كمال خلف
انتشرت تصريحات قائد الإدارة الجديدة في سورية احمد الشرع ان ايران جاءت لتنتقم من السوريين بسبب حادثة من 1400 سنه، في إشارة الى مقتل الحسين بن علي عليه السلام، وان السنة او السوريين لا دخل لهم في هذه الحادثة، مقاربة الشرع هذه هي مقاربة فيها بساطة في الفهم لطبيعة السياسيات واهمية الجغرافيا السياسية للقوى وكيف تتحرك الدول ودوافعها ودوافع حركتها وفقا للمصالح والاستراتيجيات، ما يهم ايران كان تموضع سورية في الإقليم، واتجاه سياسيات الحكم فيها، والجغرافيا السياسية لكون سورية من دول الطوق حول إسرائيل، وانها ممرا حيويا بريا نحو لبنان حيث الجبهة المفتوحة على إسرائيل وحيث حزب الله القوة الفاعلة والمؤثرة في الصراع. والحقيقة الظاهرة اليوم ان الطائفة السنية في سورية لم تنقص فردا، وكذلك في لبنان، وحتى في ايران نفسها.
مفهوم نشر ايران للتشيع في المنطقة العربية، لا يعدو مفهوما دعائيا استعملته الولايات المتحدة لحض الدول والمجتمعات على مساعدتها في الحد من نفوذ ايران، او انتقال قوى ودول وتيارات وأحزاب عربية للوقوف في صف ايران ضد الولايات المتحدة وإسرائيل بسبب التنكيل والفظائع الذي مارستاه عقودا ضد الشعوب العربية والمصالح العربية ويأس الشعوب من قيام حائط صد عربي يوقف هذا التغول وبالتالي انتشار المشروع الإيراني باعتباره نقيضا للاحتلال والهيمنة وهذا يشكل خطرا على المشروعات الامريكية والاهم إسرائيل.
وهذا المفهوم لاستراتيجية الدول وفهمها للعلاقات الدولية، ينطبق على مقاربة الولايات المتحدة لسورية الان، فواشنطن اهتمامها منصب على ان نظاما في الشرق الأوسط كان معاديا لها، ويتموضع في محور ايران حزب الله روسيا الصين قد زال، وليس لديها حسابات ان كان هذا النظام مستبدا او ديمقراطيا، بالأساس الولايات المتحدة لديها حلفاء مستبدين في المنطقة العربية والعالم، ومع ان هيئة تحرير الشام لديها أيديولوجيا إسلامية متشددة، ومصنفة على قوائم الإرهاب الامريكية والدولية، الا ان واشنطن اندفعت نحو الحكام الجدد ومدت لهم اليد وفتحت أبواب الحوار، لان المهم للدول هو شكل التموضع الإقليمي، واتجاه السياسات، وإذ كان الشرع سيغلق باب دعم المقاومة ما تسميه الولايات المتحدة “إرهابا” و ينقل سورية من ضفة الى أخرى بالمعنى السياسي والاستراتيجي فلا ضير في احتوائه أيا كانت الأيديولوجيا او الانتماء المذهبي او الديني او العرقي.
واذا كان الشرع او الإدارة الجديدة لديها نية صادقة لبناء دولة عصرية مستقلة وقادرة وهذا ما نتمناه، عليه ان يهضم هذه التجاذبات الإقليمية، ويستوعب المصالح الدولية وتوازناتها، وان لا يستعجل في اعلان التموضع السياسي والدخول في لعبة المحاور، وان يتبنى سياسة الباب المفتوح، امام جميع الدول التي تدعم التحولات والتغيرات في سورية ولا تقف ضدها، بما فيها ايران وروسيا ومصر وغيرها على قاعدة العلاقات الطبيعية وعدم التدخل في الشؤون الداخلية. وان لا يكون اسيرا لأدبيات هواة السوشل ميديا، وفحيح الانتقام والتشفي والاحقاد التي تنعكس سلبا على المجتمع السوري قبل غيره.
ان تحديد اتجاه سياسية الدولة الخارجية هو اخر محطة في قطار طويل وشاق تكون الأولوية فيه لترتيب الوضع الداخلي وإنجاز استقرار الحكم، عبر خارطة طريق انتقالية تنتهي بانتخاب من يختاره الشعب ليمثله.
