آخر الأخبار
الرئيسية » حول العالم » حسابات إردوغان: لا تراجع أمام السيسي

حسابات إردوغان: لا تراجع أمام السيسي

كانت تركيا في سنوات الثمانينيات والتسعينيات تعدّ جيشها ليخوض في الوقت نفسه حربين ونصف حرب. الحرب الأولى ضد اليونان، والثانية ضد سوريا، أمّا نصف الحرب فضدّ حزب «العمّال الكردستاني» أينما وجد داخل تركيا أو في شمال العراق.

في عام 2020، دخلت تركيا فعلاً، ليس في حربين ونصف حرب، بل في ثلاث حروب كاملة وعدّة أنصاف حروب.
تخوض تركيا اليوم ثلاث حروب كاملة. الأولى في سوريا. تركيا تحتل أجزاء واسعة من الشمال السوري غرباً وشرقاً، من إدلب وعفرين وجرابلس إلى رأس العين وتل أبيض، بمساحة يقدّرها الخبراء الأتراك، باستثناء إدلب، بعشرة آلاف كلم تقريباً، أي أكثر من مساحة لواء الإسكندرون (5400 كلم) وقبرص التركية (3355 كلم) مجتمعين. وفي سوريا، لم تتخل عن هدف إسقاط النظام، أو على الأقل إطاحة الرئيس بشار الأسد. فيما انتقلت الخطوات «الانتدابية» في الشمال السوري إلى استخدام الليرة التركية بدلاً من الليرة السورية، علماً بأن الليرة التركية تعاني وليست أفضل حالاً بكثير من الليرة السورية.
في العراق، تتواصل العمليات العسكرية التركية براً وجواً بأسماء مختلفة؛ آخرها عملية «المخلب ــــ النمر» المستمرّة حتى الآن. وتهدف إلى تدمير مواقع لحزب «العمّال الكردستاني» من سنجار على الحدود السورية إلى جبال قنديل على الحدود الإيرانية. في العراق، لتركيا أكثر من 20 مركزاً عسكرياً بين موقع مراقبة وقاعدة عسكرية.
تقصف تركيا العراق بإشعار مسبق للحكومة العراقية أو بدون إشعار. العملية الأخيرة، رغم كل المواقف الرسمية العراقية المندّدة، وغير المجدية، لا سابقاً ولا الآن، بالعملية التركية، يبدو أنها تمّت بالتنسيق مع بغداد بعد زيارة قام بها رئيس الاستخبارات التركية حاقان فيدان، لبغداد، وفقاً لمصادر تركية رفيعة المستوى.
أما في ليبيا، فإن تركيا دخلت في تجربة جديدة، ناجحة حتى الآن، في دعم عسكري لوجستي لحكومة فايز السراج، من على بعد ألفي كلم بحراً وجواً وبراً، بسلاح الطائرات والمدرعات والصواريخ والمرتزقة والخبراء، الذين هم في النهاية جزء من عديد القوات المسلحة لأي بلد. حققت قوات السراج تقدّماً غير متوقع وسريع ضد القوات التي يقودها اللواء خليفة حفتر، والتي يدعمها البرلمان في بنغازي ومن خلفه دول مثل مصر والسعودية والإمارات.
أمّا أنصاف الحروب الحالية، فهي ضد حزب «العمال الكردستاني» والتحرّكات/ التحرشات في البحر المتوسط، سواء مع اليونان أو فرنسا.
في سوريا والعراق، تخوض تركيا حروب استعادة حدود «الميثاق الملّي» لعام 1920. وفي شرق المتوسط وليبيا، تخوض تركيا حروب استعادة ما يسمّيه الأتراك اليوم علناً «الوطن الأزرق»، أي بسط النفوذ على ما كان يوماً بحيرة عثمانية، وصولاً إلى صحراء النفط والذهب الليبية.
في الحروب الثلاث تتغيّر خريطة التحالفات؛ تفاهمات تركية مع الولايات المتحدة في سوريا، ومساع لمصالحة كردية ــــ كردية. وفي العراق، لا حاجة إلى ضوء أخضر أميركي في ظل تشرذم السلطة المركزية في بغداد وخلافاتها وحساباتها الضيقة والقاصرة. أمّا في ليبيا، فإن تركيا أعلنت جهاراً، بلسان وزير خارجيتها مولود تشاووش أوغلو، أنها اتفقت مع الولايات المتحدة على دعمها للتدخل التركي والعمل معاً.

هذه فرصة تركيا التاريخية لتحقّق أكبر خرق لها في السياسة الخارجيّة منذ الحرب العالميّة

