د.سام دله
في البداية كان بشار الأسد يرفض أي تعديل للدستور رغم أنه صرح في أكثر من خطاب عن ذلك، ورغم المذكرات التي كنت أساهم في كتابتها مع أستاذي الكبير الدكتور عبود السراج أطال الله في عمره.
– في بداية حزيران 2011 قبل مبدئياً بالفكرة، بعد اجتماع مع أستاذ وعميد كلية قانون بريطاني معروف Jeffrey Jowell أرسله لدمشق فواز الأخرس (كان ممن حضر الاجتماع إضافةً لي وللدكتور عبود السراج: بثينة شعبان، د. سامي مبيض، وحضر “سليم جريصاتي” الذي أصبح وزيراً في لبنان/لأن بشار لم يكن يثق بنا كسوريين).
– وفي هذه الأثناء طلب مني بشار أسماء أساتذة القانون الدستوري الكبار في الجامعات السورية لتشكيل لجنة لإعداد الدستور، وكان معظمهم شباب وعددهم لا يتجاوز عدد أصابع اليد الواحدة، وشرحت له ليس بالضرورة أن يكونوا من المختصين في الشأن الدستوري فهناك أساتذة أجلاء وذكرت منهم أساتذتي المرحوم الأستاذ الدكتور محمد عزيزي شكري (قانون دولي عام)، والأستاذ الدكتور عبود السراج (قانون جزائي) والأستاذ الدكتور فؤاد ديب (قانون دولي خاص) أطال الله بعمريهما، وإن وجود هذه الأسماء يعطي للجنة مصداقية وثقة بالنظر لقيمتهم الأخلاقية والوطنية إضافة لكونهم علماء مشهود لهم.
– حصل نقاش على العدد، فقلت له يكفي لجنة من 7 إلى 9 وفي أحسن الأحوال 11 نظراً لكون اللجنة تقنية وليس هيئة تمثيلية منتخبة ليكون عددها واسع، فقال 13 رقم جيد مع “قهقههههة” بلهاء كعادته.
– طبعاً بعد أشهر (في منتصف أكتوبر) تشكلت لجنة من 29 عضواً، وكانت مفاجئة لي لأنها كانت تضم أشخاص من غير ذوي الخبرة لكيلا أقول أكثر.
– لم تجتمع اللجنة ولم تدع للاجتماع الأول حتى نهاية نوفمبر، وكنت مع الدكتور عبود السراج نكتب المذكرات حول ضرورة وضع لائحة إجراءات لعمل اللجنة تبين كيفية تدوين محاضرها والصياغة والتصويت…الخ، واقترحنا عليه أن تنقل نقاشاتها على الهواء مباشرة لإعطاء مصداقية وجدية وتحصل على ثقة الناس في الشارع.
– طبعاً رفض كل ذلك لأنه يريد اللجنة شكلية ليقول “هي عدلت الدستور”.
– تم اختياري كمتحدث رسمي باسم اللجنة، وكنت أقوم فعلياً بتسيير أعمالها، وكنت من أدون وأصيغ نتاج عمل اللجنة (وفي هذا الأمر هناك كلام كثير سأرويه لاحقاً يبين مدى استخفاف التعاطي مع قضية وطنية في ظرف استثنائي). بعجالة يمكنني القول إن تلك الفترة كانت أسوء أيام عشتها في حياتي.
– بعد الانتهاء من كتابة الدستور، كان لدي شعور بالألم والغضب لعجزي عن تحقيق ما كان يجب، فجلست يوماً كاملاً مع أستاذي الدكتور عبود السراح، وأعددنا مذكرة حول مشروع الدستور لنسلمها لبشار الأسد يوم تسليمه المسودة تبين موقفنا من المسودة.
– بالطبع المذكرة كتبت بحذر لأننا نعرف تفكير بشار، كنا نكتبها على حد السيف كما يُقال كي لا نستفزه، حيث كنا ندرك المخاطر التي تحيق بنا.
– ولذلك من المنصف أن يدرك أي قارئ لسياقها الهوامش الضيقة التي كانت أمامنا، وحدود المخاطر التي كنا وعائلتينا قد نتعرض لها.
– أرفق للرأي العام المذكرة التقنية (كما هي بنفس التنسيق) والتي بدأناها بالمقدمة الآتية:
“لا شك أن مشروع الدستور الجديد يتضمن أحكاماً جديدة وأكثر تقدماً بالقياس مع أحكام الدستور النافذ ولاسيما إلغاء المادة 8، بيد أن هذا المشروع أهمل العديد من الأحكام التي نجدها في معظم دساتير الدول العربية الملكية منها (الكويت، الأردن، المغرب) والجمهورية (مصر، تونس، اليمن، موريتانيا، الجزائر)، وكذلك في معظم دساتير دول العالم، وبالتالي نعتقد أن مشروع الدستور جاء بأحكام دون معايير الحد الأدنى لما هو متعارف عليه لدى المختصين في الحقل الدستوري، ولما هو موجود في دساتير معظم دول العالم”.
– لقد استأذنت أستاذي الدكتور عبود السراج قبل نشر المذكرة، والذي وافق على ذلك، حيث كتب لي الآتي:
“شكراً إلك عزيزي الغالي دكتور سام …
أنا موافق على نشر المذكرة التي سلمناها بيدي لبشار الأسد، والمؤلفة من حوالي 10 صفحات، والمتضمنة ملاحظاتنا نحن الإثنين على عدد من المواد في دستور 2012، والتي لم يستجب لها بشار الأسد والذين يلتفون حوله في ذلك الحين من الذين شاركونا في صياغة الدستور آنذاك… عبود السَرَّاج”.
(أخبار سوريا الوطن ١-صفحة الكاتب)