الرئيسية » ثقافة وفن » «السوبرمان» دونالد ترامب «يبيّض» وجه أميركا

«السوبرمان» دونالد ترامب «يبيّض» وجه أميركا

 

بول مخلوف

 

 

ستكون البشرية جمعاء قريباً على موعدٍ مع «تلفزيون الترحيل»؛ وهو مسلسل أميركي جديد شبيه بتلفزيون الواقع، من إعداد وإخراج رئيس الولايات الأميركية المتحدة دونالد ترامب. بعد بدئه بتنفيذ «سياسة الهجرة» التي تقوم على طرد المهاجرين «غير الشرعيين»، وإعادتهم من حيث أتوا، أي إلى بلادهم التي حرثتها أميركا وسرقت ثرواتها، سيعمد دونالد ترامب إلى تحويل مشاهد الطرد والترحيل إلى مسلسلٍ يُعرض على وسائل التواصل الاجتماعي وعلى وسائل الإعلام الأميركية المؤيدة له.

 

دونالد ترامب الذي كان لاجئاً في ما مضى، شرع منذ الأسبوع الماضي في تنفيذ وعده «الأبيض» الذي دائماً ما كان أمنية أميركية عريقة. في أقلّ من أسبوع، طرد نحو 200 مهاجر كولومبي، وحوالى 100 مهاجر برازيليّ، جميعهم مكبّلون بالأصفاد والسلاسل، وعيونهم معصوبة… المشهد بأسره ينّم عن رغبة دفينةٍ في الانتقام.

 

الخطوة القادمة لدونالد ترامب تروم جعل هذا المشهد أمراً اعتيادياً ومألوفاً: أن ننظر إلى مجموعة من الأشخاص يتعرضون للإهانة، وفي تجريد كامل لإنسانيتهم كأنّنا ننظر إلى حيوان يُقاد إلى المسلخ من دون أي شفقة. بعض منظمات حقوق الإنسان استنكرت هذا التعامل الجلف من قبل ترامب، كما دعت الأمم المتحدة أميركا إلى التقيّد بالتزامها في مجال حقوق الإنسان أثناء تنفيذها سياسات الهجرة. لكن ترامب هو ترامب. والترامبية هي الأيديولوجيا الأكثر تكثيفاً للمتحضّر مقابل الهمجي. الأول يعني الأميركيّ ومن ينتمي إلى شجرة العائلة الليبرالية، أما الثاني، فهو المهاجر والمكروه أميركياً؛ هؤلاء ينتمون إلى ما يسمّيه جورجيو أغامبين بـ«حالة الاستثناء»، فالهمجي في مرتبة الحيوان والجماد وبالتالي، فهو شأن عرضي وخسارة مجانية، وموته (أو قتله) لا يسبب الضجيج ولن يثير الحزن.

 

الترامبية هي الأيديولوجيا

الأكثر تكثيفاً للمتحضّر

في مقابل الهمجي

 

سيدجّن «تلفزيون الترحيل» إذاً العين على ما يعدّ مشاهد حساسة، على ما ينفر منه النظر لأن المحتوى المرئيّ حادّ، وصلف يجرح الكبرياء الإنسانيّ. المشاهد التي نعتبرها مأساوية كالرؤوس المنحنية التي يتجهز أصحابها للرحيل، لن تعود مأساوية، بل ستختزن دلالات «أميركا العظيمة»، كالصرامة والصلابة وكل ما هو خشن. صورة العيون المعصوبة، تلك المغطاة بمنديل، ليست مشهداً مذلاً إنما استعارة بديعة عن القوة: إنه غير مرحب بهم، أميركا لا تريدهم، فليبعدوا أنظارهم عنها وليكونوا عبرةً لأمثالهم الذين يفكرون في المجيء إلى هنا. سيتحوّل الموضوع الدراميّ ـــ وللدراما علاقة وطيدة مع الشأن الإنسانيّ ـــ إلى استعراض فحولي. في «تلفزيون الترحيل»، يثبت العصر الحديث مرة جديدة أنّ السمة الأساسية التي يكتوي عليها لهي السحق. صُنّفت الدراما مع أرسطو على أنها فعل تطهيري، تهذّب النفس وتزيل العواطف الزائدة وتصلحها، وقد غدت مع ترامب ممارسة عنيفة تشحذ الجحد المكبوت عند المتلقي، وينحدر الإنسان معها إلى الأسوأ.

