آخر الأخبار
الرئيسية » تربية وتعليم وإعلام » هل الجامعات الثنائية الجنسية نموذج يصلح للواقع السوري مستقبلاً؟

هل الجامعات الثنائية الجنسية نموذج يصلح للواقع السوري مستقبلاً؟

 

 

د.وائل معلا

 

 

تبرز “الجامعات الثنائية الجنسية” Binational universities كشكل جديد من أشكال التعاون الأكاديمي والاقتصادي والسياسي العابر للحدود. ومع ذلك، فإن هذه المؤسسات التعليمية لم تحظ إلا بالقليل من الاهتمام في الأوساط العلمية.

 

على عكس فروع الجامعات الدولية international branch campuses، التي تعمل على توسيع المؤسسات القائمة إلى مواقع جديدة، فإن “الجامعات الثنائية الجنسية” هي جامعات جديدة تمامًا ولدت من اتفاقيات حكومية ثنائية تسعى إلى دمج الثقافات الأكاديمية، وتعدّ مصدراً للابتكار الاقتصادي وتنمية القوى البشرية العاملة عبر الدول الشريكة.

 

عادة ما تكون “الجامعات ثنائية الجنسية” مؤسسات جديدة تُنشأ عبر التعاون السياسي بين البلدين. على الرغم من عدم وجود تعريف مقبول عالميًا حتى الآن، إلا أنه يُفهم عمومًا من مصطلح “الجامعات الثنائية الجنسية” أنها مؤسسات تعليم عالٍ تمنح الدرجات العلمية، وتُحدث من خلال اتفاقيات رسمية تُبرم بين دولتين، مما يعكس الأنظمة التعليمية لكليهما. وهي جامعات لها سماتها الخاصة إذ تشارك الحكومة الشريكة والحكومة المضيفة في إنشائها وتصميمها وإدارتها.

 

النموذج الألماني

تعد ألمانيا رائدة في إحداث هذا النوع من الجامعات، ويوجد ما لا يقل عن 10 مؤسسات تعليم عالٍ من هذا القبيل في جميع أنحاء العالم تدعمها عادة اتحادات الجامعات الألمانية.، نشأت من خلال مفاوضات سياسية مثل الجامعة الألمانية بالقاهرة (GUC) German University in Cairo والمعهد الألماني المنغولي للموارد والتكنولوجيا German-Mongolian Institute for Resources and Technology.

 

ومع ذلك، فقد تبنت دول أخرى، لا سيما اليابان، أساليب مماثلة في تطوير “الجامعات الثنائية الجنسية”. وتستضيف مصر وفيتنام جامعتين من هذا النوع على الأقل لكل منهما، وتستضيف تركيا ثلاث جامعات، بما في ذلك الجامعة التركية اليابانية للعلوم والتكنولوجيا Turkish-Japanese Science and Technology University، والجامعة التركية الألمانية Turkish-German University، وجامعة غالاتساراي التركية الفرنسية Turkish-French Galatasaray University.

 

تحظى جهود ألمانيا لإنشاء جامعات ثتائية الجنسية بدعم من هيئة التبادل الأكاديمي الألمانية (DAAD)، بما يتماشى مع القيم الأساسية لاستراتيجية البلاد 2025، والتي تشمل تعزيز الحرية الأكاديمية والمساهمة في حل المشكلات العالمية من خلال التعاون العابر للحدود. ومن الأمثلة الرئيسية على ذلك الجامعة التركية الألمانية (TGU) Turkish-German University التي تأسست في عام 2013. على الرغم من أنها جامعة حكومية تركية، إلا أنها تقدم دورات باللغة الألمانية بشكل أساسي وتدعمها DAAD والمجلس التركي للتعليم العالي (YÖK).

 

وتقدم جامعة بارزة أخرى، وهي الجامعة الألمانية في القاهرة German University in Cairo التي تأسست عام 2002، برامج دراسية مزدوجة معتمدة في مصر وألمانيا، مع التركيز على مجالات مثل الهندسة وإدارة الأعمال لإعداد الخريجين للمهن العالمية وتعزيز العلاقات بين البلدين.

تعمل الجامعة الفيتنامية الألمانية (VGU) Vietnamese-German University التي تأسست عام 2008 بموجب القانون الفيتنامي ولكنها تتبع المعايير الأكاديمية الألمانية. تقدم VGU برامج في الهندسة والعلوم الطبيعية والاقتصاد، وهي عبارة عن تعاون بين الحكومة الفيتنامية وولاية هيسن الألمانية واتحاد الجامعات الألمانية. وهي تدعم جهود التحديث في فيتنام بتقديم تعليم عالي الجودة يتماشى مع التنمية الاقتصادية وتنمية القوى العاملة.

 

النموذج الألماني للجامعات الثنائية الجنسية يعزز الشراكات الأكاديمية العابرة للحدود التي تسعى إلى تعزيز المعرفة المشتركة والتبادل الثقافي والتنمية الاقتصادية.

