آخر الأخبار
الرئيسية » كتاب وآراء » جيوبوليتيكا التوراة

جيوبوليتيكا التوراة

 

 

نبيه البرجي

 

منذ عقود تحدث ادوار سعيد عن “جيوبوليتيكا التوراة”، وحيث الرؤية ـ أو الرؤيا ـ الخاصة باعادة تركيب الشرق الأوسط ليكون عبارة عن شظايا قبلية، واثنية، وطائفية. ثمة لاعب واحد، وملك واحد. ذاك الذي يؤول اليه عرش داود.

 

المفكر الفلسطيني لاحظ أن الاسرائيليين كثيراً ما يخططون كما لو أن لا وجود لأي قوة أخرى في المنطقة. ليس المقصود بالقوة الأخرى العرب. هم أخذوا بنظرة برنارد لويس الذي لم ير في العرب سوى كثبان بشرية، على غرار الكثبان الرملية، وتذروها الأزمنة. الفظاظة بلغت به حد القول “انهم لا يملكون حتى رؤوس الابل”!

هكذا يفكر ايتامار بن غفير، وبسلئيل سموتريتش، وآرييه درعي، وأفيغدور ليبرمان. بنيامين نتنياهو الأكثر خبرة، والأكثر حنكة، من كل هؤلاء. مثلما كان لاعباً بارعاً على الشاشة الأميركية هو لاعب بارع على الساحة الاسرائيلية. لكن جنون العظمة (ولا ننسى صراع البقاء) جعله يعتقد أنه يقود حتى الأمبراطورية الأميركية. أحياناً بالعصا…

توماس فريدمان وصفه بـ”الرجل الأكثر بشاعة في التاريخ اليهودي”، كونه يجمع بين الغباء الاستراتيجي والعمى الاستراتيجي، حين لا يدرك حساسية وجود اليهود في منطقة قد تكون آمنة، في لحظة ما من التاريخ، ليسأل “متى توقفت الزلازل في المنطقة منذ أن هبط آدم من السماء وحتى اليوم؟”.

نتنياهو يدرك تماماً ما هو الأردن، لماذا وجد، وما دوره. بينه وبين مصر شبه جزيرة سيناء. ثم أن المصريين، وبعد تجاربهم الباهظة التكلفة، لم يعودوا يكترثون لما يحدث حولهم، لتبقى مشكلة اسرائيل ـ المشكلة التوراتية ـ مع “ذئاب الشمال”. هؤلاء الذي “ينبغي تحطيمهم كلما كبرت أنيابهم”. هكذا أوصى الجنرال رافاييل ايتان الذي دعا الى حروب دورية “كيلا نفاجأ ذات ليل بأنهم باتوا في عقر دارنا”.

خطة الرجل تفجير، أو تفكيك، لبنان الذي لا يرى فيه أكثر من دولة هجينة، ولا تملك بسبب تكوينها الفسيفسائي الهش، وبسبب أزماتها البنيوة المتلاحقة، امكانات البقاء. واذا كان هنري كيسنجر قد وصف لبنان بـ”الفائض الجغرافي”، فقد رأى فيه آرييل شارون “االخطأ التاريخي”. لهذا وصل بدباباته الى القصر الجمهوري، واختار من يكون رئيس الجمهورية، قبل أن يفاجأ بما وصفه يهوشوا ساغي، رئيس الاستخبارات العسكرية، بـ”انبعاث الروح اللبنانية”، ما حمل رئيس الحكومة ايهود باراك على “الخروج من جهنم”…

من البداية قلنا ان لبنان غير غزة، وكانت هاجس دافيد بن غوريون، كقنبلة ديموغرافية في الخاصرة. أمنيته كانت أن يستيقظ، ذات يوم، ليقال له ان غزة زالت من الوجود. دونالد ترامب يريد للبنان أن يكون جزءًا من “الحالة الأميركية” في الشرق الأوسط. أوقف الحرب عند حدود معينة. ولهذا أصر على انسحاب اسرائيل، من المناطق اللبناية المحتلة، دون ان ياخذ بالحجج العسكرية التي حملها رون دريمر، وزير الشؤون الاستراتيجية، الى واشنطن، قبل أن يقبل، بسبب مشكلة عودة سكان الجليل، بالبقاء الجزئي والموقت.

لبنان حالة أميركية أم جزء من الحالة الأميركية؟ في هذه الأجواء يمضي نواف سلام في محاولته تشكيل الحكومة. العيون الحمراء على حقيبة المال، بالخزينة الفارغة. القصة في “التوقيع الرابع”. شخصيات مخضرمة في الطائفة الشيعية تقول ان الكثيرين ينظرون الى الطائفة كما لو أنها حالة طارئة، أو حتى دخيلة، على خارطة المعادلات. هذا ما زاد في حساسية الأزمة التاريخية للشيعة التي لا سقف يحميهم منذ القرن التاسع عشر، وحتى قبل ذلك بقرون، وقد واجهوا بالأهوال من كل الممالك التي غزت لبنان.

اعتقاد بألاّ وجود للطائفة في الميثاق الوطني، باعتبارها طائفة تابعة لطائفة أخرى، ولا وجود لها في وثيقة الطائف، حتى أن الأرض التي تقيم عليها لم تتعرض للاهمال فقط، بل أنها وضعت بتصرف ياسر عرفات قبل أن تغدو بتصرف آرييل شارون. هكذا يفكر من يقودون الطائفة الآن. التوقيع الرابع على المراسيم (اضافة الى تواقيع رئيس الجمهورية ورئيس الحكومة والوزير المختص) هو المنفذ الوحيد لوجود فاعل داخل السلطة التنفيذية، خصوصاً في هذا الوقت بالذات، وحيث ينظر اليها كطائفة مهزومة، ومحطمة، بعدما حرب أدت الى سقوط الآلاف، زادت في حدة الأزمات السياسية، والاقتصادية، والمالية، التي تعيشها البلاد.

لا وجود لأي صوت يشير الى الطرف الاخر في الحرب، “لكأننا كنا نقاتل الملائكة لا ذلك النوع من البرابرة الذين لا نظير لهم على امتداد الأزمنة. وحتى حين يحكى عن الفساد في وزارة المالية، وهو فساد قديم تحدث عنه من تولوا الحقيبة من أصحاب الأيدي النظيفة، مثل الياس سابا وجورج قرم، دون أن نذكر وزراء من طوائف أخرى هم أساتذة في الفساد وفي نهب المال العام، وفي تضليل الرأي العام”.

ولكن حين يكون هناك رئيس جمهورية كمثال لنظافة الكف، ورئيس للحكومة من “النوع” نفسه. كيف يتجرأ أي وزير، وسواء كان وراءه أسطول من الموتوسيكلات، أو أسطول من البوارج، أن يلطخ حتى رؤوس أصابعه؟ ما رأيكم…؟!

 

(أخبار سوريا الوطن ١-الديار)

x

‎قد يُعجبك أيضاً

أنصاف بشر… أنصاف أميركيين

    نبيه البرجي     أخيراً لنعترف بأن طريق الجلجلة انتهى بتعليقنا على الخشبة. هل هي لعبة التاريخ، وقد احتفى بموتنا؟ أم هي لعبة ...