ما أعلنته هيئة تحرير الشام عند تسلمها مقاليد الحكم والدولة في سورية، هو بناء الدولة، ونبذ الانتقام، والثأر، واعلاء شأن القانون الذي سوف يحاسب من اقترف الجرائم بحق الشعب السوري، اطلاق الحريات العامة، وتحسين حياة الشعب الذي عانى لاكثر من عقد من الحروب والدمار، والحصار الاقتصادي الخانق، والفساد، والاستبداد. كما اشرت في مقال سابق ان هذا اعلان إيجابي ينم عن فهم ووعي شامل لما يجب ان تكون عليه عقلية الإدارة اذا كانت تهدف الى تحقيق النجاح والاستقرار ونقل البلاد نحو الازدهار. قوبل هذا الإعلان بتأييد شعبي وارتياح عام. لكن التحدي الان يكمن في التطبيق الفعلي.
فهناك أصوات من الداخل والخارج بدأت تطالب باستكمال هذا الإعلان بالتزام واضح ببناء دولة ” مدنية ” والدولة المدنية مصطلح لا محل له من الاعراب في عالم السياسة والحوكمة والمقصود بالدولة المدنية هو ” العلمانية ” والعلمانية مفهوم يقوم على المواطنة، وهو الوصفة التي تصهر المجتمعات المتنوعة باعراقها واطيافها في الدولة. فهل ستقر الهيئة بالدولة العلمانية او المدنية كما تسمى في عالمنا العربي؟ ام ستذهب الى نموذج الإسلام العصري، على الطريقة التركية ؟ لا اعرف بالضبط أي نموذج او هدف نهائي لشكل الدولة، هم يقولون مرحلة انتقالية الان، لكن انتقالية الى ماذا ؟ لم يتضح او لم يحددوا بعد.
الدولة العلمانية “المدنية” كما تسمى عندنا، ربما ستحظى بتأييد الغالبية العظمى من الشعب السوري لأنها نموذج ناضج في الحكم وإدارة الدولة، والنموذج الإسلامي وفق تجارب عربية كان ما له وما عليه، في مصر مثلا عندما صعد الإسلاميون الى السلطة، عاشت البلاد عصرا ذهبيا في مجال الحريات العامة وحقوق الفرد، حتى ان الرئيس كان ينتقد نقدا لاذعا في وسائل الاعلام، لكن على صعيد إدارة الدولة فشلوا فشلا ذريعا لأسباب كثيرة، منها انهم استأثروا بالحكم والمناصب ولم يشركوا القوى السياسية الأخرى بشكل فعلي، بالإضافة الى الفشل الاقتصادي والخدمي وأخيرا وجود الجيش حسم الموقف.
في تونس كانت مطالب الثورة ” شغل حرية وكرامة وطنية ” انجز الإسلاميون الحريات والديمقراطية، لكنهم في فشلوا في البقية. لا اعلم ان كان الإسلاميون في سورية سوف يستفيدون من تلك التجارب، ويخضون تجربة جديدة لها فرادتها، تركية في سورية تلعب دور المفتاح، اعتقد ان استمعوا للحليف الجار سوف تكون الأمور بالنسبة اليهم اسهل. في النهاية سيتاح للشعب السوري ان يقول كلمته في صناديق الاقتراع في انتخابات مفصلية تحدد مسار ومصير الدولة، واتقان العمل في المرحلة الانتقالية هذه وارضاء الشعب خاصة في الحقل الخدمي سيكون له اثر بلا شك، بالمقابل يجب وقف بعض الانفلات والتعديات والتصفيات خارج اطار القانون، فقد يكون هذا امرا عابرا في الأيام الأولى بسبب الفوضى وانهيار النظام السابق، لكن استمراره وعدم المحاسبة، قد يشكل حالة ضاغطة على المجتمع يدفع الناس الى محاولة الخلاص باي شكل.
الوضع العام رغم حساسيته ودقته في سورية الا ان ارثا حضاريا سوريا ضاربا في التاريخ، وفرادة هذا الشعب العظيم الصبور وما فيه من كفاءات رفيعة المستوى في كافة المجالات يعطينا الكثير الكثير من الامل.
اخبار سورية الوطن 2_راي اليوم