آخر الأخبار
الرئيسية » غير مصنف » بوادر «بيريسترويكا» أميركية: ترامب يسرّع احتضار «النظام الدولي»

بوادر «بيريسترويكا» أميركية: ترامب يسرّع احتضار «النظام الدولي»

 

ملاك حمود

 

 

أشبه بنسخة أميركية من «البيريسترويكا» Perestroika، أو «إعادة الهيكلة»؛ هذا ما يبدو عليه، إلى الآن، توجّه الإدارة الأميركية الجديدة، والذي يخاطر بنموذج «فريد» قامت عليه أميركا، وسيكون من شأنه – في حال نجاحه – تمييع أدوات نفوذها، على رغم افتراض أصحابه أن التفوّق الأبديّ لا يزال في متناول اليد، وأن الانكفاء ضروريّ لمخاطبة هواجس الداخل، وابتداع حلول تخفّف من العبثيّة المنفلشة في الخارج. هكذا، تغادر إدارة جو بايدن مخلّفةً خراباً كبيراً على المستويات كافة، فيما تستهلّ إدارة دونالد ترامب ولايتها بوعود ضخمة، ستؤسّس، فما لو تحقَّق بعضها، لنموذج جديد عنوانه الطاعة، وما يمكن أن تولّده هذه الأخيرة من تجذير لفكرة الزعيم المطلق. يدخل ترامب البيت الأبيض مطلَق اليدين، متحلّلاً من همّ ولاية رئاسية أخرى، ولكن حالماً بأن يكون ما يسعى وراءه، بداية «انقلاب» حقيقي يرسّخ «أميركا كما لم تُرَ من قَبل». ولعلّ واحدةً من أبرز تلك الأدوات، «مشروع 2025»، وما يتفرّع منه من خطط يراد منها، كما يقول الرئيس المقبل، «تفكيك الدولة العميقة»، والتي ليست على أيّ حال كياناً متجانساً، بل مجموعة «دويلات» تتقاطع مصالحها وتتضارب حتى في ما بينها. أمّا على مستوى السياسة الخارجية، فسيعاد الاعتبار إلى مبدأ «أميركا أولاً»، والذي ثمّة مَن يخشى أن «يقوّض» الميزة والاستثناء الأميركيَّين.

 

 

تتقاطع السياستان المذكورتان عند السعي وراء الانكفاء، وإنْ كانت الأحداث الدولية (حربا أوكرانيا وغزة مثالان) تُظهر أن حظوظ خيار كهذا شبه معدومة. مع ذلك، يمضي ترامب في محاولته صقل إرثه المحافظ، من خلال تبنّي أهداف طموحة، من قَبيل إصلاح الحكومة الفدرالية، وإحداث تحوّل جذري في أنظمة الحكم، فضلاً طبعاً عن تطهير الوكالات من «الليبرالية الراديكالية»، وفقاً لتوصيات «مشروع 2025»، والذي أعدّته مؤسسة «هيريتيج» الفكرية المحافِظة الأميركية. ولعل من أبرز طروحات المشروع المذكور: إلغاء التشريعات الخاصة بالمناخ، وإغلاق مكتب حماية المستهلك، وحلّ وزارتَي التجارة والتعليم، وزيادة الضرائب على الطبقة المتوسطة لتمويل تخفيضات الضرائب على أصحاب المليارات والشركات، كما الحدّ من سلطة الحكومة في فرض قوانين تمويل الحملات الانتخابية المصمَّمة – كما يُشاع – لردع الفساد القائم على الدفع مقابل الولاء. وإذا كان ترامب قد سارع إلى التنصُّل من تلك الخطّة المحافِظة، فإن أجندته، أو على الأقل الجزء المعلن منها، تكاد تتماهى مع الطروحات الآنفة، في ظلّ سعيه إلى «تفكيك الدولة العميقة، واستعادة ديموقراطيتنا من فساد واشنطن إلى الأبد» – أو بتعبير «هيريتيج»: «تفكيك الدولة الإدارية وإعادة الحكم الذاتي إلى الشعب الأميركي» -. باختصار،

 

