آخر الأخبار
الرئيسية » ثقافة وفن » الوباء الابراهيمي يتفشّى في الإعلام اللبناني

الوباء الابراهيمي يتفشّى في الإعلام اللبناني

 

نزار نمر

 

تماشياً مع الأهواء السياسية السائدة حاليّاً، يتدرّج الإعلام في لبنان بتوجّهه إلى الفضاء الغربي، أو الأصحّ بتطرّفه في هذا التوجّه كونه دائماً ما شكّل بغالبيّته التقليدية والبديلة دكّانةً للغرب، ولا سيّما الولايات المتّحدة وأنظمة الخليج. الأسبوع الأخير يُنذر بأنّه «فلت الملقّ» باكراً، فسقطت كلّ الخطوط الحمر بما في ذلك التسويق العلني للتطبيع مع عدوّ لم ينسحب بعد وجرائمه مستمرّة على قدم وساق. لا يسع المتابع سوى استشراف الويل كلّ الويل من الانتخابات النيابية التي باتت قاب قوسَين أو أدنى من إجرائها

 

«هنا بيروت» تدعو إلى التطبيع!

 

 

ارتأى القائمون على «هنا بيروت» (Içi Beyrouth)، نشر مقال للسياسي الأميركي ديفيد هيل ذي الباع الطويل في التدخّل في الشؤون اللبنانية. لا بأس، فوسائل إعلام كثيرة تدأب على استضافة مسؤولين أميركيّين لتبرير أساليب إمبرياليّتهم الوحشية على شعوبنا. لكنّ الطامة كانت في كون المقال يدعو علناً إلى التطبيع مع العدوّ! هكذا، بكلّ برودة أعصاب، نشرت المنصّة الفتيّة بنسختها الإنكليزية (This Is Beirut) المقال على موقعها وصفحاتها الافتراضية تحت عنوان «حان الوقت للسلام الإسرائيلي–اللبناني»، مرفقةً إيّاه بصورة تُظهر العلمَين مع يدَين ممدودتَين فيما يتوسّطهما هيل.

 

سرعان ما لاقى المنشور غضباً واسعاً على منصّات التواصل، بدءاً من متابعي المنصّة نفسها الذين تابعوا الجرائم الإسرائيلية منذ «طوفان الأقصى» وصولاً حتّى العدوان على لبنان الذي لم يتوقّف بعد، وعلى صفحاتها قبل غيرها. وكان ردّ فعل كثر بوقف متابعة صفحات المنصّة، وعيّروها لدعوتها هذه فيما يتعرّض لبنانيّون يوميّاً للقتل على يد العدوّ الذي لا يزال يحتلّ قرى وبلدات، ويجرف بنى تحتية ويشعل بيوتاً. وأشار بعضهم إلى أنّ تصرّفات مماثلة تشرعن استمرار المقاومة وتظهر أحقّيتها في تحذيرها القديم منها الذي كان يُعدّ تهويلاً سببه «اختلاف سياسي». كما طالب كثر وزارة الإعلام والأجهزة المعنية بالتحرّك كون المقال مخالفةً صريحة للقوانين اللبنانية، ولكن كالعادة لا حياة لمَن تنادي.

 

«رصيف» في مستنقع الوعي المذهبي

 

«رصيف» إحدى المنصّات التي «فرّخت» بعد منتصف العقد الماضي مع جمعيّات الـNGOs المموّلة من الغرب، وهي الحال لدى المنصّة ذاتها أيضاً. تطغى لدى هؤلاء النزعة الليبرالية الفردانية، وما يرافقها من نظريّات نيوليبرالية واستشراقية ونفاق ليبرالي معتاد بمعاييره المزدوجة. كشفت هذه الصفحات التي غالباً ما تحمل أسماء متعلّقة بالبناء، بما فيها «رصيف»، عن وجهها الحقيقي في محطّات عدّة. غير أنّها سرعان ما «تنفد بريشها» عبر اعتماد الديماغوجية في الأحداث الكبيرة، فيطغى غالباً الطابع الإنساني الذي شهرها وعزّز انتشارها بدايةً.

 

