إيهاب اسمندر
تحتاج الاقتصادات المختلفة إلى إيجاد السبل الأفضل لاستثمار وتعظيم مواردها سعيا وراء الوصول إلى أعلى منفعة ممكنة؛ وبما ينعكس إيجابا على مستوى تطورها الاقتصادي والاجتماعي؛ وباعتبار أن الأساليب التقليدية في التعاطي مع مواردها؛ لا تحقق الطموح المرجو؛ ظهرت الحاجة إلى أساليب غير تقليدية (ريادة الأعمال).
يتم استثمار الموارد من خلال مشروعات يغلب عليها في العادة الطابع التقليدي (مشروعات مألوفة) ومنها مشروعات مبنية على أسس جديدة ومبتكرة (مشروعات ريادية).
تتسم الاقتصادات الأعلى نموا في العالم (سنغافورة، اليابان، دول النمور الآسيوية وغيرها) بأنها اقتصادات ترتكز على ريادة الأعمال.
*مفهوم ريادة الأعمال: يعتبر الاقتصادي جوزيف شومبيتر من أوائل المستخدمين لمصطلح ريادة الأعمال حيث عرفها (تحويل فكرة جديدة، ابتكار جديد، اختراع جديد إلى مشروع تجاري).
أي ظاهرة (الجديد) هي الأساس الذي تبنى عليه (ريادة الأعمال) وهي الأساس الذي يميزها عن المشروعات التقليدية؛ فالمشروع التقليدي عادة ما يكون منتشر على نطاق واسع؛ ويباشر عدد كبير من الأشخاص مثل هذا المشروع؛ أما المشروع الريادي فيقتضي الإقدام على استثمار فكرة جديدة.
إذاً؛ ليس كل مشروع (مشروع ريادي) وليس كل صاحب مشروع (شخص ريادي).
*أهم سمات ريادة الأعمال: لريادة الأعمال مجموعة من السمات التي تميزها؛ وهي:
– المخاطرة: تعتبر المشروعات الريادة عالية المخاطرة؛ لأنها الدخول في استثمار لا يتوفر عنه تراكم تاريخي؛ أو معلومات ولا يمكن بسهولة قياس جدواه الاقتصادية؛ والكثير من التفاصيل المهمة الأخرى؛ بحسب الاقتصادي (فرانك نايت 1967) لا يمكن قبول ريادة الأعمال دون ارتباطها بالمخاطرة.
– تكوين الثروة: تتميز المشروعات الريادية عادة بسرعة تكوين الثروة في وقت قصير؛ قياساً بالمشروعات التقليدية؛ فالدخل في المشروعات الريادة في حال نجاحها يكون كبيراً؛ أما دخل المشروعات التقليدية فيكون مضموناً ومستقراً لكن بمعدل منخفض.
– الابتكار: هو إكسير ريادة الأعمال؛ حيث يقوم المشروع الريادي على ابتكار جديد؛ وريادة الأعمال هي السبيل لنقل الابتكار في الاقتصاد.
– ترسيخ أنماط جديدة في الاستثمار: حيث يبنى على قصص مشروعات الريادة؛ أنماط جديدة لم تكن معروفة لتصبح منتشرة بسرعة وقدوة لدى الكثير من الداخلين لسوق العمل ( Google,Amazon,YouTube) وغيرها.
سمات رائد الأعمال: لرائد الأعمال العديد من السمات الشخصية التي تجعله مختلفاً عن غيره من أصحاب المشروعات التقليدية:
– الصبر: لا يمكن توقع النجاح بسهولة؛ خصوصا عند العمل على استثمار غير نمطي؛ مع افتراض وجود كم كبير من التحديات والعوائق؛ لذلك لا بد أن يتخلى الشخص الريادي بالصبر.
– الحاجة للإنجاز: يوجد لدى الشخص الريادي رغبة قوية لتحقيق إنجاز جديد؛ حيث أنه يعتبره بمثابة بصمته الوجودية.
– اقتناص الفرص الجديدة: الشخص الريادي يرى الفرص التي لا يراها الناس العاديون؛ ويستفيد من هذه الفرادة في اقامة مشروعات ريادية متميزة.
– التفاؤل: لا يمكن تصور اقتحام عالم ريادة الأعمال دون درجة عالية من التفاؤل بالنجاح لدى الشخص الريادي خصوصاً عند التعامل مع أفكار جديدة.
– الفكر الخلاق: عدم الوقوع في إطار مقالي من الأفكار المتاحة عادة؛ بل التميز بالقدرة على توليد أفكار جديدة من خارج النطاق المألوف.
*الواقع السوري لريادة الأعمال:
– من المعروف عن الاقتصاد السوري أنه اقتصاد تقليدي يخلو من البعد الابتكاري؛ وحتى قبل الحرب في سورية كان النفط وبعص المعادن يشكلون أساس الصادرات السورية (60% في عام 2010)، وبحسب تقرير اليونيدو 2022 فإن أكثر من 99% من الصادرات السورية غير ابتكارية.
– يعاني جيل الشباب من استبعاد كبير عن سوق العمل وهذه ظاهرة خطيرة في الفئة العمرية دون الثلاثين عاما؛ حيث يشكلون %55 من العاطلين عن العمل، مع الإشارة إلى معدل البطالة المرتفع في سورية (بحسب مكتب الإحصاء لعام 2023)، مع أن معدل البطالة العالمي أقل من 10% لعام 2022
– بيئة الأعمال في سورية غير مشجعة (هيمنة حكومية على سوق العمل، احتكار لصالح كبار المستثمرين، عدم إمكانية منافسة أصحاب المشروعات الريادية في سوق المناقصات والمشتريات الحكومية…).
– ضعف الخدمات والبنية التحتية (غلاء المحروقات، عدم توفر الكهرباء، ارتفاع أجور النقل، …)
– صعوبة الحصول على التمويل وارتفاع تكلفته(سيناقش تفصيلا في بحث لاحق)؛ وارتفاع نسبة التحمل إلى أكثر من 50% على صاحب المشروع؛ بينما هذه النسبة في دول OECD تصل إلى 3% فقط (momni 2017).
*المقترحات:
– الحاجة لمبادرات حكومية ومن منظمات غير حكومية لرعاية مشروعات ريادة الأعمال في سورية.
– منح المشروعات الريادية دعم حكومي خاص يتناسب مع الرغبة بتشجيعها.
– زيادة دور القطاع الخاص في النشاط الاقتصادي وتقليل الدور الحكومي.
– إقامة حاضنات أعمال متعددة الأنواع لمساعدة أصحاب المشروعات الريادية على النجاح.
– ضمان حقوق أصحاب الأفكار الريادية وعدم السماح باستغلال هذه الأفكار بطرق تضر بأصحابها أو دون موافقتهم.
– دعم إحداث مؤسسات متخصصة بتمويل المشروعات الريادية بتكلفة بسيطة على صاحب المشروع أو بدون تكلفة قدر الإمكان.
– توسيع الأسواق المتاحة أمام منتجات المشروعات الريادية من خلال اتفاقات تسهيل التبادل التجاري مع مختلف الدولة
(موقع سيرياهوم نيوز-2)