آخر الأخبار
الرئيسية » السياحة و التاريخ » عن ميناء حلب التاريخي… لواء إسكندرون وحكاية الجغرافيا العالقة بأرواح جميع السوريين

عن ميناء حلب التاريخي… لواء إسكندرون وحكاية الجغرافيا العالقة بأرواح جميع السوريين

” يا.. صديقي..

أنت في أسطورة التاريخ

في التاريخ.. في أنطاكية

عرّج قليلاً على ضيعتنا

فليست زغردات طفولتي بالنائية

عرّج على العاصي الذي ما زال يجري في دمي،

و.. يمرُّ قرب البيت.. بيتي

قف قليلاً.. تحت ظل التوتة الخضراء؛

ذكّرها قصائد طفلها

و.. ارسم بريشتك الغويّة ظلها

هي في وريدي قصائدي

في كلّ نبض باقية..”

هذه الشهقة الشعرية العاطفية للشاعر الراحل سليمان العيسى، التي يُسجلها في كتابه ” كتاب اللواء – لواء إسكندرون بلدي الصغير” الصادر عن وزارة الثقافة السورية، وكانت أعدتّه زوجته الدكتورة ملكة أبيض – وهي بالمناسبة كانت أعدّت معظم كتبه للنشر- هذه الشهقة؛ هي واحدة من آلاف الشهقات الشعرية، التي شهقها العيسى مع ملايين السوريين الشرفاء، وسجلت في كتب كثيرة، وليس في هذا الكتاب فقط، وهنا نُذكّر بكتابه الآخر “النعيرية.. قريتي”..

الحديث عن لواء إسكندرون اليوم يكسب طابعاً آخر، يحضر بقوة الفقد وحدته وحرقته، وذلك مع تهافت الصهيوني – العثماني البغيض، لتقطيع أوصال بلاد الشام والرافدين..

تركيا العدو دائماً

كما أن حضور لواء إسكندرون اليوم ليس أمراً حنينياً وعاطفياً فقط، فثمة كتابان آخران صادران عن الهيئة العامة السورية للكتاب – وزارة الثقافة؛ هما كتاب (لواء الإسكندرونة والسياسة الاستعمارية من الاحتلال حتى فصله عن الدولة السورية 1918- 1939م) للدكتور عبد الرحمن البيطار، وكتاب آخر (لواء إسكندرونة – حكاية وطن سُلب عنوة) للدكتور حسام النايف، وفي الكتاب الأول يذهب الباحث في دراسة توثيقية يُفصل فيها الأحداث السابقة لفصل اللواء عن سورية، وإنّ أطماع السلطنة العثمانية المهزومة كانت أوسع من مساحة لواء إسكندرون بكثير، وهو – على ما بدا من خلال الحرب الأخيرة على سورية والتي كانت رأس الحربة فيها تركيا – مثل حلب، إدلب ومعظم الشمال الشرقي لسورية، وهي أماكن التدخل التركي اليوم في الأراضي السورية، بمعنى أنّ النوايا التركية لم تهدأ يوماً عن قضم الأراضي السورية، وكما يُساعد تركيا اليوم الكثير ممن يحملون الجنسية السورية لاحتلال وطنهم، كذلك يُشير الباحث إلى الكثير من هؤلاء الخونة الذين تغاضوا – إن لم يكونوا تآمروا – على سلخ اللواء عن وطنهم سورية وإلحاقه بدولة الاحتلال التركي.. وبعض هؤلاء كانوا حينها في مراكز القرار في الدولة السورية التي كانت تتفاوض لإبرام معاهدة جلاء الانتداب الفرنسي عن سورية، بمعنى أنّ الباحث لم يُحمّل ضياع لواء اسكندرون على الدولة المستعمرة لسورية وهي هنا فرنسا، أو الجشع التركي بالأراضي السورية فقط، وإنما يُحمّل سوريين خونة في ذلك الزمان كان لهم دور مريب في خسارة أجمل مناطق سورية وأكثرها عمقاً في التاريخ والوجدان السوري، وإن جاء ذلك مواربة..

عن خطوات اغتصاب اللواء يذكر البيطار: وترافق تسليم اللواء بصورة كاملة مع نهاية مشروع المعاهدة والحكم الوطني الذي قام على أساسها في سورية، والذي بدأ مع مجيء المفوّض السامي الفرنسي الجديد “بيو” الذي أوضح الموقف بقوله: “فلما جاء عام 1939م؛ عدّت تركيا أن “كوميديا هاتي” قد استمرت طويلاً، وأنه حانت الساعة لطلب إلحاقها بتركيا، وإنهاء فصولها الروائية.. فطالب وزير الخارجية التركي سراج أغولو في كانون الثاني 1939م بذلك، وصرّح به للسفير الفرنسي، كما طالب الأتراك تهيئة الرأي العام السوري لاستقبال قرار إلحاق اللواء بتركيا تماماً، وهددوا بالانضمام إلى دول ألمانيا وإيطاليا، وأظهر المفوض السامي الفرنسي خوفه من أن يُطالب الأتراك بمناطق أخرى، كحلب والجزيرة اللتين كانتا في دائرة الأطماع التركية..

