غسان ريفي
بعد 53 عاما، إنتهت حقبة حكم آل الأسد في سوريا.. ومع مغادرة الرئيس السوري بشار الأسد مع عائلته دمشق الى موسكو طلبا للجوء السياسي، وقد أعلنت السلطات الروسية أنها منحته إياه لأسباب إنسانية، دخلت سوريا مرحلة جديدة فيها الكثير من تحديات القيادة والسيطرة، وإعادة بناء الدولة، وتثبيت الأمن والاستقرار، ومواجهة الأزمات المتعددة الأوجه.
يحتاج المشهد السوري الى “منجم مغربي” لتفسيره أو فك ألغازه، خصوصا أن سقوط بشار الأسد لم يكن وليد ثورة أو حرب أو حتى معركة، بل ما حصل كاد أن يكون أشبه بتسلم وتسليم بين الجيش السوري والفصائل المسلحة التابعة لهيئة تحرير الشام، وهو عبارة عن “ولادة قيصرية” لما كان يُفترض أن يحدث لاحقا، خصوصا لجهة الوضع الإقتصادي المهترئ الذي كان ينبئ بإنهيار النظام على يد ثورة الجياع أو الباحثين عن رغيف الخبز، أو على يد الجيش السوري الذي وصل راتب الجندي فيه الى أقل من عشرين دولارا.
يبدو واضحا، أنه بعد الحرب الاسرائيلية على لبنان، وبعد الهجمات التي شنها العدو على سوريا وإيران، إرتأت الدول الاقليمية وفي مقدمها تركيا أن تستبق إنهيار سوريا إقتصاديا أو بإنقلاب عسكري، بعمل سريع متفق عليه لإنهاء حكم الأسد، ولعل التصريحات التركية التي أشادت بمواقف إيران وروسيا وتعاطيهما الايجابي مع ما حصل كان أكبر دليل على أن ما شهدته سوريا كان نتيجة إتفاق دولي إقليمي يقضي بالحفاظ على مصالح الجميع على أراضيها، من التواجد الروسي في قاعدة حميميم الى الحفاظ على الرموز الدينية وعدم القيام بأية عمليات ثأرية.
لا شك في أن هذا الاتفاق الدولي الاقليمي مرهون بتطور الأحداث، وقد حاولت قيادات فصائل هيئة تحرير الشام التعبير عنه بإيجابية وبذكاء من خلال التأكيد على نشر السلام في سوريا وعدم التعرض لأي مكون فيها والسعي لإيجاد حكومة وطنية تؤسس لسوريا الجديدة، لكن السؤال الأبرز في هذا المجال، هل يمكن أن تستمر هذه الايجابية، أم أن ثمة صراعات وتدخلات ستقلب الطاولة للتفتيش عن حضور هنا أو نفوذ هنالك؟، وهذا ما دفع المملكة العربية السعودية الى الطلب من كل الدول عدم التدخل بالوضع الداخلي لسوريا.
ومن هذه الأسئلة أيضا، من سيحكم الأرض في ظل الصراعات القائمة؟، وكيف ستتم معالجة أزمة قوات سوريا الديمقراطية في شمال شرق سوريا؟، ومن سيشكل رافعة إقتصادية لإنعاش سوريا وإعادة إعمارها؟ هل ستتقدم لهذه المهمة دول الخليج المتضررة من تنامي النفوذ التركي عبر هيئة تحرير الشام؟، وهل هذه الدول مستعدة لتقديم هدية لتركيا وللاسلام السياسي قوامها إنجاح هذا المشروع في سوريا؟ في حين أن تركيا مأزومة إقتصاديا وكذلك روسيا منهكة بالحرب مع أوكرانيا، وأيضا إيران، بينما الولايات المتحدة الأميركية تتفرج وقد إستنزفتها إسرائيل في حربها على غزة وعلى لبنان، وهي غير مستعدة لتقديم مساعدات مشابهة لأي بلد في الشرق الأوسط باستثناء حليفتها.
اللافت، في كل ما جرى، هو إعلان إسرائيل الحرب على سوريا، وقيامها بقصف المربع الأمني في دمشق، وتوغلها أكثر من 14 كيلومترا في جبل الشيخ لإقامة منطقة عازلة، ما يدفع الى التساؤل، ما هي المخاوف التي لدى إسرائيل من التغييرات الحاصلة في سوريا؟، وهل هناك صراع إسرائيلي ـ تركي يلوح في الأفق قد يترجم بهجمات من الفصائل المسلحة على الجولان؟، أم أن إسرائيل تريد فرض أمر واقع يعزز إحتلالها للأراضي السورية من دون مقاومة أو حتى مطالبة بالتحرير؟.
لا شك في أن المعطيات والمعلومات قليلة جدا، ولا أحد يعلم ماذا يجري تحت الطاولات الدولية والاقليمية، ما يجعل تطورات المشهد بحاجة الى وقت لكي تتضح معالمه، لكن حتى الآن، يبدو أن الواقع القادم ليس مشرقا، وقد تكون الصورة قاتمة، خصوصا أن التجارب في دول عربية أخرى كانت كلها غير مشجعة.
(اخبار سورية الوطن 2-البناء)