بالعودة إلى صفحة رئاسة الجمهورية العربية السورية السّابقة على “الفيسبوك”، يَظهر أنّ البيان الذي نشرته الصفحة كتوضيح حول ظروف خروج الرئيس السوري السابق بشار الأسد من سورية، قد جرى حذفه، الأمر الذي يطرح تساؤلات عن الجهة التي قرّرت نشره، وعن الجهة التي عادت وقرّرت حذفه، فيما البيان صدر بتاريخ أمس الاثنين من موسكو، وكان عُنوانه العريض نفي الأسد تهمة الهروب عن نفسه، وعدم اعترافه بالحكومة الحالية التي وصفها بالإرهاب.
أين البيان وهل من ثورة مُضادّة؟
البيان المنسوب للأسد أثار جدلًا بطبيعة الحال بين السوريين، ويطرح تساؤلات حول أسباب نشره، ومن ثم حذفه، وتساؤلات أخرى إذا كان قد صدر عن الأسد نفسه، أو جهة قرّرت توجيه رسالة عنه، فيما لا يزال مكان تواجده في روسيا مجهولًا، عدا التأكيد الروسي الرسمي على تواجده على أراضيها.
قد يُمثّل هذا البيان وفق خبراء سوريين تشويشًا على شرعية حكومة الجولاني المؤقتة في المحافل الدولية، وعلاقته بالقرار 2254 الدولي الذي يرسم خارطة طريق للتوصل إلى تسوية سياسية في سورية، فيما ينظر له آخرون على أنه بمثابة “ثورة مضادة”، خاصّةً أن الأسد لم يستخدم صفة رئيس سابق، وأكد أن الدولة وقعت بيد الإرهاب، وأنه لم يكن في صدد التخلّي، أو التنحّي.
هل يطرد الجولاني الفصائل الفلسطينية؟
ومع سُقوط نظام الأسد، تُوضع علامات استفهام حول وجود الفصائل الفلسطينية على الأراضي السورية، حيث أكد قائد “العمليات العسكرية” في سوريا أحمد الشرع، أنه سيتم حل جميع الفصائل المسلحة، ولن يكون هناك سلاح إلا بأيدي الدولة، الأمر الذي قد يؤشر على خطوات قادمة بخصوص تواجد هذه الفصائل على الأراضي السورية من أساسه.
يأتي هذا مع تصريحات الجولاني التي قال فيها إنه لن يسمح باستخدام الأراضي السورية لشن هجمات ضد إسرائيل أو أي دولة أخرى، فيما كان لافتًا تصريحات الجولاني التي بدت في سياق الطمأنة لتل أبيب، حيث أشار إلى أن إسرائيل برّرت توغلها داخل الأراضي السورية كإجراء دفاعي واستباقي ضد الجماعات المسلحة، وأضاف أن “تل أبيب لم تعد بحاجة للإبقاء على هذه الأراضي تحت سيطرتها لحماية نفسها”، وعلّل ذلك بأن “الإطاحة بحكومة الأسد أزالت هذه التهديدات”، وهُنا يُقر الجولاني بأن قوات الجيش السوري كانت تُشكّل تهديدًا لإسرائيل، بينما لا ينوي وقواته تشكيل هذا التهديد لدولة الاحتلال.
لن يكون هُناك “تجنيد إلزامي”!
وفي ظل ظرف انتقالي صعب، وغموض حول مستقبل سورية، قال الجولاني إنه لن يكون هناك تجنيد إلزامي في الجيش باستثناء بعض الاختصاصات التي ستكون إجبارية لفترة محددة، فلماذا يُريد الجولاني إلغاء التجنيد الإلزامي لرجال دولة مثل سورية، فيما يواصل الجيش الإسرائيلي توغّله بالأراضي السورية، وشن 446 غارة على 13 محافظة سورية بـ8 أيام، بل ويصف الجولاني التجنيد الإجباري بـ”الكابوس”.
سورية.. وكالة من غير بوّاب!
وكشفت القناة الـ 12 الإسرائيلية عن لقاء مباشر جرى بين عناصر من الجيش الإسرائيلي وعناصر من الفصائل المسيطرة على الحكم في سوريا بعد إسقاط نظام الأسد، مؤكدة مساعدة الفصائل لـ إسرائيل في “جمع الأسلحة” على الأرض السورية.
ورغم أن الجولاني لن يسمح كما قال بمُهاجمة إسرائيل من أراضيه، أمر وزير الدفاع الإسرائيلي الجيش بالاستعداد لـ”بقاء طويل الأمد” في الأراضي السورية، رغم الإدانات الأوروبية والعربية والمطالبة بالخروج من سورية.
