تصدّرت الاشتباكات التي شهدتها مدينة الصنمين السورية، مساء السبت، بين مجموعتين مسلحتين محلّيتين، المشهد أخيراً، ما دفع بـ«إدارة العمليات العسكرية» إلى إرسال تعزيزات من قوى الأمن التابعة لما يعرف باسم «غرفة عمليات الجنوب» لفض الاشتباكات. وبالتوازي مع ذلك، خرجت تظاهرات في الصنمين، الواقعة في ريف درعا الغربي، تطالب بمحاسبة القيادي في إحدى تلك المجموعتين، محسن الهميد، وعناصر أخرى فيها، على خلفية اتهامات من الفصائل الموالية حالياً لـ«إدارة العمليات العسكرية» والمنخرطة ضمن «غرفة عمليات الجنوب»، للمجموعة المشار إليها بقتل أكثر من 130 شخصاً، وتنفيذ عمليات خطف وسرقة تحت حماية «الأمن العسكري» التابع للنظام السابق. ويُنظر إلى مجموعة الهميد على أنّها محسوبة على مخابرات النظام السابق، بعدما بدأت العمل لمصلحته عقب اتفاقيات التسوية التي أبرمت صيف عام 2018، والتي مكّنت السلطات، آنذاك، من استعادة السيطرة على الجنوب السوري بدعم من القوات الروسية.
وبناءً على اتفاق وقف النار الذي فرضته «إدارة العمليات العسكرية»، بدأت مجموعات من قوى الأمن التابعة لها والمستقدمة من دمشق، بالانتشار في مدينة الصنمين ضمن نقاط مستدامة، فيما انسحبت الأرتال التابعة لـ«غرفة عمليات الجنوب» نحو مدينة درعا. وتوضح مصادر عشائرية من مدينة الصنمين، لـ«الأخبار»، أنّ الاتفاق ينص على الوقف الفوري لإطلاق النار، وتسليم السلاح الثقيل من قبل طرفَي الاقتتال، جنباً إلى جنب تسليم «مجموعة الهميد» لمواقعها في المدينة. ويسمح الاتفاق للطرفين بالاحتفاظ بالأسلحة الفردية لدى عناصرهما، ويتيح، فور استقرار الدولة وإعادة هيكلة قواتها، لأيّ طرف التقدم بأدلّة تدين الهميد، في ما يتعلق بارتكابه انتهاكات وجرائم قتل.
تريد حكومة دمشق وضع حدّ لطموحات «غرفة عمليات الجنوب» بالاستفراد بالسيطرة على المنطقة
وطبقاً للمصادر نفسها، التي فضّلت عدم الكشف عن هويتها، فبالإمكان وصف الاقتتال الفصائلي في الجنوب السوري بـ«التركة الثقيلة» التي خلّفها النظام السابق لـ«إدارة العمليات العسكرية» عقب انسحابه، مشيرةً إلى أنّ الإدارة قد تستثمر في هذا الواقع لتحقيق غايتين: الأولى تتمثل بالتخلص ممّن تسمّيهم «فلول النظام»؛ الثانية فرض «سيطرة بحكم الأمر الواقع»، وبشكل مباشر، على مناطق درعا، ما سيضع حداً لطموحات قادة «غرفة عمليات الجنوب» إلى الاستفراد بإدارة المنطقة. ومما يعزز صحة الغاية الثانية، أنّ من غير المرجح أن تمنح إدارة أحمد الشرع ثقتها لشخصيات من مثل أحمد العودة، الذي كان يقود «اللواء الثامن» في الفوج الخامس من الجيش السوري، والمحسوب على الروس. كما لن يشفع للأخير «انقلابه» على النظام، في آخر أيامه، بعدما كان، منذ عام 2018، واحداً من أهم أدوات النظام والروس في مواجهة أي فصيل يخرج عن اتفاقيات التسوية التي فرضت في الجنوب.
