بيروت حمود
دفعت الحرب المتواصلة منذ ما يزيد على سنة، بنحو 8000 إسرائيلي إلى الهجرة إلى كندا، خصوصاً بعدما فتحت الأخيرة باب تأشيرات العمل المؤقّتة للإسرائيليين، وفقاً لصحيفة «هآرتس» التي أجرت سلسلة من المقابلات مع عدد من هؤلاء، ومن بينهم الإسرائيلي يوسي (اسم مستعار)، وهو في الأربعينيات من عمره، ويقيم اليوم في بلدة سكواميش شمال فانكوفر. وبحسب ما تنقله عنه، فقد هاجر من شمال إسرائيل إلى كندا، بالنظر إلى «استحالة مواصلة العيش مع انعدام المساواة في الأعباء، وفي ظل لا مبالاة الحكومة تجاه التخريب الحاصل للطبيعة من غابات الجولان وصولاً إلى البحر الميّت».
ويوسي، الذي نال الموافقة قبل أقل من شهرين على تقديم طلبه، وجد عملاً في كندا في المجال ذاته الذي عمل فيه في إسرائيل، ومن المتوقع أن يلحق به أبناؤه وزوجته قريباً. وهو واحد من بين 7850 إسرائيلياً قدّموا طلبات للحصول على إقامة عمل في كندا في عام 2024. رقمٌ يشكّل خمسة أضعاف نظيره في العام السابق؛ إذ في 2023، تلقى 1585 إسرائيلياً موافقات على طلبات العمل في كندا، و1505 في عام 2022، علماً أن جزءاً من الإسرائيليين الذين يهاجرون إلى هناك، يرسلون وراء زوجاتهم وأولادهم للحاق بهم. وعلى هذا الأساس، فإن «التقديرات الحالية تشير إلى أن أكثر من عشرة آلاف إسرائيلي هاجروا هذا العام إلى كندا، في ظل استمرار الحرب»، وفقاً للصحيفة.
أمّا أرقام وزارة الهجرة الكندية، فتؤكد أن 3705 إسرائيليين قدّموا منذ كانون الأول/ ديسمبر وحتى نهاية أيلول/ سبتمبر الماضيين، طلبات لنيل تأشيرات العمل المؤقتة التي خصصتها كندا للإسرائيليين في أعقاب الحرب. وحتى الآن، تمت الموافقة على 3425 من الطلبات، فيما البقية لا تزال في مراحل الموافقة. وبالإضافة إلى التأشيرة المؤقتة لثلاث سنوات، وافقت كندا، في المدة المشار إليها نفسها، على 4424 تأشيرة عمل عاديّة للإسرائيليين، بما يشمل التصديق على التأشيرات التي سبق أن انتهت.
ويساعد المهاجرون الجدد إلى كندا، وأولئك الذين يفكرون في الهجرة، بعضهم بعضاً. فيوسي، على سبيل المثال، هو عضو في مجموعة «واتساب» تضم لوحدها 400 إسرائيلي، وتُعنى بمراحل الهجرة المختلفة إلى مقاطعة كولومبيا البريطانية، والواقعة أقصى غرب كندا. وهذه المجموعة أسستها أيلت هايلويل، وهي إسرائيلية هاجرت مع زوجها وأولادها الثلاثة إلى كندا قبل شهرين من اندلاع الحرب، بالإضافة إلى صديقتيها اللتين هاجرتا إلى البلد نفسه أخيراً. وتقول هايلويل، وهي معالجة حسيّة من «رمات هشارون»: «بداية وجدتُ نفسي أساعد الآخرين بعد ثلاثة أشهر من وصولي إلى كندا، فيما كنت منهارة أصلاً، فالمرحلة الانتقالية مع العائلة صعبة، خصوصاً أنها توازت مع حرب قاسية لا نرى نهاية لها».