يقول ترامب:

1- سأُعيد أَمْري التنفيذي الصادر في 2020، والذي يمنح الرئيس سلطة إزاحة البيروقراطيين المارقين، وسأستخدم السلطة بقوّة شديدة؛

2- سنُطهّر الأمن القومي والاستخبارات من الفاسدين؛

3- سنُصلح المحاكم التي باتت فاسدة؛

4- سنكشف الخداع وإساءة استخدام السلطة الذي مزّق بلادنا، وسننشئ لجنة الحقيقة لرفع السرّية عن وثائق الدولة العميقة المتعلّقة بالتجسُّس والفساد، وما أكثرها؛

5- سنُطلق حملة مسرّبي المعلومات الحكومية المتورّطين في نشر الأخبار المزيّفة عمداً؛

6- سنجعل المفتّشين العامّين مستقلّين، كي لا يخضعوا للدولة العميقة ويحموها؛

7- سأطلب من الكونغرس إنشاء نظام تدقيق مستقلّ لمراقبة عمل الاستخبارات، لضمان عدم تجسّسهم على المواطنين أو تضليل الشعب؛

8- سننقل أجزاء من الحكومة الفدرالية البيروقراطية إلى خارج مستنقع واشنطن؛

9- سأمنع البيروقراطيين من التعامل مع الشركات ثم العمل فيها لاحقاً، كما هي الحال مع شركات الأدوية الكبرى؛

10- سأدفع إلى تعديل دستوري يحدّد مدّة عضوية الكونغرس.

 

 

وفي مقابل تلك الخطط الطموحة، والتي ليس واضحاً ما إذا كانت ستتحوّل إلى «فرمانات»، يعيد ترامب إحياء سياسة «أميركا أولاً»، والتي تُعدّ مكمّلةً لمشروع خلخلة «الدولة العميقة». ففي مقالتهما المنشورة في دورية «فورين أفيرز» بعنوان «كيف تعمل سياسة أميركا أولاً على تقويض الميزة الأميركية»، يناقش أستاذا العلوم السياسية والحكومة، ألكسندر كولي ودانييل نيكسون، الفرضية القائلة إن فوز ترامب بالانتخابات الرئاسية مجدّداً، يمكن أن يُمثِّل ضربةً قاصمة لِما يُعرف بـ«النظام الدولي الليبرالي»، في ظلّ ازدرائه المؤسسات والهيئات الرئيسيّة التي شيَّدتها واشنطن للحفاظ على هذا النظام والتربّع على عرشه، مِن مِثل «حلف شمال الأطلسي»، والأمم المتحدة، و«منظمة التجارة العالمية»، وغيرها من الوكالات. وإذا كان النظام الدولي في خضمّ تهديد كبير، حتى قبل صعود ترامب، فإن السياسات القومية للرئيس المنتخب وفريقه، بحسب الكاتبين، «تهدّد بتقويضه إلى غير رجعة». والنتيجة المترتّبة على ذلك، من وجهة نظرهما، ليست أن أميركا ستصبح أكثر قوّةً كما يأمل ترامب، ولكنها «ستفقد تفوّقها، وربّما يتعرّض أمنها القومي للخطر، نتيجة تخلّيها عن المقوّمات التي أسّست للهيمنة الأميركية على مدى أكثر من 50 عاماً».

 

يمضي ترامب في محاولته صقل إرثه المحافظ، من خلال تبنّي أهداف طموحة، من قَبيل إصلاح الحكومة الفدرالية، وإحداث تحوّل جذري في أنظمة الحكم

 

 

