*كتب:حسن م. يوسف
رحيلُ اللواء الدكتور السفير بهجت سليمان بعد ثلاثةِ أيامٍ من رحيلِ المناضل والمفكرِ العربيِ اللبناني أنيس النقاش ضربتان موجعتان متتاليتان أدمتا قلوبَ المعنيين بقضايانا العربية العادلة، وأنا واحدٌ منهم.
لن أتطرقَ في هذا الحديث لإنجازاتِ أيٍ من الراحلين الكبيرين، بل سأترُكُ هذا الأمرَ لمن كانوا يعرفونهما حق المعرفة، وهم كثر لحسن الحظ. فأنا شخصياً لم أكن أعرف المفكر النقاش، ولم يسبق لي أن التقيت بسيادة اللواء بهجت سليمان سوى مرة واحدة.
أعترف أن قلبي ارتعش كعصفورٍ بلله المطر، عندما اطلعت على الورقة التي خط عليها المفكر النقاش بيدٍ مرتعشة، آخرَ كلماتِهِ مخاطباً زوجَتَهُ بتول: “أنا انتهيت، الرواية ما تمت” وهي عبارة لا تشبه المفكر أنيس النقاش وحسب، بل تشبه اللواء بهجت سليمان أيضاً، كونُها مفتوحة على المستقبل، وتجمع العمقَ الى البساطة والوضوح. كما تحمِل في ثناياها دعوةً لعدمِ الجزعِ وعدمِ التوقفِ عن العمل، بغية استكمالِ الرواية.
لقد كتب الكثير، وسيكتب أكثر عن الفقيدين الكبيرين أنيس النقاش وبهجت سليمان، إلا أنني لن أقفَ عند أيٍ من الكتابات التي تشيد بنضالِهِما ومواقِفِهِما، بل سأورد كلاماً كتبه (شخص) أربأ بنفسي عن ذكرِ اسمِه، فقد كتب ذلك (الشخصُ) على صفحتِهِ قائلاً:
“لماذا يموت أبطالُ المقاومة في دمشق… عماد مغنية اغتيل في دمشق …ابن مغنية اغتيل في الشام، وأنيس النقاش مات في دمشق …ومصطفى بدر الدين اغتيل بدمشق، وقاسم سليماني اغتيل بعد خروجه من دمشق؟”
أصارحكم أن كلامَ ذلك (الشخص) لم يفاجئني، صحيح أن كافةَ الأديانِ والشرائعِ والثقافات تجمع على أن التشفي بالموت ليس خُلُقاً إنسانياً، ولا دينياً، فالنبيُّ العربي صلى الله عليه وسلم قال: “لا تظهر الشماتةَ بأخيك فيعافيه الله ويبتليك” وقد وصف أجدادُنا المنافقَ بأنه إذا خاصمَ فَجَرْ، والشماتةُ بالموت ضربٌ من الفجور.
يتساءل ذلك (الشخص) “لماذا يموت أبطالُ المقاومة في دمشق؟” صحيح أن الغرضَ المسمومَ من هذا السؤال واضح، لكن السؤالَ نفسَه يرُدّ على سائِلِهِ، فالتفاحةُ لا تسقُطُ بعيداً عن ساقِ الشجرة كما يقول المثلُ الألماني. وموتُ أبطالِ المقاومة على الجبهةِ الدمشقية هو أكثرُ الأشياءِ طبيعيةً في العالم، فمن يدافع عن ترابِ دمشق، لا يموت في الدوحة مثلاً!
نعم صدق المفكر أنيس النقاش: ” الرواية ما تمت”. صحيح أن الموتَ قد أنهى فصلين مجيدين من روايتِنا العربيةِ السورية، لكن فصولاً جديدةً منها ماتزال تكتب على أيدي أبطالٍ آخرين. ففي نفس اليوم الذي توفي فيه المفكرُ النقاش فاز المهندسُ عمار علي ابن قرية “دوير بعبدة”، التي تقع على بعد رمية حجر من قريتي، بالمركزِ الأول في مسابقةِ الذكاءِ الصنعي على مستوى العالم، وهذه المسابقة تنظمها الإدارةُ الوطنية للمحيطاتِ والغِلافِ الجوي. التابعة لوكالة ناسا الفضائية، ودلالةُ هذا الإنجاز لا تخفى على أحد.
وكان نجمُ المهندسِ الشاب عمار قد برز خلال مشاركاتِهِ في المسابقة البرمجية السورية التي استقدمها الى البلد وأدارها الدكتور جعفر محسن الخير، حيث حصل عمار على المركزِ الأول في مسابقة جامعة تشرين، وقام بدور رئيسِ الحكام في مسابقةِ الجامعاتِ الخاصة السورية، وهو حالياً يتابع دراساتِهِ العليا في روسيا الصديقة.
لا شك أن فِقدانَ المفكرين بهجت سليمان وأنيس النقاش خسارةٌ كبرى، لكن “الرواية ما تمت” كما قال النقاش في آخرِ كلمتين كتبهُما. نعم نحن كأفرادٍ نموت، لكن ما يجب أن يعرفَهُ العدوُّ قبل الصديق، هو أن سورية عصية على الموت.
(سيرياهوم نيوز-سوريانا إف ام27-2-2021)