مصطفى أمين
لا بد من الاتفاق على أمرٍ ما؛ وهو أن مسعى كل السوريين، بكل أطيافهم، قبل الثورة السورية وأثناءها وبعدها، يتمثل في إرادة الحرية ورفض أي شكل من أشكال الاستبداد والطغيان والتطرف. لن يقبل السوريون بأي جدلٍ جديد حول مستبد أو طاغية آخر. لذا، فإن هذا المقال يهدف إلى طرح تساؤلٍ والإجابة عليه: هل أحمد الشرع إسلامي أم علماني؟
الإسلاموفوبيا
هناك تخوفٌ كبيرٌ من كل شكلٍ ديني يأخذ طابعاً إسلامياً، لا سيما أن الإسلام يمثل هوية المنطقة العربية اجتماعياً وثقافياً ودينياً. والراجح أن هذا التخوف مردّه إلى الأخبار الصحفية والصورة الإعلامية المشوهة، لا إلى الصورة الحقيقية للإسلام والمسلمين. لذا، يمكن المجادلة في هذا الموضوع استنادًا إلى الأدلة والبراهين التاريخية والمعاصرة التي تثبت سماحة الإسلام، والتي لا يمكن الإحاطة بها هنا لكثرتها وغناها.
الإسلام ليس “بعبعاً” للشرق والغرب، بل هو التحدي الأبرز لنظام اقتصادي سياسي عالمي (الرأسمالية)، يستفيد من تجارة الأسلحة، والمخدرات، والكحول، والجنس، والفائدة الربوية. الإسلام يُضعف هذه التجارات، مما يؤدي إلى تهديد النظام المالي الرأسمالي، وكذلك إلى إضعاف استعمار النظام الرأسمالي للمنطقة العربية. ولهذا، بدأت حملات التشويه للإسلام والترويج للإسلاموفوبيا.
قناع أحمد الشرع
أحمد الشرع يرتدي قناعين دون إخفاءٍ لأيٍّ منهما؛ أحدهما شخصي إسلامي، والآخر سياسي علماني. حتى الآن، تتسم ممارسات أحمد الشرع السياسية بالعلمانية لا بالإسلامية. ومن المهم الإشارة إلى أن العلمانية ليست نهجاً واحداً، بل مناهج وأنواع متعددة.
معادلة “فصل الدين عن الدولة” هي معادلة علمانية قاصرة ومضللة، إذ إن العلمانية أوسع وأشمل من هذا الشعار. قد يصلح هذا المفهوم كشعار تسويقي، لكنه لا يكفي كأساسٍ سياسي؛ لأن السياسة تحتاج إلى خلفيات وتفاصيل، لا إلى شعارات متجزأة ومستهلكة.
ملامح علمانية أحمد الشرع في سوريا
علمانية أحمد الشرع هي علمانية جزئية تؤكد على فصل الدين عن الدولة، دون إنكار أهمية الدين في الحياة العامة والاجتماعية. فهي ترى أن الدين جزء من الهوية الثقافية والحضارية للمجتمع؛ وكما لا يجب فرضه، لا يجوز إنكاره.
من الناحية التطبيقية، تلتزم الدولة حتى الآن باحترام جميع الأديان، دون محاربتها، وتتعامل معها كشأنٍ شخصي لا سياسي. بالإضافة إلى ذلك، تخلت عن مفاهيم التطرف الديني الذي يتداخل مع السياسة التي أنتجتها بعض الجماعات إبان الثورة السورية، دون محاربة الدين نفسه. ومن خلال ممارسة الدولة السياسية لمهامها يظهر أنها تؤمن بقيم الحرية، والعدالة، والعقلانية، إلى جانب القيم الدينية، مع اتباع وسائل تحديث المناهج التعليمية لتعزيز التفكير النقدي وإزالة مظاهر العبودية السابقة.
الخصوصية السورية والعربية
يؤمن أحمد الشرع، من خلال مقابلاته الإعلامية، بضرورة التعايش السلمي بين مكونات المجتمع السوري. لذا، يأخذ خصوصية المجتمع السوري، الذي يضم طوائف دينية متعددة في عين الاعتبار.
يؤكد أحمد الشرع من خلال ممارسته السياسية، على أن العلمانية التي اختارها لبلاده هي علمانية جزئية معتدلة، وليست علمانية شاملة ملحدة، لأن العلمانية الشاملة لا تتوافق مع هوية سورية، ولا مع هوية الإقليم المحيط بها، لأننا في نهاية المطاف ودونما إنكار؛ في بلاد عربية إسلامية.
تحديات سورية المستقبلية
بعض الأوساط الدينية تعتبر العلمانية حتى الجزئية منها تهديداً للهوية الإسلامية، والبعض الآخر من الأوساط الثقافية تعتبر هذه العلمانية غير كافية، وتريد علمانية شاملة ملحدة ومعادية لكل مظاهر التدين والعروبة في سورية.
هذا الصراع بين المنهج الديني المتطرف والمنهج العلماني المتطرف يشكل ضغطاً إيجابياً على وسطية أحمد الشرع (العلمانية الجزئية)، حيث يدفعه إلى تعديل ممارساته السياسية باستمرار. ومع ذلك، فإن هذا الصراع قد يؤدي أيضًا إلى انقسامات متكررة، حتى عند أدنى الممارسات السياسية أهمية.
ختاماً، إن علمانية أحمد الشرع تمثل موقفاً وسطياً بين العلمانية الشاملة الملحدة والعلمانية التقليدية الشكلية التي تترك للدين دوراً كبيراً في السياسة. هذه الوسطية تعد دعوة مباشرة إلى إقامة دولة مدنية تحافظ على القيم الدينية والروحية كمكون هووي (هوية) للمجتمع السوري العربي، دون التخلي عن الطابع الشرقي والإسلامي للمجتمع، ودون تبني منهج غربي بالمطلق في وسط وإقليم عربي.
اخبار سورية الوطن 2_راي اليوم