يوحي سيل التصريحات الرسمية السورية، أو تلك الصادرة عن «قسد»، بأنّ الطرفين دخلا في استراحة ما بين شوطَي الحوارات بينهما، بعد لقاء أوّل جرى قبل نحو شهر، وسط تقديرات بانتظار الطرفين لموقف الإدارة الأميركية من الملف السوري عموماً، ورؤية واشنطن للتطورات السياسية في هذا البلد، ومستقبل وجودها العسكري فيه خصوصاً. وممّا يعزز ذلك الترقب، أن وجود القوات الأميركية في سوريا مرتبط في جانب منه بآليّة معالجة ملفّ سجون «داعش» ومخيّماته، والذي سيحدّد مصيره إلى حدّ كبير مصير “قسد”، ومستوى التنازلات التي قد تقدّمها لدمشق، لتجنّب عمل عسكري واسع ضدها.
وفي الوقت نفسه، تبدو أنقرة بدورها في حالة ترقّب، في انتظار إشارات أميركية، في حين تعمل داخلياً على تحقيق تسوية مع زعيم «حزب العمال الكردستاني»، عبد الله أوجلان، تتعلّق بحلول شاملة لملف الحزب في كل من تركيا والعراق وسوريا. ومن المتوقع أن يوجّه أوجلان، في الخامس عشر من الجاري، كلمة إلى قيادة الحزب وأنصاره، يدعو فيها إلى التوجّه نحو الحلول الدبلوماسية مع أنقرة، لإنهاء صراع مستمرّ منذ عقود. ولذلك، لا تبدو كل من الإدارة السورية وتركيا في عجلة من أمرهما لاتخاذ إجراءات تجاه ملف «قسد»، على رغم أهمّيته لدمشق في إطار جهودها لاستعادة وحدة البلاد الجغرافية، والسيطرة على مناطق غنية بالثروات الزراعية والمائية والنفطية. وكانت قد برزت مؤشّرات السعي التركي للتسوية مع الأكراد، من خلال إعلان «حزب المساواة والديموقراطية للشعوب» التركي، وهو حزب مؤيّد للأكراد، قرب إعلان «حزب العمال الكردستاني» رؤيته لحلّ الملف الكردي في تركيا. وقال الرئيس المشارك لـ«المساواة والديموقراطية» تونجر باكيرهان، خلال اجتماع لنوّاب الحزب في البرلمان، إن «أوجلان يستعدّ لإطلاق دعوة تاريخية في الأيام المقبلة من أجل حلّ دائم للقضية الكردية»، مضيفاً: «نحن مستعدّون لحلّ دائم وجذري، ونولي أهمية لهذه الدعوة ونؤيدها».
وعلى الضفة السورية، سادت أجواء إيجابية بين «قسد» ودمشق، بعد تصريحات وُصفت بالإيجابية لرئيس المرحلة الانتقالية، أحمد الشرع، حول «قسد»، شدّد فيها على تغليب الحلول السياسية على الخيار العسكري. وقال الشرع، في تصريحات إلى «تلفزيون سوريا»، إن «قسد مستعدّة لحصر السلاح بيد الدولة، وهناك خلافات على بعض الجزئيات يجري حلّها»، مجدّداً رفضه «أي مساعٍ لتقسيم سوريا أو انفصال أيّ جزء منها». كما أكّد أن «الدول الداعمة لقسد متوافقة على وحدة الدولة السورية، وضبط السلاح بيدها».
أعلن الشرع استعداد «قسد» للانضمام إلى الدولة، لكن لا تزال هناك مناقشات حول التفاصيل
وفي حديث آخر إلى مجلة «إيكونوميست»، رأى الشرع أن «النظام الفيدرالي لا يحظى بقبول شعبي في سوريا»، معتبراً أن هذا النظام «ليس من مصلحة البلاد مستقبلاً، لأن مجتمعاتنا ليست معتادة على ممارسة الفيدرالية، وبالتالي قد يتّجه الرأي العام نحو الاستقلال الكامل تحت هذا المسمى». وأضاف أن «المناطق ذات الأغلبية العربية والخاضعة لسيطرة قسد، لا توافق على حكم قسد لها». كما أشار إلى أن «لدى تركيا مخاوف كبيرة من وجود حزب العمال الكردستاني شمال شرق سوريا»، كاشفاً أن أنقرة «كانت تستعدّ لشن حرب شاملة هناك، لكنّنا طلبنا منها التريّث لإعطاء فرصة للمفاوضات». ولفت إلى أن «هناك ضغوطاً من المكوّن العربي في تلك المنطقة، حيث يطالبون بعودتها إلى سلطة الدولة»، مجدداً تأكيده أن «قسد أعلنت استعدادها للانضمام إلى الدولة، ودمج قواتها العسكرية في الجيش، لكن لا تزال هناك مناقشات حول التفاصيل»، مشدداً على «الحاجة إلى مزيد من الوقت للوصول إلى اتفاق نهائي». من جهته، أكد «مجلس سوريا الديموقراطية»، الذراع السياسية لـ«قسد»، في تصريحات إعلامية، أنه «يثق بالتوصّل إلى تفاهمات مع دمشق»، مطالباً بـ«وقف القتال قبل الحديث عن تسليم السلاح». كما وصف تصريحات الشرع بـ«الإيجابية»، وبأنها تدلّ على «عدم تبعية»، مؤكداً أن «عوامل الثقة بالشرع في ازدياد».
أما ميدانياً، فتواصلت الاحتجاجات الشعبية بعد التفجير الذي استهدف مدخل مدينة منبج في ريف حلب الشمالي الشرقي، والذي أدّى إلى مقتل عشرين شخصاً، معظمهم من النساء. كما خرجت تظاهرات في مدينة حلب طالبت الإدارة السورية الجديدة بضبط الأمن في المدينة، فيما نفّذ أهالي منبج إضراباً عاماً احتجاجاً على الفلتان الأمني، وذلك إثر انفجار سبع سيارات ودراجات نارية مفخّخة، وارتفاع حالات الخطف والنهب والسرقة، بعد خمسين يوماً من سيطرة فصائل «الجيش الوطني» على المدينة. وفي هذا السياق، تتزايد الدعوات الموجّهة إلى الحكومة السورية لتولّي مهامّ إدارة المدينة، في ظلّ استمرار حالة عدم الاستقرار الأمني فيها.
أخبار سوريا الوطن١_الاخبار