ويبدو أن الأراضي السورية تحوّلت إلى وكالة من غير بوّاب، حيث هبطت مروحية إسرائيلية بالقرب من أحد المواقع العسكرية بمحيط العاصمة مساء الاثنين وغادرت المكان بعد وقت قصير، بحسب ما أوردت وسائل إعلام روسية عن مصادر سورية، وذكرت وكالة “سبوتنيك”أن جنودًا إسرائيليين دخلوا إلى الموقع العسكري وغادروا المكان بعد ما يقارب 20 دقيقة.
غاز قطر.. الأرخص والمُفضّل لأوروبا
وعادَ بشكلٍ لافت الحديث عن مشروع خط أنابيب الغاز الطبيعي بين قطر وتركيا إلى الواجهة بعد سُقوط نظام الأسد، الذي عارض المشروع مُنذ 2009، ويهدف الخط إلى نقل الغاز القطري، ثالث أكبر احتياطي عالمي، إلى تركيا ومنها إلى أوروبا، في خطوة تقول تركيا إنها “شريان حياة” للاقتصاد السوري المنهار خلال السنوات الأخيرة بسبب العقوبات الأجنبية وسياسات النظام القائمة على الفساد.
وتأخّر المشروع سابقًا بسبب رفض الأسد، فيما يشير خبراء الآن إلى إمكانية إنجازه بحُلول 2030، رغم التكلفة العالية والمُنافسة من مصدري الغاز الأمريكي.
ومن غير المعلوم كيف ستتصرّف روسيا لو مرّ الخط القطري التركي، حيث صادرات النفط والغاز تشكّل ثلثي مجمل صادراتها، وخسارة روسيا المُفترضة نحو مليار دولار يومياً من الريع الغازي، وذلك وفقاً لما أظهرته البيانات التي نشرتها إدارة معلومات الطاقة الأميركية.
ويُعتبر الخط القطري التركي الأقرب إلى أوروبا، فضلاً عن كونه مُفضّلاً للاتحاد الأوروبي، إذ يسمح لأوروبا باستيراد الغاز من قطر بسعر أرخص بنحو 3 مرات من ذاك الذي تصدّرُه روسيا، وكفيلٌ بتحرّر القارة العجوز من الاعتماد على الغاز الروسي، ما يُؤثّر سلباً في الاقتصاد الروسي.
إسقاط النظام الإيراني
إيران هي الأخرى، تعرّضت لضربة قاتلة بسقوط الأسد، المخاوف تتعلّق فيما يبدو بقدرة إسرائيل على إسقاط النظام الإيراني نفسه، يقول ضابط المخابرات الإسرائيلي السابق يوروم شفايتزر إن أنظمة الرادار السورية السابقة كان من المُمكن أن تزود إيران بتحذيرات مبكرة من هجوم إسرائيلي، في حين كانت دفاعاتها الجوية الروسية المتقدمة “عاملًا مُقيّدًا” لقدرة إسرائيل على المناورة في المنطقة بحسب ما يقول لغريغوري برو محلل إيران في مجموعة أوراسيا.
ولا يبدو على الأقل حتى الآن، أن طهران تستطيع وضع أرجل لها في سورية، على الأقل دبلوماسيًّا بعد سقوط الأسد وخروجها (طهران) منها (سورية) كما وصفته بـ”المسؤول”، حيث أوضحت الخارجية الإيرانية أنها ستُعيد فتح سفارتها في سوريا بمجرّد ضمان أمن السفارة وموظفيها، قائلة “نفضل عدم استخدام مصطلح وشيك بشأن فتح سفارتنا لأن ذلك يتطلب تحضيرات”، وقالت الوزارة إن حكومة انتقالية سورية “لم تتشكّل بعد بالمعنى المُتعارف وسنُحدّد علاقتنا معها في الوقت المناسب”، مشيرة إلى أنها تأمل بمرحلة انتقالية سلمية في سوريا “لحفظ سيادتها ووحدة أراضيها ولتشكيل حكومة شاملة”.
“لن تُسبى زينب مرّتين”
ويُركّز الإعلام العربي بعد سُقوط الأسد بشكلٍ لافت، على المشهد في منطقة مقام السيدة زينب في ريف دمشق الشرقي، وكيف كانت تحت سيطرة الحرس الثوري الإيراني، وحزب الله، وكيف باتت اليوم تحت سيطرة الفصائل المسلحة، والتي لم تتعرّض للمقام بالتخريب، حيث كان هدّد تنظيم داعش بالوصول إلى المقام، وهدمه، وهو ما ما لم يحصل على الأقل حتى الآن، وخلت معه شوارع المقام من صور قادة محور المقاومة، ليسقط معها شعار “لن تُسبى زينب مرّتين” حيث لم تتعرّض فصائل هيئة تحرير الشام للمقام الذي يحظى باهتمامٍ خاص عند الطائفة الشيعية.