 

أدوار تحويلية

تلعب “الجامعات ثنائية الجنسية” أدوارًا تحويلية في أربعة مجالات رئيسية: الابتكار الأكاديمي، والتعاون البحثي، وتعزيز المواطنة العالمية، وتعزيز العلاقات الاقتصادية والدبلوماسية الثنائية.

• الابتكار الأكاديمي وتطوير المناهج الدراسية: تقوم هذه الجامعات بدمج الفلسفات والمناهج التعليمية للدول الشريكة، مما يؤدي إلى تحفيز الابتكار الأكاديمي، كما تقدم برامج تمنح شهادات مزدوجة تلبي متطلبات الاعتماد في الدول الشريكة مما يوفر للطلاب مؤهلات معترفاً بها دوليًا.

• التعاون البحثي العابر للحدود: غالباً ما يعدّ البحث العلمي ركيزة أساسية في العديد من هذه الجامعات، مما يوفر فرص إطلاق مشاريع تعاونية تعالج تحديات عالمية. و لهذه الجامعات. القدرة على الاستفادة من التمويل والموارد الفكرية من كلا الدولتين الشريكتين، وتسهيل إجراء أبحاث واسعة النطاق ومؤثرة قد يصعب على دولة واحدة القيام بها بمفردها. ومع ذلك، فإن عمق وتركيز الأنشطة البحثية يتفاوت فيما بينها؛ ففي حين يركز البعض على مشاريع أطروحات الطلاب، فإن البعض الآخر يؤمن تمويلًا بحثيًا خارجيًا.

• تعزيز المواطنة العالمية والكفاءة الثقافية البينية: تعمل هيئات التدريس على تعزيز المواطنة العالمية من خلال غمر الطلاب في بيئات ثنائية الجنسية تعزز الكفاءات بين الثقافات. كما تقوم الهيئات الطلابية وبرامج التبادل المتنوعة التي تقدمها هذه الجامعات بإعداد الخريجين لشغل وظائف في الشركات متعددة الجنسيات، وفي المنظمات الدولية والوكالات الحكومية.

• جاهزية القوى العاملة والأثر الاقتصادي: تقوم الجامعات الثنائية الجنسية بمنح الطلاب درجات علمية معترف بها في الدول الشريكة وتتوافق مع المعايير الدولية. علاوة على ذلك، تساهم هذه الجامعات في التنمية الاقتصادية المحلية من خلال تعزيز الابتكار وريادة الأعمال، وتوفير التعلّم المكتسب من الممارسة العملية. على سبيل المثال، توظف شركة مرسيدس بنز حوالي 800 شخص في فيتنام، بما في ذلك خريّجي VGU، وتقدم العديد من الشركات الألمانية المنح الدراسية لطلاب VGU كوسيلة لتوظيف الموظفين في المستقبل. كذلك أنشأت الجامعة الألمانية بالقاهرة مبادرات، مثل مجمّع الصناعة Industry Park الخاص بها، لتعزيز التعاون بين الباحثين والشركاء الصناعيين. وتدعم هذه الجهود الاقتصاد المحلي من خلال سد الفجوة بين الأوساط الأكاديمية والصناعة، وتسهيل التسويق عبر الحدود الوطنية والموارد البشرية والتطوير التنظيمي.

• تعزيز العلاقات الدبلوماسية والثقافية: تلعب “الجامعات ثناية الجنسية” أيضًا دورًا محوريًا في تعزيز العلاقات الدبلوماسية والثقافية بين الدول الشريكة، فتعزّز التعاون بين الحكومات والمؤسسات التعليمية والصناعات. كما أنّ البيئات المتعددة الثقافات التي تُنشأ فيها تسمح للطلاب بالتفاعل مع وجهات نظر مختلفة، وتعدّهم ليصبحوا مواطنين عالميين قادرين على إدارة العلاقات الدولية والمساهمة في السلام والتعاون العالميين.

 

المواءمة والتحديات الأخرى

على الرغم من أن هذه الجامعات تقدم فرصًا فريدة للتعاون الدولي والتبادل التعليمي، إلا أنها تواجه عدداً من التحديات والمخاطر المحتملة.، من أهمها مواءمة الثقافات الأكاديمية المختلفة واللوائح ومعايير ضمان الجودة بين البلدان المشاركة، الأمر الذي يمكن أن يؤدي إلى تعقيدات إدارية وصراعات محتملة في الهياكل الإدارية.

 

كذلك قد تشكل حواجز اللغة صعوبات في التواصل والإدارة والتعليم. ويمكن أن يشكل التمويل عقبة أخرى، حيث تعتمد هذه المؤسسات في كثير من الأحيان على الدعم من كلا البلدين الشريكين، الأمر الذي قد يخضع لتقلبات سياسية واقتصادية.

 

وهناك أيضًا خطر التوزيع غير العادل للموارد والمسؤوليات بين البلدان الشريكة. بالإضافة إلى ذلك، قد تواجه الجامعات ثنائية الجنسية تحديات في الحفاظ على النزاهة الأكاديمية ومنع التأثير الأجنبي غير المبرر، خاصة في مجالات البحث العلمي الحساسة. كما أن احتمال حدوث توترات سياسية بين الدول الشريكة يمكن أن يعرض استقرار المؤسسة وعملياتها للخطر.

