آخر الأخبار
الرئيسية » كتاب وآراء » سوريا اليوم ..الأزمة والفرصة

سوريا اليوم ..الأزمة والفرصة

المهندس سليم البطاينه

حدث بهذا الحجم (سقوط نظام الأسد) لابد ان يكون له ارتدادات مهمة على سياسات المنطقة والعالم لما سيحدثه من تغييرات هائلة في التوازنات السياسية ومعادلة القوة في المنطقة والإقليم! سيخلف عنها خارطة جديدة من التحالفات والاصطفافات وفقاً للرؤية الأمريكية تجاه سوريا التي أعطت تركيا دور الوصاية على الحكم الجديد في سوريا! ومنحت إسرائيل دور إدارة المشهد.

المتغيّر السوري أصطحب قائمة من الاسئلة الطويلة داخل سوريا وخارجها، أنصبّ معظمها على استقرار المنطقة ومستقبلها، وفتحت الباب واسعاً للتفكير في شكل المرحلة التي تنتظرها دول المنطقة في اتضاح رؤية الإدارة الجديدة في دمشق.

المنطقة لا تحتمل مزيداً من الصراعات وعدم الاستقرار السياسي، والنبوءات المتشائمة والعلاقة مع دمشق تتطلّب ذكاءاً سياسياً، لهذا تحركت الدول العربية بسرعة مدفوعة بالقلق والخوف لاحتواء النظام السوري الجديد ،، متوجّسة من طبيعة الدور الأمريكي المُبهَم في سوريا والذي من الممكن ان يؤدي الى تجدد مشروع الإخوان المسلمين في العالم العربي وإلى تغييرات جذرية في التوازنات والأدوار بإتجاه الهياكل القائمة

لذا لا غرابة في رؤية جميع الدول العربية اليوم منشغلة بالمغازلة السياسية وبترتيبات اليوم التالي لاستكشاف المرحلة الجديدة في دمشق! وليس مفاجأة أيضاً أن تتقاطر الوفود العربية والأجنبية للقاء القادة في سوريا، وهو ما يضفي عليهم نوعاً من الشرعية ويشكل قوة دفع لهم.

اللعبة مستمرة، وهي أكبر من الكل! خيوطها عند أمريكا لكنها بيد إسرائيل! وهي عريضة جداً، بدأت في غزة ومرت بلبنان، واليوم بسوريا، وربما غداً في مكان آخر لا نعرفه، فـ بعد سوريا لم يعد بإمكاننا ان نتحدث عن ملف دون آخر! أو دولة دون غيرها، فالمنطقة كاملة باتت في سلّة واحدة! أو هكذا يراد لها ان تكون في مخططات واشنطن وتل ابيب ولندن وباريس! حيث أصبح من السذاجة فهم أي من الجوانب والأحداث بالمنطقة الممتدة من البحر الأسود الى بحر العرب، ومن الخليج الى المحيط الأطلسي دون الأخذ بعين الاعتبار ترتيبات إدارة المشهد بعد غزة ولبنان والتي أنُيطت بإسرائيل وحدها دون غيرها لإعادة رسم خريطة المنطقة وترتيب اوراقها تحت اسم الشرق الأوسط الجديد.

من حق أي دولة أن تدير سياسات حذرة في الأزمات الصعبة التي تحيط بها، فهناك فوارق كثيرة بين سياسة الحذر وسياسة الخوف: فالأُولى تقوم على اعتبارات داخلية، والثانية تقوم على إملاءات خارجية، والأردن عملياً يتأثر بمحيطه غير المستقر، فكل عشر سنوات تقريباً يعيش الأردن أزمات تنعكس على سياساته وأمنه، فـ هو البلد الأكثر تأثراً بالحدث السوري، وهو أحد الدول المستهدفة في كل المشاريع المُعدّة والمخطّط لها مسبقاً (من تهجير وتوطين وبناء مدن جديدة واستقبال لاجئين وإنشاء بنية تحتية وفقاً لخرائط نتنياهو وسموريتش) وغيرهم ممن يجاهرون ليلا نهاراً ان الأردن هي أرض إسرائيل حسب ما تقوله التوراة ووثائق وعد بلفور!

بالتأكيد دائرة القلق اتّسعت بعد سقوط حواجز ومحاور وساحات وانظمة، والحديث عن مخاوف من ارتدادات ما حصل في سوريا ليس مبعثه التشاؤم، بل الخوف أننا في الأردن ما زلنا غائبين في زمن قد انتهى! فـ الدور الاردني لمن لا يعرف تعرّض لضربات موجعة من الإخوة والحلفاء والأصدقاء أضعَف من دورنا الإقليمي!

التوقيت في السياسة هو كل شيء، والمتغيرات تحد من دقة توقعاتنا خصوصاً في سلوك من نتحالف ونتعامل معهم، فـ الأحلاف متغيرة، والاتكال عليها لم يعد كافياً لجلب استقرار يرضينا! فافضل ما يمكن لنا ان نقوم به الان هو الهدوء وأخذ نفس عميق، والجنوح نحو الواقعية السياسية في التفكير والتوقعات، والى سياسات عقلانية ومعالجات هادئة لا تذهب وراء أخيِلة لم تعد موجودة، فلا أخطر من ان تلجأ الدول إلى دول غيرها كي تفكر عنها وتملي عليها قراراتها.

نعم… استقرار سوريا يصب في مصلحة الأردن بشكل مباشر، وثمة حاجة للتواصل مع قادة دمشق، رغم شعوري أن هناك تيار داخل الدولة يرى ان هناك تحديات أساسية تمنع الأردن من الانفتاح بسرعة على دمشق، لان المسألة السورية كما يرونها تكتسي أبعاداً متشابكة يتداخل فيها التاريخ مع الجغرافيا! وصولاً إلى حسابات الربح والخسارة.

المنطقة والعالم يشهدان حركة متغيرات متسارعة نحو تحولات كبيرة، تفرض علينا مراجعة ملفاتنا كاملة غير منقوصة! فما كان صحيحاً قبل أشهر قد لا يكون مثالياً في ظل معطيات اليوم.

وليس أمام الأردن اليوم سوى خيار واحد من بين ثلاثة خيارات للتعامل مع قادة دمشق:

إما الانكفاء أو العداء، أو التدخل الإيجابي الفاعل، فعدم الاهتمام بالشأن السوري يعني تخلي الأردن عن اهتمامه بمجاله الحيوي القريب، وترك بقية اللاعبين الإقليميين والدوليين يقررون جدول الأعمال بما يتناسب مع مصالحهم وأولوياتهم دون مراعاة المصالح والأولويات الأردنية! بل ربما على حسابها… فـ لا يجب الاستسلام لمفهوم الأزمة والخوف والقلق بل يجب علينا انتهاز الفرصة واستثمارها في التدخل الإيجابي الفاعل باختراق سياسي كبير ولعب دور مؤثر في العلاقة مع دمشق، والعمل على مساعدة سوريا في بناء دولتها.

 

 

اخبار سورية الوطن 2_راي اليوم

x

‎قد يُعجبك أيضاً

رسائل “المتضررين”.. ورسالة سوريا

  بقلم :أحمد حمادة تعمل سوريا الجديدة، وبكامل جهود إدارتها وجهاز أمنها العام، على ضبط الأمن في كامل التراب السوري، لكن المتضررين من سقوط نظام ...