وتميز هايلويل بين موجتي هجرة؛ فبحسبها، من كانون الأول/ديسمبر وحتى تموز/يوليو الماضيين، «وصل الناس ببساطة بعدما وضّبوا أغراضهم. قابلنا أشخاصاً يشعرون وكأنهم لاجئون، حيث وصلوا متعبين وهم يبحثون عن الإمكانات». وكما تضيف، «الغالبية العظمى من أولئك، تشمل عائلات في منتصف حياتها، تغيّرت أولوياتها». أمّا الموجة الثانية، فهي من تموز/ يوليو الماضي، عندما أعلنت كندا تمديد تأشيرات العمل المؤقتة، وفي خلالها «وصل المهاجرون الإسرائيليون بينما كان لديهم وقت أطول للتخطيط والانتقال».
وافقت كندا منذ كانون الأول وحتى أيلول الماضيين على 4424 تأشيرة عمل عاديّة للإسرائيليين
وفي هذا الإطار، تشير ماشا (38 عاماً)، وهي مبرمجة انتقلت من رحوفوت مع زوجها المهندس وأبنائها الثلاثة، إلى تورونتو منذ حوالى ستة أشهر، إلى أن دافعها إلى الهجرة «لا يتعلق بالوضع الأمني فحسب. لقد غادرنا لأننا لم نشعر بأننا مواطنون متساوون؛ فنحن من نؤدي خدمة الاحتياط، وندفع نصف رواتبنا للضرائب، ولا نعرف حتى أين تذهب أموالنا». وتقارن ذلك مع الخدمات المقدّمة إلى الكنديين، واصفةً هذه الأخيرة بـ«المذهلة». ورغم أنها تؤكد أنه «لا أحد منّا سعيد بالهجرة»، إلا أنها تقرّ «بأننا نشعر أن الأطفال ليس لهم مستقبل في إسرائيل». أمّا ستاف أديبي، وهو مستشار عقاري ويعيش منذ 16 عاماً في مدينة ريتشموند هيل في مقاطعة أونتاريو، فقد أسس قبل ثماني سنوات مبادرة هدفها مساعدة الإسرائيليين الذين يرغبون في الهجرة إلى كندا، وساعد فريقُه هذا العام أكثر من 120 عائلة هاجرت من إسرائيل إلى تورونتو، فيقول إن من يأتون الآن «هم أشخاص يشعرون بقلق شديد، ومستعدون للعمل في أي مجال متاح فقط لكسب لقمة العيش، أو لديهم المال ويعرفون أن الأمر يتطلب 150 ألف شيكل (حوالى 40 ألف دولار كندي) للعيش هنا خلال الأشهر الأربعة الأولى». وكما يوضح، فإن المهاجرين الإسرائيليين يأتون من مختلف القطاعات والمجالات المهنيّة. وفي حديثه إلى الصحيفة، يستغرب أديبي مستوى القلق وفقدان الأمل الذي يعاني منه المهاجرون، مشيراً إلى أن «أولئك الذين هاجروا في الماضي كانوا يبحثون عن حياة جيدة، وراحة ذهنية، ونوع من الحلم الأميركي. أراد الناس في السابق اكتساب لغة أخرى، والانفتاح على ثقافة أخرى»، لكن هذه الدوافع «لم تعد تُسمع الآن». وبحسبه، فإن المهاجرين الذين وصلوا بعد 7 أكتوبر «يأتون مع الخوف من أن إسرائيل لن تكون موجودة بعد ثلاث سنوات، وهم يشعرون بأنهم (عبر هجرتهم) قد نجوا بأنفسهم».
ومن بين أولئك، مايكل روس (33 عاماً)، وهو مدير تنفيذي لشركة تتعامل مع الميديا والاقتصاد؛ إذ يقول إنه «في مدة كورونا، أدركت أن الدولة لن تحميني كصاحب مصلحة مستقلة، وفي أيام الانقلاب القضائي كان من الصعب تجنيد استثمارات من الخارج، وفي 7 أكتوبر فهمت أنه انتهى الأمر». ويتابع من مقر إقامته الحالي في تورنتو: «أنا بالأصل من نهاريا… في سن 15 عاماً، أصبت بشظية جراء صاروخ كاتيوشا. هذه المرّة، قبل أن أهاجر كنت أسكن في حيفا، وجدت ذاتي مجدداً أقيم في شقة من دون ملجأ… لا يمكنني مواجهة الأمر مجدداً».
سيرياهوم نيوز١_الاخبار