وكان ترامب قد وعد خلال حملته الانتخابية، بتبنّي سياسة خارجية قومية تقوم على مبدأ «أميركا أولاً»، معزّزاً إيّاها بترشيحات وتعيينات من شأنها تعزيز نفوذ الموالين لـ«ماغا» من المناهضين للعولمة و«النظام الدولي الليبرالي». ولذلك، «لا شكّ في أن ولاية ترامب الثانية ستُعيد توجيه السياسة المحلية والدولية (…) لكن رئاسته لن تُنهي ما يُسمى بالنظام الدولي الليبرالي، لسبب بسيط، وهو أن ذلك النظام يحتضر بالفعل». إذ بالنسبة إلى الكاتبَين، فقد عزَّز التدهور النسبي لدول «مجموعة السبع» أوراق المساومة لدى الدول الأضعف؛ وللمرّة الأولى منذ انهيار الاتحاد السوفياتي، باتت تلك الدول تتمتّع ببدائل ذات مغزى للأسواق الغربية، وبوسائل الحماية العسكرية. أيضاً، أدى صعود اليمين المحافظ (الشعبوية الرجعية، وفق وصف كولي ونيكسون) – ليس في أميركا الشمالية وأوروبا فقط، ولكن أيضاً في الهند وأجزاء من أميركا اللاتينية – إلى تحطيم الهيمنة الأيديولوجية للّيبرالية. وليس أدل على ذلك من احتفاظ بايدن بجوانب رئيسيّة من النهج الاقتصادي لسلفه و«خلفه» ترامب، بما فيها الرسوم الجمركية، وتبنّيه أول سياسة صناعية أميركية، منذ عقود، من خلال قانونَي «الرقائق» و«خفض التضخّم»، علماً أن الواقع يقول إن العناصر المهمّة لما يُعرف بـ«النظام الدولي الليبرالي» تُشكِّل البنية التحتية الأساسية للقوّة الأميركية. ومن هنا، فإن «السياسة الخارجية المحدودة الأفق، والتي تهتمّ فقط بالحفاظ على القوّة الأميركية، لا بدّ أن تستثمر في دعم العناصر الرئيسيّة لهذا النظام»، بحسب كولي ونيكسون.

 

 

على أن احتقار ترامب للمؤسسة ليس إلّا صورةً طبق الأصل للطريقة التي برّرت بها إدارة بايدن «تفضيلاتها» في السياسة الخارجية، بما في ذلك «التزام» الولايات المتحدة تجاه «الأطلسي» ودعم أوكرانيا، والزعم بأن كل تلك السياسات ضرورية لـ«الدفاع عن المبادئ الثابتة» التي تشمل «مساندة الديموقراطيات» و«حماية النظام الليبرالي». ومع هذا، فإن الحجح المذكورة تبخّرت في ظل فشل إدارة بايدن في إحداث التأثير المطلوب على دول الجنوب العالمي من بوابة حرب أوكرانيا. إذ صارت هذه الدول تربط الخطاب الأميركي حول «النظام الدولي الليبرالي» أو «القائم على القواعد» بجهود الغرب لإملاء سياساته الاقتصادية ومساعيه للتدخل في شؤونها الداخلية، وهو ما ظهرت أصداؤه خصوصاً في ردود الفعل العنيفة ضدّ الولايات المتحدة، بسبب دعمها الثابت لحرب غزة. وأكثر مما تقدّم؛ يرى الكاتبان أنه في حال تخلِّي الولايات المتحدة، صراحة أو ضمناً، عن الحدّ الأدنى من الالتزام ببعض مبادئ السياسة الخارجية التي تبنَّتها منذ فترة طويلة، من مِثل «حقوق الإنسان» و«الديموقراطية» و«الحكم الرشيد»، فإنها ستفقد جميع المزايا التي تفرّقها عن سائر منافسيها من القوى العظمى.

وهكذا، تصبح «إعادة الهيكلة» خطراً على موقع أميركا على الخريطة الدولية؛ وكل ذلك في سبيل تأكيد ترامب رؤيته للتفوّق، من خلال تدمير البنية التحتية التي ساعدت الولايات المتحدة، على مرّ العقود، على تعزيز مصالحها الأساسية.

 

 

 

 

 

أخبار سورية الوطن١ الأخبار

x

‎قد يُعجبك أيضاً

أول موقف للشرع من التغوّل الإسرائيلي: العدو يتابع عربدته جنوباً

    نفّذ العدو الإسرائيلي، أمس، جملة من الاقتحامات في المنطقة الممتدة من جنوب القنيطرة إلى جنوب غرب درعا، حيث داهم عدداً من القرى، بينها ...