“أبو صفية”
وتُشير تقارير إعلامية، إلى تعيين الجولاني مُستشارًا له في الملف الإيراني وهو عبد الرحمن فتحي الملقب “أبو صفية الكردي”، والذي عُرف بخطبه الجهادية، وحمل تاريخًا طويلًا في النشاط السلفي، حيث يعود للواجهة بتعيين هيئة تحرير الشام له نائبًا للشؤون الإيرانية.
الكردي معروف بتنديده بحكام إيران، ويعتبرهم روافض، كما كان يتعهّد بتحرير أهل السنة في إيران مما يُسمّيه “الاحتلال”، وتوقيت تعيينه يطرح التساؤلات حول شكل العلاقة التي ستكون بين هيئة تحرير الشام حكام سورية الجدد، وبين إيران بعد سقوط حليفها الأسد، وخسارة نفوذها حيث يمثل الكردي ما يعرف باسم حركة المهاجرين السنة الإيرانيين، وهي فصيل بايع هيئة تحرير الشام عام 2019.
استياء شعبي إيراني
مخاوف سُقوط النظام الإيراني على طريقة نظام الأسد حقيقية، ويتناولها الإعلام الإيراني نفسه، فتقول صحيفة “جمهوري إسلامي” إن على المسؤولين في إيران أن يفكروا بحال الشعب الإيراني ووضعه المعيشي، لأن هناك خططًا بدأ الأعداء يعملون عليها واستغلال الاستياء وعدم الرضا الشعبي تجاه الوضع القائم في إيران.
وينهار التومان الإيراني أمام الدولار، وتراجع إلى 76 ألف تومان لكل دولار أميركي واحد أمس الاثنين، وتخطّى 77 ألف تومان اليوم الثلاثاء.
تركيا الذكية.. هل تُقاتل إسرائيل أنقرة لأجل الأكراد؟
يبدو حتى الآن أنّ المُستفيد الأكبر في سورية هو الرئيس التركي رجب طيّب أردوغان، حيث قال الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترامب عنه: “أعتقد أن تركيا ذكية للغاية… لقد قامت تركيا بعملية استيلاء غير ودية، من دون خسارة الكثير من الأرواح” في سوريا.
ونقلت صحيفة “وول ستريت جورنال” عن مسؤولين أميركيين وأتراك أنّ تركيا وحلفاءها يحشدون قوات على طول الحدود، لتنفيذ عملية عسكرية “وشيكة” في المناطق التي يُسيطر عليها الأكراد شمال سوريا.
ومع الانتشاء التركي، يبقى التساؤل مطروحًا فيما لو قرّرت إسرائيل مُساعدة الأكراد، هل تذهب أنقرة للاصطدام عسكريًّا مع تل أبيب، صحيفة إسرائيل هيوم العبرية تقول في هذا، إن مسؤولين كبارًا بـ”قوات سوريا الديمقراطية” (قسد)، والتي تُشكّل الوحدات الكردية المسلحة عمودها الفقري، طلبوا المُساعدة من الاحتلال بشكل عاجل، بسبب شُعورهم، بتهديد مستقبل الحكم الذاتي الذي يحاولون الوصول إليه شمال شرق سوريا.
وأشارت الصحيفة، وهو أمرٌ لافت إلى أن الحوار موجود بين الطرفين، لكنه بات أقوى بعد سُقوط نظام الرئيس السابق بشار الأسد.
بكُل حال، يبدو أن محور المقاومة قد تلقّى ضربات قاسية بالفعل، لم تكن مع سقوط نظام الأسد، بل بدأت بالضربات التي تلقّاها حزب الله باغتيال أمينه العام السيد حسن نصر الله، وصولاً إلى تدمير غزة، والحديث عن نوايا لإسقاط حركة أنصار الله في اليمن، ثم استغلال التدهور الاقتصادي في إيران، وضرب النووي، هذا كله يعني بداية إعادة تشكيل الشرق الأوسط الجديد الذي وعد به رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، في توقيت يصل به الرئيس المنتخب المُفضّل لتل أبيب دونالد ترامب للحُكم، ليبقى السؤال هل يستطيع محور المقاومة أو ما تبقّى منه إيقاف مخططات القضاء على ما تبقّى منه، أم أن الجميع بات مُتفرّجًا، وهو توصيف استخدمته طهران بحق الجيش السوري في تفسير أسباب سُقوطه!
اخبار سورية الوطن 2_راي اليوم