إقالات في السويداء
وفي السويداء، أعلن فصيلا «حركة رجال الكرامة»، «ولواء الجبل»، في بيان مشترك، عمّا سمّياه «خريطة طريق للمرحلة المقبلة»، أكدا فيه استعداد الفصيلين لـ«الاندماج ضمن جسم عسكري يكون نواة لجيش وطني جديد، ورفض أي جيش فئوي أو طائفي»، من دون أي إشارة إلى استعدادهما لتسليم السلاح، نزولاً عند المبادرة التي أطلقتها حكومة محمد البشير. وبالحديث عن تسليم السلاح، رأى الفصيلان، في البيان، أنّ «حمل السلاح وسيلة اضطرارية وليس غاية»، مشيرين إلى أنّه يهدف إلى حماية السويداء بكل أطيافها. وفي رسالة مباشرة إلى حكومة دمشق الجديدة بعدم قبول فصائل السويداء بالتدخل في شؤون المحافظة التي تقطنها غالبية درزية، شدد الفصيلان على ضرورة «عدم تدخل الفصائل العسكرية في الشؤون الإدارية أو السياسية، ودعم العمل المدني والسياسي بشكل تشاركي، مع الالتزام بحماية المرافق العامة».
إلى ذلك، تتحدث مصادر من محافظة السويداء عن أنّ قوى المعارضة (للنظام السابق)، ممثلة بـ«الهيئة السياسية للحراك السلمي»، وبموافقة من المرجعية الدينية في المحافظة، تمارس ضغوطاً مباشرة على مديري المؤسسات الحكومية الموجودين في مراكزهم منذ ما قبل سقوط النظام السابق، لتقديم استقالاتهم بشكل طوعي، فيما قوبلت طلبات الاستقالة من وزارات حكومة تصريف الأعمال التي يرأسها محمد البشير، أخيراً، بالموافقة الفورية. وقد بدأت الاستقالات، الأحد، من فرع شركة المحروقات، وتلتها استقالة المدير العام للكهرباء. وخلال ساعات النهار، قدم مدير مؤسسة النقل استقالته، قبل أن يقدِم رئيس «اتحاد الفلاحين» على الخطوة نفسها، علماً أنّ الأخير يشغل منصباً ضمن منظمة تعدّ بمثابة النقابة الخاصة بالعاملين في القطاع الزراعي في سوريا.
وعلى الضفة نفسها، ضغطت مجموعة من المحامين، في إطار مجموعة أطلقت على نفسها تسمية «تجمع المحامين الأحرار»، على «مجلس نقابة المحامين في السويداء»، وأجبرته على تقديم استقالة جماعية، باعتبار أنّه منتخب في عهد النظام، ويمثل، بالتالي، رأي «حزب البعث» في النقابة. وتبدو ممارسات قوى المعارضة (للنظام السابق) في السويداء، والتي قيل إنها تستهدف في الأساس تشكيل إدارة محلية تنأى بنفسها عن دمشق، منسجمة بشكل أو بآخر مع آلية عمل حكومة البشير، ومن خلفه الشرع، والتي تشمل سائر المحافظات السورية، فيما كان لافتاً استخدام مصطلح «استقالة»، بدلاً من «الإقالة» في العملية الأخيرة، لدحض الاتهامات بممارسة «سطوة المنتصر» أو «العمليات الانتقامية»، وفقاً للمصادر نفسها.
وتتزامن التطورات الأخيرة مع استمرار الانتفاضة الشعبية ضد ممارسات حكومة البشير في السويداء، حيث خرج أخيراً تجمع من المعلمين لرفض انفراد «إدارة العمليات العسكرية» بتعديل المناهج. وفيما تتفق جميع الأطراف على نقطة إزالة «رموز النظام» من المناهج الدراسية، إلا أن قوى سياسية ومدنية في السويداء خصوصاً، وسوريا عموماً، ترفض آلية التعديل، باعتبار أنّ وزارة التربية تسعى، من خلالها، إلى «أسلمة المناهج».
أخبار سورية الوطن١_الأخبار