آخر الأخبار
الرئيسية » كتاب وآراء » أنا أميركا … أنا العالم

أنا أميركا … أنا العالم

 

 

نبيه البرجي

 

حين سئل الكاتب الياباني ياسوناري كاواباتا، الحائز نوبل في الآداب “في اعتقادك ماذا فعل الله ليلة هيروشيما”؟ أجاب “لقد اكتفى بالبكاء”!

 

حتى الأنبياء الذين قال أنطونيو غرامشي “لكأنهم بعثوا لكي يصنعوا الحروب”، لم ينطقوا بما نطق به دونالد ترامب في 20 كانون الثاني 2024 “لقد أنقذني الله من أجل أن أجعل من أميركا أمة عظيمة. أنا صانع سلام ووحدة”. لم يخطر في باله ما فعلته القنابل (والقاذفات) الأميركية في غزة ولبنان، وفي كوريا وفيتنام، وفي أفغانستان والعراق، بل في كل مكان من هذا الكوكب.رجل يريد أن يطبق بيديه، أو يخنق بيديه، ما تبقى من الكرة الأرضية …

أنا أميركا ، أنا العالم ، قد يقول يوماً “أنا القضاء والقدر”. ولـ ديورانت، صاحب “قصة الحضارة”  لاحظ أن الأمبراطوريات غالباً ما تنتهي بيد المجانين. أبدى تخوفه من أن يظهر ذات يوم، ذاك المجنون الذي يضع نهاية للبشرية.

باستطاعة المنتجات الأميركية أن تصل الى كل اسواق الدنيا، لكنه تعهد في خطاب القسم، بفرض تعرفة جمركية وضرائب على منتجات الدول الأجنبية. هكذا يخنق الصين ويخنق حلفاءه، لكي تتحول نمور جنوب شرق آسيا، وكما قالت احدى الصحف التايلندية، الى “قطط تبحث في الزوايا عما يسد رمقها”.

الرئيس الفرنسي ايمانويل ماكرون ترك لرئيس وزرائه فرنسوا بايرو القول “ان الولايات المتحدة قررت اتّباع سياسة الهيمنة على نحو لا يصدق من خلال الدولار، ومن خلال السياسة الصناعية، وبالاستيلاء على كل الأبحاث والاستثمارات”. أضاف “اذا لم نفعل شيئاً، فلسوف نخضع للهيمنة وللسحق وللتهميش.الأمر مناط بنا نحن الفرنسيين والأوروبيين، لاستعادة زمام الأمور”. من هنا تحذير الأميركي بول كروغمان (نوبل في الاقتصاد) من أن العصيان الأوروبي ان حدث “فقد نعيد أميركا الى الهنود الحمر”…

حين وضع آلان بيرفيت، وزير العدل في عهد شارل ديغول، كتابه “حين تستيقظ الصين يرتعد العالم” (1973 )، وقد سبقه الى هذا القول نابليون بونابرت، لم يكن يتصور أن ثمة رئيساً أميركياً سيتمثل القديس جاورجيوس وهو يغرز رمحه في جوف التنين.العالم يرتعد، التاريخ أيضاً، ليس من الصين وانما من أميركا .

 

“أميركا العظمى” على غرار “بريطانيا العظمى”، المصطلح الذي استخدم رسمياً عام 1474، وقبل أن تغدو بريطانيا أعظم أمبراطورية في التاريخ، ليكون الغروب الأخير على ضفاف السويس خريف 1956، حين أمر دوايت ايزنهاور، بطل النورماندي، رئيس الوزراء البريطاني أنتوني ايدن بسحب قواته من هناك ،عقب الحرب التي شنها مع فرنسا و”اسرائيل” ضد جمال عبد الناصر لتأميمه قناة السويس.

لكن أميركا أمبراطورية من نوع آخر. هي الوحيدة التي فرضت اسلوب حياة (Lifestyle)  في سائر أصقاع الأرض، ومن سروال الجينز الى الشبكة العنكبوتية، مروراً بشفتي مارلين مونرو، وساقي الليدي غاغا. ممّ تشكو ساقا جنيفر لوبيز التي كم من العرب يتمنى أن ترقص على ظهره؟

 

هي قهقهات الشيطان في وجوه الأباطرة، أم هو عواء الذئاب في رؤوس الأباطرة؟ العالم أمام المأزق.العرب أكثر، وهم الذين يعتمدون في قوتهم المالية ( ولم تتحول لا الى قوة سياسية  ولا الى قوة عسكرية ولا الى قوة صناعية) على النفط. دونالد ترامب قال  بلغة العصا، أو بلغة شايلوك في رائعة شكسبير “تاجر البندقية”، سنخفض أسعارالنفط، ونصدّر طاقتنا الى العالم”،  بعد اعطائه الأوامر باستخراج النفط الأحفوري .

مذا تعني اعادة العرب الى ما قبل النفط ؟ النفط الأميركي ضد النفط العربي.ما وضع “اسرائيل” في هذه الحال، وقد تعهد الرئيس الأميركي ليس فقط بتوسيعها لتأخذ مداها التوراتي، وانما أيضاً بفتح الفردوس المالي أمامها باستئناف دومينو التطبيع. أي دولة عربية أو غير عربية، باستطاعتها أن تقول “لا” في وجه الاله الأميركي؟

للمرة الأولى نشعر، والى هذا الحد التراجيدي، ألا مكان لنا في لعبة القرن، وهي لعبة القوة.أي دول وأي أنظمة  وأي شعوب، اذا لم تكن بحماية الاساطيل الأميركية ؟ العالم العربي عار، عار حتى العظم. لا حول ولا قوة…

هو الجبروت الأميركي. ذات يوم قال جورج سوروس، نجم وول ستريت، لرئيس الوزراء البريطاني جون مايجر “بحركة من اصبعي أدفع بالجنيه الاسترلينيى الى القاع”. اهتز تاج الملكة اليزابت وكاد يقع أرضاً.من هنا بدأت تطلق صيحات الاحتجاج، بعد صيحات الابتهاج في الكابيتول، داعية الى تشكيل كونسورتيوم دولي من أجل مواجهة الجنون الأميركي. لا نتصور أن أحداً سيتجرأ ويتوجه الى الحلبة. ثمة ثور وحيد هناك هو الثور الأميركي، وسيبقى. ولكن هل أن التاريخ غبي الى ذلك الحد، ليمضي صاغراً وراء وحيد القرن؟ لا نتصور…

 

ترامب قال “مهمة وحيدة أمام قواتنا المسلحة، وهي الحاق الهزيمة بأعداء أميركا”. لا أعداء لأميركا. الطريف أنه قدم نفسه الرجل الذي ينهي الحروب، في عالم يفترض أن يكون السوق الكبرى للأمبراطورية.

لا نتصور أن الآخرين سيقبلون أن يكونوا القطط، التي تبحث في الزوايا عما يسد الرمق.ثمة حرائق كثيرة تنتظر الرجل ، اشد هولاً من حرائق لوس أنجلس…

(أخبار سوريا الوطن ١-الديار)

x

‎قد يُعجبك أيضاً

هل تصريح وزيرة الخارجية الألمانية “أنالينا بيربوك” حول هضبة الجولان: تكتيك سياسي أم انتخابي؟

عصام هيطلاني  ـ في خطوة أثارت تساؤلات عديدة على الصعيدين الداخلي والدولي ، أدلت وزيرة الخارجية الألمانية ” أنالينا بيربوك ” بتصريحات لافتة غير مألوفة ...