هكذا، لا يعود ما نشرته هذه المنصّة قبل أيّام مفاجئاً، ولو أنّه لا يجب تركه ليصبح أمراً اعتياديّاً. فقد نشرت المنصّة مقال «رأي» لحسن عبّاس تحت عنوان «هل يعود شيعة لبنان عتّالين في ««بور» بيروت؟»، جمعت فيه، كما يمكن الاستدلال من العنوان، العنصرية والطائفية والطبقية كلّها في مقال واحد، بل عنوان واحد، ورمت «علمانيّتها» المزعومة في القمامة. ولئن أعاد كاتب المقال التعبير إلى أبناء الطائفة نفسها الذين يردّدونه كما كتب، إلّا أنّ باقي المضمون كفيل بإظهار التضليل. قبل أيّ شيء، استُخدمت فكرة «العتّال» كإهانة أو انتقاص من شأن الشخص، بغضّ النظر عمّن يقولها وعن سياقها التاريخي. كما يوحى بأنّ «الشيعة» هم مجموعة ناس متجانسين، لكنّهم مختلفون عن باقي اللبنانيّين، ليس لديهم أيّ مهارات أو شهادات أو خبرة، تمكنّوا فقط من الوصول إلى مناصب معيّنة بفضل «الاستقواء»، والآن سيعودون إلى «موقعهم الطبيعي» في «البور». وهو ما يشير إليه الكاتب بوضوح بادّعائه أنّ «حزب الله» فرض سيطرته على غالبية أبناء الطائفة الشيعية لإبقائهم قلقين وغير مقتنعين بتحوّلهم إلى «ناس عاديّين مثلهم مثل باقي الطوائف».

 

أمّا الآن وقد «هُزم عسكريّاً»، فقد عادوا إلى «موقعهم الطبيعي في دولة ديموقراطية توافقية». الأهمّ أنّ الكاتب برّأ «حركة أمل» من كلّ شيء، فيما أفرغ كلّ ما في جعبته من تهم على «حزب الله»، متّهماً إيّاه بالسيطرة على الدولة منذ عام 2008 وبتخويف الطائفة من الآخرين، ومدّعياً أنّ الشيعة لم ينالوا شيئاً من هذه «الهيمنة» غير «الصيت»، رغم ادّعائه أنّ «مناطقهم» حصلت على الإنماء أكثر من غيرها. فوق ذلك، يتجاهل المقال تشابك المجتمع اللبناني بعضه ببعض، بل إنّ غالبية المؤسّسات على اختلافها تضمّ لبنانيّين من مختلف الطوائف، كما أنّ في كلّ طائفة آراء سياسية متعدّدة. من منظور يعتبره «سخرية القدر»، يسرد قصّة عتّال قضى في انفجار مرفأ بيروت، متّهماً الحزب بتعطيل التحقيق كما اتّهمه بتعطيل انتخابات رئاسة الجمهورية لسنتَين.

 

لذا، تعرّض المقال للهجوم والتعليقات الناقدة بسبب محاولة عزل طائفة بمنطق رجعي، مع ادّعاء العكس بطريقة منافقة فيما الكاتب يدرك مدى شعبية المقاومة لدى الطائفة التي يدّعي أنّها لا تسير بقراراتها الخاصّة، بل تسيَّر. والمفارقة أنّ المعلّقين بحدّ ذاتهم نقضوا كلّ ما ورد كونهم كانوا من كلّ الطوائف والخلفيّات. «قد لا توافق على كلّ كلمة ننشرها». هكذا يقول القائمون على الموقع، معتبرينه «صوت الشعوب المضطهدة»، ومدّعين عدم خوفهم من كشف الحقيقة ولا اتّباعهم أجندات. كلمات ممجوجة نسمعها من كلّ منصّة ووسيلة إعلامية مثلما نسمع كلمة «استقصاء» التي باتت تُلصق بالمنصّات المدعومة أميركيّاً. بالطبع، يمكن لشخص ما أن ينشر رأيه في خانة «رأي»، لكن شتّان بين رأي حول الشعوب المضطهدة وآخر يعلك بروباغندا غربية تنمّط مجتمعاً وتتّهمه بالسير وراء قوّة مسيطرة فقط لأنّه تجرّأ وقاوم الاضطهاد بالقوّة!

 

«نداء الوطن» يملؤها الحبور بمجيء ترامب

 

 

لا يمكن لهذه اللائحة أن تكتمل من دون بصمة آل المرّ. المعروف أنّ صحيفة «نداء الوطن» اشتراها ميشال غبريال المرّ وأعاد إصدارها بهدف واضح، إلى جانب توسيع إمبراطوريّته الإعلامية، وهو توسعة الجبهة الغربية في لبنان وتزخيم الحملة على المقاومة وكلّ مَن يتجرّأ على معارضة الاستعمار، تحت شعار «تَـتعرف الصحّ من الغلط».

منذ إعادة إصدارها خلال الحرب الصهيونية على لبنان، دأبت الصحيفة على التطرّف في عدائها للمقاومة مقابل انبهارها بقيادات دول غربية وخليجية وحتّى الكيان الصهيوني، وصولاً إلى الركوع. هكذا، فإنّ غلافها قبل أيّام أتى تتويجاً لهذه الجهود. مع تسلّم دونالد ترامب زمام الرئاسة الأميركية، وضعت الصحيفة «بورتريهاً» له على غلافها وهو يعبس، مع عنوان «الغضب الساطع آتٍ».

