محمود شريح
في جديده «حرب وجود لا حرب حدود: كيف ننتصر على إسرائيل من الفرات إلى النيل» (في 212 صفحة من القطع الوسط ــــ الفرات للنشر والتوزيع ـــــــ 2024)، يُعيد مروان سليم النظر في حقيقة حرب الوجود السوري في مواجهة إسرائيل ومسألة الغزوة اليهودية الاستيطانية في فلسطين والخطر اليهودي على الهلال الخصيب الرامي إلى إقامة وطن قومي لليهود من الفرات إلى النيل، مميطاً عن أسباب عجز الكيانات السورية عن وضع خطة قومية موحّدة لمواجهة هذا الخطر اليهودي الذي يَطالُ هذه الكيانات جميعها من فلسطين إلى لبنان والشام والأُردن والعراق.
وطبعاً كعادته الأُستاذ سليم، في كلّ ما حبّر وسطّر، لا يبشّرنا بخير ولا يضفي علينا تفاؤلاً إلا بالعودة إلى مبادئ أنطون سعاده، ونحن معه هنا، وإن جنحَ أحياناً إلى ضرورة الويل والثبور وعظائم الأُمور في نقده الانحراف الفكري في «الحزب السوري القومي الاجتماعي» منذ مؤتمر ملكارت عام 1969 حتى الساعة، وهو من غيرته على مآل الحزب ينفخُ في بوق النهضة القومية التي أرساها الزعيم وقضى في سبيلها، إلا أن الأستاذ سليم يحمّل الحزب أحياناً فوق طاقته، فالحزب واقع منذ تأسيسه بين المطرقة والسندان، مطرقة الرجعية والسلفية وسندان الطائفية والمذهبية، فالتاريخ شاهدٌ منذ قرابة قرن على صلابة سعاده وجرأته، وتوثيقٌ على نضال محازبيه وكفاحهم منذ غياب الزعيم على إثر ثورته الأولى عام 1949 حتى انقلاب 1961/1962 الذي أودى بهم إلى السجون والاضطهاد، وكانوا من قبل ضُربوا أشدّ ضربة في عام 1955 على إثر اتهام الحزب باغتيال المالكي، وسجن أعضائه بمن فيهم الأمينة الأولى جولييت المير سعاده.
المنحى الجديد في كتاب مروان سليم أخذُه بحرب غزّة واعتباره أن الفلسطينيين تُركوا لوحدهم يتحمّلون العدوان الهمجي عليهم ويواجهونه، فيعلن أنه آن الأوان أن تدركَ الكيانات السورية أنّ مصيرها سيكون الاحتلال والتلاشي والاضمحلال والزوال إذ تمكّنت إسرائيل من ضرب المقاومة داخل فلسطين. بهذه النبرة الناقمة على ما آلت إليه الأمور من مآسٍ ونكبات في غزة، يرتدُّ الأستاذ سليم إلى التبصّر في نداء سعاده عام 1925 الداعي إلى ضرورة قيام خطّة قومية نظامية معاكسة للخطّة الصهيونية. هنا يلحّ المؤلِّف على أن الدولَ السوريّة تتجاهلُ هذه الفكرة وترفضها وتحاربها.
مؤلَّف مروان سليم الجديد تكملة لكتابه السابق «نقد الانحراف الفكري السياسي في الحزب السوري القومي الاجتماعي 1969 – 2022» الصادر عن «الفرات» أيضاً في عام 2022، مضافاً إليه موقفه من مآسي غزة ونكباتها. ومن هنا، فإنّه بحاجة إلى نقاش مستفيض سيّما في ضوء ما استجدّ أخيراً من آثارها على الجنوب والضفّة، أمَلاً بالغوث قبل العَطَب. فهوّن عليك يا رفيقي العزيز مروان، فإنّما الأُمور بخواتيمها، ونصيحتي لك هي نصيحة يوسف سلامة، رحمه الله، إذ قال لي: «إنْ كنتَ في مجلس والحديثُ سياسة، فضجرتَ وغفوتَ ثم فجأة هزّ بكتفكِ أحدُهم ونهرَك بالسؤال عن رأيك، أجبْ أنا من رأي أنطون سعاده، تكنْ على صواب، وعدْ إلى غفوتك»، وأنا من رأيه. وكان سلامة قد حارب في فلسطين قبل سقوطها عام 1948، إلى جانب خاله منير أبو فاضل في جيش الإنقاذ، فها هو مسرى التاريخ عندنا من ثبات إلى ثبات في ضوء تعاليم سعاده، أخذاً بمبدأ عمر أبو ريشة:
شرفُ الوثبةِ أن تُرضي العُلى
غلبَ الواثبُ أم لم يغلبِ
كاتب فلسطيني
سيرياهوم نيوز١_الاخبار