وأخيرًا، هناك خطر انخفاض معدل التحاق الطلاب أو معدّل المكوث إذا فشلت اّلمؤسسة في تسويق عروض القيمة الفريدة الخاصة بها بشكل فعال أو إذا كان الطلاب يكافحون من أجل التكيف مع البيئة الأكاديمية ثنائية اللغة.

 

نموذج واعد

ومع استمرار تطور التعليم العالي، تقدم الجامعات ثنائية الجنسية نموذجًا واعدًا للتعاون عبر الحدود، حيث يجمع بين الإدارة الأكاديمية والابتكار البحثي والتبادل بين الثقافات. ومع ذلك، فإن نجاحها سيعتمد على التعامل مع هياكل الإدارة المعقدة، وتأمين التمويل المستدام، وتخفيف المخاطر الجيوسياسية. ومن خلال الإدارة الدقيقة والدعم القوي من الدول الشريكة، يمكن للجامعات ثنائية الجنسية أن تقود إنتاج المعرفة العالمية وتنمية القوى العاملة في القرن الحادي والعشرين.

 

تمثل الجامعات ثنائية الجنسية نهجا استراتيجيا للتعليم العالي الدولي، وتعزيز الابتكار الأكاديمي والتنمية الاقتصادية والعلاقات الدبلوماسية. ومع إدراك البلدان بشكل متزايد لقيمة التعليم العالي في تعزيز التعاون الدولي، فمن المرجح أن تستمر الجامعات ثنائية الجنسية في التوسع، لتلعب دورا حاسما في التصدي للتحديات العالمية.

 

هل الجامعات الثنائية الجنسية مناسبة للواقع السوري

تعدُّالجامعات ثنائية الجنسية خيارًا مناسبًا لسورية في المرحلة القادمة، مرحلة إعادة بناء سورية الجديدة التي تلي مرحلة رفع العقوبات، وذلك لعدة أسباب: أولاً، كون هذه الجامعات تؤمّن فرصًا تعليمية متميزة تجمع بين مناهج تعليمية متنوعة وأساليب تدريس مبتكرة من مختلف الثقافات، وهذا يعزز من جودة التعليم ويمنح الطلاب فرصة لاكتساب مهارات متعددة ويُغني معارفهم. ثانيًا، إن التعاون الأكاديمي والبحثي بين الدول يمكن أن يفتح آفاقًا جديدة للتطوير والابتكار، وهو ما تحتاجه سورية بشدة بعد رفع العقوبات عنها. وأخيرًا، تساهم هذه الجامعات في تعزيز التفاهم الثقافي والتبادل الفكري بين الطلاب من مختلف الجنسيات، مما يعزز روح التسامح ويُشيع حب التعايش السلمي في المجتمعات.

 

ويعدُّ النموذج الألماني في إنشاء جامعات ثنائية الجنسية، مثل الجامعة التركية الألمانية والجامعة الألمانية بالقاهرة والجامعة الفيتنامية الألمانية، مناسباً للواقع السوري لأسباب عديدة أهمها أن للجامعات السورية بشكلٍ عام ولجامعة دمشق بشكل خاص تجارب عديدة ناجحة في التعاون مع الجانب الألماني بدعم من هيئة التبادل الأكاديمي الألمانية (DAAD). فقد أوفدت الجامعات الحكومية السورية العديد من معيديها للتخصص في الجامعات الألمانية، وافتتحت جامعة دمشق أول قسم لتعليم اللغة الألمانية وآدابها في كلية الآداب. كما أحدثت بالشراكة مع جامعة ماربورغ الألمانية ماجستيراً مشتركاً في “الإصلاح الاقتصادي في المنطقة العربية”، وهو ماجستير موجه للطلاب العرب والسوريين والألمان على حد سواء. كما دعمت الحكومة الألمانية إحدث المعهد العالي لإدارة المياه الذي كان بمثابة حلم يتحقق بالنسبة للعاملين في مجال إدارة الموارد المائية في سورية.

ومع ذلك، لا بد من مراعاة التحديات الاقتصادية والبنية التحتية المتضررة في سورية، بالإضافة إلى الحاجة إلى استقطاب الكوادر الأكاديمية المؤهلة وتوفير الدعم المالي والتقني اللازم لإنجاح هذا النموذج.

( اخبار سوريا الوطن١-صفحة الدكتور وائل معلا)

x

‎قد يُعجبك أيضاً

وزارة الإعلام تفتح باب التسجيل للحصول على البطاقة الصحفية لعام 2025

أعلنت المديرية العامة للشؤون الصحفية والإعلامية بوزارة الإعلام فتح باب التسجيل للحصول على البطاقة الصحفية لعام 2025 وذلك حرصاً على تسهيل عمل الإعلاميين وتعزيز دورهم في ...