عدوان قديم

أحببت أن أنقل ما كتبه المفوض الفرنسي “بيو” بالحرف، لتفسير ما تقوم به تركيا البغيضة اليوم من ذات المحاولات القديمة في سعيها منذ بداية الحرب على سورية من ثماني سنوات إلى اليوم، – والتي كانت رأس الحربة فيها – ومطالباتها بما تطلق عليه “المنطقة الآمنة” في البداية، إلى طلب “الوصاية” اليوم على حلب/ وهي ذات الأطماع التي أشار إليها المندوب السامي الفرنسي من تخوفه على حلب والجزيرة والشمال السوري، وهو ما يهدد باحتلاله طول الوقت وعلناً الرئيس التركي أردوغان شمال سورية والعراق حتى الموصل وكركوك بحجة إنّ معاهدة “لوزان 1920” كانت مُجحفة بحق بلاده خلال ترسيم الحدود.. وهنا نُشير إلى ما تمّ تناقله بكثرة على مواقع التواصل الاجتماعي مؤخراً من خريطة يتم تدريسها في المناهج التركية، وفيها تتوسع الخريطة التركية لتشمل جميع مناطق الساحل السوري ونصف حمص والرقة وحلب والجزيرة على أنها خارطة الدولة التركية، وتبدو سورية في الخريطة مقتصرة على دمشق وجنوبها..

في هذا الكتاب يُشير الكاتب البيطار إلى دور الصهيونية منذ ذلك التاريخ أيضاً، وحتى قبل أن يُختلق الكيان الصهيوني في فلسطين وقرارات محافل الصهيونية في سلخ لواء اسكندرون عن سورية، ويؤكد على ذلك بما ذكره أحد الكتّاب الفرنسيين حينها من أنّ تسليم اللواء إلى تركيا؛ تمّ بأمر من محفل الشرق الأعظم الفرنسي الماسوني والمحافل الإسكتلندية، والمعروف أنه في حقبة الاحتلال الفرنسي لسورية، كان للماسونية دورها الكبير، وهنا أيضاً نُشير إلى “بطاقة الهوية” الماسونية للرئيس التركي أردوغان التي تتناقلها الكثير من صفحات المواقع اليوم ..

رأس سورية الأخضر

وفي الكتاب الثاني ((لواء إسكندرونة – حكاية وطن سُلب عنوة) يذهب حسام النايف باتجاهٍ آخر عن حكاية تعالق هذه الجغرافيا – لواء إسكندرونة – بأرض سورية، وبلاد الشام والرافدين، التي هي تعالق الروح بالجسد، و.. لذلك يُفصل النايف بالجغرافيا الطبيعية، والحالة الاجتماعية والاقتصادية، و.. يسرد بالتفصيل كل أنواع الاحتلالات والاغتصابات التي تعرض لها “رأس سورية الأخضر” لاسيما الاحتلالين العثماني والفرنسي، وصولاً لشبك ونسج خيوط المؤامرة بين المحتلين السابقين وسلخ اللواء عن أمه سورية، وإلحاقه بالجار البغيض “تركيا” صاحبة أسوأ تاريخ لدولة متوحشة بربرية على مدى تاريخ تشكلها من قبائل غازية بربرية إلى دولة تقوم على ابتزاز الدول في العصر الحديث وفي رصيدها مئات المجازر العرقية.

يقع لواء إسكندرون – وهذه مهمة للبغال التي تُقيم بتركيا وتحمل الجنسية السورية – في الزاوية الغربية من بلاد الشام، وتبلغ مساحته ” 4806 “كم مربعاً، وبعد منحه لتركيا أصبحت مساحته ” 5403″ كم مربعاً نتيجة ضم منطقتين إليه هما: باياس، وإصلاحية الواقعتين في سهل العمق.