 

سيدع ترامب جنوده يلقون القبض على المهاجرين ويطردونهم بعيداً. ومن ناحيته سيكتفي بدور البطولة. في مجتمع الاستعراض، «الصور تتوسط العلاقات الاجتماعية»، كما أخبرنا غي ديبور. إنّ رؤية مهاجر مطرود يُنظر إليه بوصفه وحشاً، ويتم التعامل معه بأسلوبٍ عقابيّ متوحّش، يمّد دونالد ترامب بالقوّة اللازمة؛ هو البطل المأمول، القوي والصارم، الذي يحقق وعوده وينتصر على «أزمة المهاجرين».

 

سيبث «تلفزيون الترحيل» مشاهد مهاجرين وهم ينالون العقاب الذي يستحقونه. في المشهد المعروض، أميركا تريدنا أن نرى انتصاراً مزلزلاً على من هم غير شرعيين، المخرّبين الأشرار، ولا تريدنا أن نكنّ لهؤلاء أي حزن أو تعاطف. إنهم لا يستأهلون سوى الاحتقار، وعلينا الانتفاخ مثل الأبطال عندما نشمّ رائحة الإذلال والازدراء التي تفوح من الشاشة. علينا استمداد القوّة من مشهد العقاب الذي نراقبه. القانون يسود في أميركا، وترامب لا يدع «الاستثناء» يطوف. قد نرى في المشهد أمامنا جبلاً أو طريقاً أو قطعة من السماء، ولكن هؤلاء المغطاة عيونهم، فممنوعون من رؤيتها. نرى ما يعجزون عن رؤيته لكي نشعر كم أنّ أميركا عظيمة وكم أنّ الدخول إليها صعب وكم أنتِ ثمينة يا أميركا. «تلفزيون الترحيل» هو قتل التعاطف، سحق شعور الارتعاد على إثر مشاهدة إنسان يتمرمغ، وتأصيل لنزعة «سوبرمان» عوضاً عن ذلك. هكذا تصنع الوحوش.

ليست هذه المازوشية سوى تمرين على التكيّف مع الترامبية: هناك أميركيّ لا يسيطر على حدوده فحسب إنما يسيطر على العالم، هو ليس بشرطي سيرٍ بل بوليس يحرس القانون وكل ما يتعلق بسيادة الإنسان المتحضر: الأميركيّ الليبرالي. هذه المازوشية التي يروَّج لها، لهي تمهيد للمجازر القادمة بحقّ كل من يقف على الجهة النقيضة من أميركا. لا شيء أساساً يمنع من توصيف هذا العصر بـ«عصر الإبادة» كأن نقول: النهضة، الأنوار، الحداثة، ثم عصر الإبادة؛ وليس مسلسل «تلفزيون الترحيل» إلى جانب فيديوهات فلسطين ولبنان وأفريقيا والسودان، سوى تسجيل ليوميات هذا العصر.

 

 

 

 

أخبار سوريا الوطن ١_الأخبار

x

‎قد يُعجبك أيضاً

محمد عبده: لا أفكر في الاعتزال وأتطلع للمزيد من الحفلات الطربية

أكد النجم الكبير محمد عبده، المعروف بلقب “فنان العرب”، أنه لا يعتزم اعتزال الغناء، مشيراً إلى أنه لا يستطيع تحمل فكرة اتخاذ هذا القرار. جاء ...