 

ترويج للتطبيع

مع إسرائيل…

واحتفاء بالإمبراطورية التي ذبحتنا

 

أثار الغلاف الانتقادات، إذ إنّه قبل أيّ شيء يكيل المديح لرئيس دولة خارجية، فكيف إذا كانت الولايات المتّحدة ذات السياسات المدمّرة في المنطقة والبلد وليس آخرها الحرب الصهيونية بأسلحة أميركية، وكيف إذا كان ترامب الذي فعل ما فعل في المنطقة في عهده السابق كما فعل في بلاده، وينوي توسيع الاتّفاقات الإبراهيمية؟ هذا عدا عن الاستقواء بالخارج، ولا سيّما بالامبراطورية، بوجه خصوم في الداخل هم أساساً لبنانيّون، من قبل وسيلة إعلامية يُفترض أنّها لا تتصرّف كأنّها حزب سياسي.

 

LBCI تتغنّى بالاقتصاد الإسرائيلي!

 

في نشرة أخبارها المسائية الأحد الماضي، بثّت LBCI تقريراً ركيكاً حول الملفّ الاقتصادي في لبنان، تحت عنوان «نموّ الناتج المحلي الإجمالي في لبنان ضرورة للإصلاح الاقتصادي». استضاف التقرير الباحثة الاقتصادية نيكول بايكر، وأخذ بكلامها كما هو رغم كونه مشكوكاً في أمره. في معرض محاججتها بأنّ لبنان يتمتّع بالقدرات البشرية الكافية، أطلعت الضيفة المشاهدين عن كونها قرأت «بالزمانات» أنّ «الناتج الفردي في لبنان أعلى من ذاك في بريطانيا»، من دون أيّ إشارة إلى المصدر أو التاريخ أو تفصيل صغير. وأكملت بأنّ «في إسرائيل ركّزوا على التكنولوجيا والابتكار»، متجاهلةً أنّ الكيان العبري يحصل على الدعم والاستثمار من دون سقف من الولايات المتّحدة وسائر الدول الغربية، ويستورد اليد العاملة الرخيصة ويستغلّ العمّال من غير البيض.

 

وفي معرض جواب لها عن النموّ، اعتبرت بخلاف أيّ منطق اقتصادي أنّ «الثقة برئيس قويّ ومؤسّسات فاعلة ودولة القانون» كفيلة باستعادة النموّ و«لبنان ما بدّه أكتر من 6 أشهر»! يبدو أنّ التعويل على إغراق لبنان بالأموال والديون من الخارج لتحقيق نموّ فقاعة في استعادة لما مضى، وإلّا كيف يمكن لبلد أن يتعافى في غضون ستّة أشهر، إلّا إذا كان ينوي أن يحذو حذو آيسلندا بترك المصارف تفلس، وهو أمر لا يمكن استبعاده في بلد أكثر من لبنان؟ هنا، تقرأ معدّة التقرير أنّ «لبنان قادر يحقّق نموّ مثله مثل إسرائيل وأحسن إذا النيّة موجودة»، لتُعيد بايكر وتضيف أنّ «إسرائيل تحقّق نموّاً والتضخّم لديها لا يتخطّى 4% بينما في لبنان يتخطّى 220%، من ورا المؤسّسات». اختزلت الضيفة الشقّ الاقتصادي بوجود مؤسّسات، وتجاهلت مجدّداً الدعم اللامحدود الذي يحظى به كيان الاحتلال، في مقابل الإضعاف المقصود والممنهج لكلّ الدول المحيطة من فلسطين إلى لبنان وسوريا والأردن ومصر والسودان والعراق والصومال، وتركيب أنظمة اقتصادية مديونة للغرب وتخضع تالياً لشروطه. وفوق ذلك، هناك تجاهل لكلّ الأضرار التي وقعت على اقتصاد الكيان منذ «طوفان الأقصى»، وكانت أصلاً تظهر بوادر الأزمة قبل ذلك، إضافة إلى تأثير المساعدات الخارجية خلال الحرب مقابل الانكماش بسبب إغلاق مؤسّسات كثيرة، ولا سيّما في شمالي فلسطين المحتلّة حيث ضربات المقاومة اللبنانية. لكن لا بأس، فلبّ ممّا يراد من التقرير قُرئ من إحدى جمله: «لبنان مثله مثل إسرائيل»!

 

 

 

 

أخبار سورية الوطن١ الأخبار

x

‎قد يُعجبك أيضاً

د.سارة حواس تُقدِّم في كتابها الجديد عشرين شاعرا أمريكيا حازوا على جائزة بوليتز

صدر عن بيت الحكمة للثقافة كتابٌ جديد للدكتورة سارة حامد حوَّاس مدرس اللغويات التطبيقية بقسم اللغة الإنجليزية بكلية الآداب جامعة القاهرة عنوانه ” ولاؤهم للروح ...