هذه الجغرافيا السورية التي هي استكمالاً لمحافظة اللاذقية، وهي بكل تاريخها الطويل كانت الميناء الوحيد لمحافظة حلب وبوابتها على البحر، فعلى مر التاريخ كان ميناء الاسكندرونة المرفأ الطبيعي الوحيد لحلب، وتحديداً منذ عام 1886م أصبح ميناءً هاماً وعظيماً لاستيراد البضائع وتصديرها بين البحر وحلب والعراق، ومنذ ذلك التاريخ بدأ يُثير اهتمام الدول الأوروبية.. يُشار إلى إن لواء إسكندرون كان قد تحرر باكراً من العثمانيين خلال عام 1918م خلال ما سُميّ حينها ب “الثورة العربية الكبرى” ومنذ ذلك التاريخ بقيت تتنازعه قوى ثلاث هي: الحكومة العربية في أنطاكية، والقطع البحرية الفرنسية في ميناء إسكندرونة، و.. الجيش التركي في بيلان. و.. كان ” التفاهم الفرنسي – التركي” قد بدأ منذ أوائل أيار 1937 للتآمر على سلخ هذه القطعة من سورية وصولاً للاحتلال العسكري المباشر من قبل القوات العسكرية التركية، حيث سيجري بظلها وباحتضانها ذلك الاستفتاء المسخرة المزوّر أمام أعين الانتداب الفرنسي حيث اعتبروا أن الأكثرية التي تقطن في اللواء هم من الأتراك بمنتهى العهر الدولي، وذلك بعد فشل استفتائين سابقين..!

حكاية وطن

يتحدث كتاب ” لواء إسكندرونة – حكاية وطن سُلب عنوة” عن مقاومة لا تخمد أبداً يقوم بها أبناء اللواء، ولعل أبرز من قادها المفكر السوري ذكي الأرسوزي، الأرسوزي الذي قال عنه الشاعر سليمان العيسى شعراً كثيراً وهو من كان أستاذه الكبير كما كان يصفه دائماً.. يقول العيسى عن هذا المفكر السوري النادر:

هل غيّض الصبح.. مرير العذاب؟

وأطفأ الشمس.. ركام الضباب؟

هل كنت – صمتاً كنت أو ثورة-

إلا عُباباً.. ينتهي في عُباب؟

يا شامخاً.. يرسو على سفحه

ما حملته أمةٌ من هضاب؟

وثورةُ الأجيال.. هل جلجلت

لو لم تكن أنت الدوي المُجاب!

و.. كان الطغيان التركي، من أشد طغيانات الكون وطأة، فقد بادرت تركيا لفرض سياسة لم تطبق في بقعة من بقاع الأرض كلها، وذلك عندما عمدت ليس إلى تغيير أسماء المدن والقرى والأحياء، بل عمدت إلى تغيير كُنى الأفراد بإعطائهم كُنى تركية، حتى أصبح الواحد منهم لا يعرف نسبه وقرابته، كما منعت استخدام اللغة العربية في الأماكن العامة، وحرمت تدريس القرآن في الكتاتيب باللغة العربية.. وهكذا دفعت الكثير من الشباب السوريين إلى اجتياز الحدود تحت رصاص الأتراك، وقد جسّد الشاعر العيسى هذه المحنة شعراً أيضاً:

هو النهر يفصلُ ما بيننا

حنانيكِ يا أرض أجداديةُ

يُمزق أوصالك العابثون

وتبقين فينا دماً جاريةُ

أغني أناشيد قومي العذابَ

وأرفع غمغمتي عالية

أعيش على شفتي أمتي

أماني ألقي بها ذاتية

بقي أن نُذكر أيضاً بـ “كتاب الحنين” أيضاً للشاعر سليمان العيسى، والذي تُرجم إلى اللغة التركية، وخلاله يعود الشاعر إلى جذوره الأولى، وإلى مرابع الطفولة، تقلب صفحاته فتراه مرة على شاطئ البحر في السويدية يسهر مع أهل قريته حول مقام الخضر الذي ما يزال في مكانه حتى الساعة، ومرة في مدرسة العفان الابتدائية، ومرة مع مقام الإعرابي الذي يحتل ذروة الجبل في قريته “النعيرية”.. في “كتاب الحنين” يمر شريط أنطاكية والعاصي، وكل تفاصيل رأس سورية الأخضر، و.. هو يحضر اليوم بكل جلائه مع حالة من المقاومة تتشكل اليوم لتضعه محوراً وسهماً في قلب غاصبيه، يحضر بكل جلاء استبسال جيش سورية في حربه المقدسة على كل طيور الظلام ووحشيتها وبربريتها..

 

 

 

 

 

اخبار سورية الوطن 2_تشرين

x

‎قد يُعجبك أيضاً

يزخر بمقتنيات أثرية أهمها المسلة الفرعونية.. تزايد وتيرة الزيارات العلمية والترفيهية إلى متحف درعا الوطني

تزايدت وتيرة الزيارات إلى متحف درعا الوطني مؤخراً، وأصبحت شبه يومية من طلاب المعاهد الفندقية والسياحية، وكذلك من طلاب مرحلة التعليم الثانوني وتلاميذ مرحلة التعليم ...