها بأنّها عنصرية، قبل أن يسرد قصّة «الصحّاف» ويستهزئ بفعل المقاومة بطريقة انهزامية. كتب الأمين: «كم يذكّرنا المسؤول الإعلامي لحزب الممانعة محمّد عفيف، وخصوصاً عندما يعقد مؤتمراته الصحافية بين الركام وأمام الأتربة و«موتسيك» علّوشي تمرّ من خلفه ذهاباً وإيّاباً، مهدّداً متوعّداً طواحين الهواء، رافعاً شارات النصر كـ«عود النقّيفة»، فيما بيئته نازحة مشرّدة، والشعب اللبناني يتكبّد الأثمان الباهظة بفعل قرارات حزبه التدميرية، كم يذكّرنا بمحمّد سعيد الصحّاف وهو يقف في إحدى ساحات بغداد آخر أيامه، متوعّداً «العلوج» بردّ صاعق في مدينة أمّ القصر أقصى جنوب العراق، فيما رأس جندي المارينز كان ظاهراً على الكاميرا في أسفل البناية الواقعة خلفه مباشرةً. سقطت بغداد وقُضي الأمر وانتهت المقاومة، ما عدا صوت محمّد سعيد الصحّاف الذي بقي ملعلعاً يختصر بمفرده كل مشهدية المقاومة، بصواريخها وعتادها وعديدها. لكنّ المفارقة أنّ محمّد سعيد الصحّاف العراقي كان «لابقلو هذا الدور ولابسو لبس»، لكأنّه خُلق لتلك اللحظات الإعلامية المفصلية من تاريخ العراق. أمّا محمد الصحّاف اللبناني، فهو يحاول تقمّص دور ليس له، وارتداء بزة «مبهبطة» عليه». ويكمل المقال في تسخيف كلّ ما تقوم به المقاومة، محاولاً ربطها زوراً بأعمال سابقة ضدّ الجيش اللبناني لادّعاء بأنّها ضدّه وفي محاولة إشعال الفتنة، ويدافع عن «القوّات» وتاريخها الأسود بتبريرات شتّى، مدّعياً أنّ بياناً منها يدين جرائم العدوّ «لا يقدّم ولا يؤخّر»، لأنّها حذّرت من الحرب قبل وقوعها وهي ليست حرب لبنان، كما ادّعى! أمّا الطامة الكبرى، فكانت باستخدام حجج العدوّ في تبرير ارتكاب إبادة مكتملة الأوصاف بحقّ لبنانيّين من كلّ الأطياف، مثل «تخبئة الصاروخ في النفق لا تخبئة المدني، وتخزين الأسلحة تحت غرف الأطفال»!
استخدام حجج العدوّ في تبرير إبادة مكتملة الأوصاف بحقّ لبنانيّين من كلّ الأطياف
ما سبق ليس سوى جزء يسير ممّا يُبخّ في الإعلام اللبناني من سموم يوميّاً، وازدادت اليوم مع إلقاء ميشال المرّ قبضته على «نداء الوطن»، التي يريدها «حصرمة في عينَي» «الأخبار» و«أقلامها صارخة بوجه المعربدين» كما كتب في صفحتها الأولى، فيما الحقيقة أنّها حصرمة بعينَي الوطن الذي تدّعي أنّها نداؤه، وأقلامها لا تصرخ سوى بلغة الاستعمار والإبادة واليمين الفاشي العالمي. وفي مقابل هذه الماكينة الإعلامية الضخمة المهيمنة عالمياً وليس فقط لبنانيّاً، هناك مَن يرفض الهيمنة والاستكبار وعيش أقلّية على جثث غالبية، ويقف في الجانب الصحيح من التاريخ وليس إلى جانب إمبراطورية مجرمة ودميتها الإبادية. وهو يحاول مجابهة هذه الماكينة باللحم الحيّ وبما تيسّر. هو لا يستوحش طريق الحقّ لقلّة سالكيه، ويعرف القوّة التي يقف في وجهها، تماماً كما تعرف المقاومة مدى إجرام العدوّ الذي لا يردعها عن إيلامه كما يهدف من خلال هذه الجرائم. ويبقى سؤالان أعييا مَن يداويهما: نداء أيّ وطن تلبّون: الوطن اللبناني أو «الوطن القومي لليهود»؟ وأين وزير الإعلام؟ قد تكون الإجابة عن السؤال الأوّل أسهل بكثير من الثاني الذي يمكن إضافته إلى لائحة الأسئلة الوجودية.
سيرياهوم نيوز١_