لا يحتاج الدعم الأميركي لتركيا في ليبيا إلى كثير من التفسير. فواشنطن تريد أن تحوّل ليبيا إلى مستنقع تغرق فيه روسيا التي تتعارض مصالحها هناك مع تركيا، وكان هذا التعارض في الملف الليبي في قلب تأجيل الاتصالات المباشرة بين مسؤولي أنقرة وموسكو.
إذا كانت الولايات المتحدة تريد ذلك، فكيف نفسّر إذاً «التهديد» المستجد للرئيس المصري عبد الفتاح السيسي، بأن مصر باتت تمتلك الشرعية الدولية للتدخل في ليبيا واعتبار منطقتي سرت وجفرا «خطاً أحمر» يُمنع تجاوزه من قبل تركيا والسراج؟
لا شك أن كثيرين انتظروا مصر وما سيكون عليه موقفها من التطورات الدراماتيكية على حدودها الغربية وفي شرق المتوسط. البعض يرى أن القاهرة تأخّرت إلى حد كبير في محاولة وقف التقدم الاستراتيجي التركي في ليبيا وشمال أفريقيا. وكان عليها أن تتحرك، دفاعاً عن أمنها القومي، وبالتالي عن «الأمن القومي العربي»، من قبل أن تضع تركيا قدماً لها في ليبيا، بل قبل أن توقّع حكومة السراج اتفاقية مع أنقرة في 27 تشرين الثاني/ نوفمبر الماضي. ومن بديهيات سياسات الدول المؤثّرة أن تبادر، لا أن تضع نفسها في موقع ردة الفعل التي قد يكون أوانها قد فات.
«التأني» المصري قد لا يكون عجزاً في الرؤية أو في الإمكانات العسكرية. ورغم كل القيود التي تكبّل مصر، فإنها قادرة على تغيير موازين القوى. لكن الموقف المصري حساس ودقيق جداً. فهي تتعرّض لضغوط كبيرة من جانب إثيوبيا، ومن ورائها إسرائيل والولايات المتحدة من خلال سد النهضة. ومصر تتحسب كي لا تغرق في المستنقع الليبي. فهي تحتاج إلى القدرات العسكرية الكبيرة، وهي تملكها، لكن تحتاج أيضاً إلى التغطية العربية السياسية والمالية. وإذا كانت خزينة قطر بتصرف تركيا، فإن الخزائن العربية ليست بالكرم نفسه مع مصر.
كذلك، فإن مصر لا يمكن أن تتحرّك في ليبيا، ولأكثر من سبب، من دون موافقة أو غضّ نظر أميركي. من هنا، فإن تحذير السيسي من أن سرت وجفرا خط أحمر قد يكون منطلقاً لتجميد الوضع في ليبيا وضغطاً على كل الأطراف للقبول بالستاتيكو الجديد ووقف تقدّم تركيا هناك، أكثر منه رغبة مصرية في الدخول في مواجهة شاملة مع تركيا.
لكن الصورة من أنقرة تبدو مختلفة. ووفقاً لمصادر تركية معنية مباشرة بالوضع، تحدّثت إلى صحيفة «يني شفق»، فإن زيارة الوفد التركي الرفيع المستوى، يوم الأربعاء الماضي، لطرابلس الغرب يعكس عدم نية أنقرة وقف التقدم العسكري للسيطرة على سرت وجفرا، وستواصل العمليات إلى حين إخراج حفتر من المعادلة الميدانية والسياسية. تركيا مصممة على تحويل ليبيا إلى «قطر ثانية» أكثر أهمية وتأثيراً في جيوبوليتيك المنطقة. الزيارة النوعية والمهمة، ودائماً تحت مسميات «العثمانية الجديدة»، التي قام بها «أركان إردوغان» وزير المالية والخزانة براءت ألبيرق (زوج ابنة إردوغان)، ووزير الخارجية مولود تشاووش أوغلو، ورئيس الاستخبارات حاقان فيدان، والناطق باسم الرئاسة إبراهيم قالين، كانت رسالة بالغة القوة بأن ليبيا لن تخرج من يد تركيا، وهذه فرصة تركيا التاريخية لتحقق أكبر خرق لها في السياسة الخارجية منذ الحرب العالمية الأولى وانهيار الدولة العثمانية، باعتبار أن تدخلاتها في قبرص هي من لوازم «البيت الداخلي». والمفارقة أن تركيا في ليبيا تقول إنها هناك بطلب من الحكومة الشرعية. أما في سوريا، فتقول إنها هناك بطلب من الشعب السوري. تماماً مثل صانع الفخار الذي يركّب أذن الجرّة كيفما يحلو له.
التطلع التركي في ليبيا وشمال أفريقيا وشرق المتوسط يتجاوز الجوانب العسكرية المرتاحة تركيا لتطوراتها. تنقل صحيفة «يني شفق» أن الاستثمار التركي في البنى التحتية والنفط والغاز في ليبيا كان أولى الأولويات بحيث إذا نجحت تركيا في وضع اليد على ليبيا وهلالها النفطي في سرت وجفرا، فهذا يشكّل أهمية فائقة لأمنها الاقتصادي، فضلاً عن الأمني، وخصوصاً في ظل عدم وجود ثروات نفطية مهمة في تركيا. وهذا يجعل تركيا تتمسك بأظافرها بمكاسبها في ليبيا التي تحققت في ظل غفلة العالم العربي وتواطؤ الأميركيين ولو على حساب المصالح الفرنسية. وترى الصحيفة أن توقّف تركيا عن استيراد النفط من ليبيا بسبب «الربيع العربي»، وكان يعادل 20 في المئة من حاجات تركيا، وانخفاضه إلى 3 في المئة، اضطر تركيا إلى أن تعتمد أكثر على روسيا وإيران، وهو الأمر الذي لا تستسيغه أنقرة.
مع تحذيرات السيسي، تعود مصر، مبدئياً، للمرّة الأولى منذ عقود إلى صدارة المشهد العربي، لكن ما تحققه تركيا من مكاسب للمرّة الأولى أيضاً منذ مئة عام، يحتاج إلى كثير جهد وإرادة عربيتين لوقف الاندفاعة التركية.

(سيرياهوم نيوز-الاخبار)

x

‎قد يُعجبك أيضاً

الرئيس الإيراني يدعو بابا الفاتيكان لحث زعماء العالم للوقوف بوجه جرائم “إسرائيل”

  فرانسيس الثاني أنّ إيران مُستعدّة للتعامل البنّاء مع الفاتيكان من أجل تعزيز السلام والعدالة في العالم.     أكّد الرئيس الإيراني، مسعود بزشكيان، اليوم ...