خضر خروبي
كثيرة هي الإشارات المتضاربة التي ما انفكّت تبعث بها إدارة دونالد ترامب إلى إيران، منذ تنصيب الرئيس الجديد قبل نحو أسبوعين، بدءاً بحديث الأخيرة عن رغبته في “أن تكون إيران دولة عظيمة وناجحة”، ومطالبته بعقد “اتفاق سلام نووي يمكن التحقُّق منه” معها، مروراً بتحذيره الإيرانيين في حال سعيهم لامتلاك أسلحة نووية، وليس انتهاءً بإعلان وزارة الخزانة الأميركية، أولَ أمس، حزمة عقوبات جديدة ضدّ ما سمّتها “شبكة دولية تسهّل نقل ملايين من براميل النفط الخام الإيراني، بقيمة مئات ملايين الدولارات، إلى الصين”، بما يشمل دولاً كالهند والإمارات. ووفق التدرّج نفسه، جاءت ردود الفعل الإيرانية على تلك المواقف والخطوات.
نبرة إيرانية مزدوجة
حتى اللحظة، تفتّقت المرونة السياسية الإيرانية عن لغتَين تتوجّه بهما القيادات الإيرانية إلى الولايات المتحدة بشكل متوازٍ. تميل الأولى إلى أن تكون أكثر تصالحية تجاه الغرب، وهي التي دشنّها الرئيس الإيراني، مسعود بزشكيان، منذ اتضاح هوية الرئيس الأميركي الجديد، بنفيه سعي طهران خلف أسلحة نووية، ثم إبدائه، قبل أيام، رغبة بلاده في إقامة علاقات ودية مع جميع الدول، وتشديده على أنه “لا مكان للأسلحة النووية في الإستراتيجية الدفاعية الإيرانية”.
وفي الاتجاه نفسه، نسبت وكالة “رويترز” إلى مسؤول إيراني رفيع، حديثه “رغبة المؤسسة الدينية (في طهران) في منح فرصة أخرى للدبلوماسية مع ترامب”، وأن إيران “تشعر بقلق عميق إزاء التخريب الإسرائيلي”، وتراهن على أن تبادر الإدارة الأميركية الجديدة إلى “كبح جماح إسرائيل إذا كانت تسعى إلى التوصل إلى اتفاق” مع الجمهورية الإسلامية.
أما الثانية، فتبدو أكثر تحفّظاً، من دون أن تتعدّى سقف تأنيب إرث السياسات الخارجية الأميركية تجاه طهران، ومنها توصيف وزير الخارجية الإيراني، عباس عراقجي، أخيراً، سياسة “الضغوط القصوى” التي أعاد الرئيس الأميركي فرضها ضدّ إيران، بأنها “تجربة فاشلة”. لكن هذه اللغة تأخذ في أحيان أخرى منحًى أكثر تشدّداً، عبّر عنه مثلاً تحذير المرشد الأعلى، آية الله علي خامنئي، أمس، من أنّ تجربة المفاوضات مع الولايات المتحدة خطوة “ليست حكيمة أو مشرّفة”.
نبّه خامنئي إلى أن التفاوض مع الولايات المتحدة لن يؤثّر على حل المشكلات في إيران
وقال خامنئي، خلال استقباله قادة القوات الجوية للجيش الإيراني، في “حسينية الإمام الخميني” وسط طهران: “في العقد الماضي، تفاوضنا مع الولايات المتحدة ودول أخرى لمدة عامين، وتمّ عقد اتفاق (فيينا في عام 2015)، لكنّ الرئيس الأميركي الحالي (خلال ولايته الأولى) مزّقه، بينما بقيت العقوبات ولم تُرفع”. ونبّه خامنئي إلى أن التفاوض مع الولايات المتحدة لن يؤثّر على حل المشكلات في إيران، مشدداً على أنّه “يجب أن لا نسمح لهم (الأميركيين) أن يتظاهروا أمامنا بأنّنا إذا جلسنا على طاولة المفاوضات مع تلك الحكومة، فإن هذه المشكلة أو تلك سوف يتم حلّها”. وفي إشارة إلى رفضه خطّة تهجير أهالي قطاع غزة، سخر خامنئي من المخطّطات الأميركية الرامية إلى تغيير الواقعَين الإقليمي والدولي، معتبراً أنّها بعيدة عن الواقع. وحذّر من أنّه “إذا ما أقدم الأميركيون على تهديدنا فسنهددهم أيضاً… وإذا ما تعرّض الأميركيون لأمننا فسنعرّض أمنهم للخطر دون شك”.
ولدى تعليقه على خطاب المرشد، أعرب مدير مشروع إيران في “مجموعة الأزمات الدولية”، علي فايز، عن عدم استغرابه ازدواجية السياسة الإيرانية، مذكّراً بأنها “تتشابه بشكل أو بآخر” مع النهج العام السابق لخامنئي، حين انخرطت بلاده في مفاوضات نووية ناجحة مع إدارة الرئيس الأميركي الأسبق باراك أوباما.
نقاش في طهران
وفي محاولتها تقصّي حصيلة النقاشات الجارية داخل إيران في شأن الخيارات التفاوضية المتاحة للتعامل مع إدارة ترامب، في ظل قرب انقضاء أجل “اتفاق فيينا”، في تشرين الأول المقبل، وبما يعنيه ذلك من تمهيد الطريق لتحرّر طهران من أيّ التزامات نووية من جهة، ومن إمكانية عودة العواصم الأوروبية إلى خيار العقوبات ضد الجمهورية الإسلامية من جهة ثانية، في حال قرّرت تفعيل “آلية الزناد”، لفتت صحيفة “فايننشال تايمز” إلى تقديرات محلّلين وسياسيين إيرانيين بأن “طهران لا تريد أن يُنظر إليها على أنها تفاوض من منطلق ضعف، أو يأس”.
فمن جهة التيار الأصولي، نقلت الصحيفة البريطانية عن مصدر إيراني مسؤول قالت إنه “مقرّب” من خامنئي، قوله: “بينما نقاوم الضغوط الأميركية، سنظهر أيضاً استعدادنا للتفاوض، بحيث تعمل إيران على تقليل الإجراءات التي قد تستفز واشنطن، حتى لو لم يتم التوصّل إلى اتفاق معها في نهاية المطاف”. وأضاف المصدر نفسه أنّ طهران تحتفظ لنفسها بأدوات “لتغيير ساحة المعركة”، من دون أن يكشف عن المزيد من التفاصيل، موضحاً أنّ “الجمهورية الإسلامية لن تكون في وارد إحداث أيّ تغييرات إستراتيجية، سواء على صعيد سياستها الداخلية أو الخارجية، على رغم ما تعرّضت له من ضربات” من جانب أعدائها.
في المقابل، شرع “التيار الإصلاحي في طهران في إجراء مناقشات عامة للضغط على خامنئي، وقادة الحرس الثوري، بهدف حثّهم على التفاوض (مع إدارة ترامب)، بدعوى أن هذه ربما تكون الفرصة الأخيرة للنظام لتجنّب أزمة” على مستوى العلاقات مع واشنطن. وفي هذا السياق، توقفت “فايننشال تايمز” عند تصريحات لحسين مرعشي، وهو أحد أبرز وجوه “الإصلاحيين”، في وقت سابق من الشهر الجاري، رأى فيها أنّ “لدى بزشكيان الفرصة لاتخاذ خطوات مهمّة لصالح إيران، ذلك أن مهمّته الأولى يجب أن تتمثّل بتدشين فصل جديد في السياسة الخارجية، بعدما فقدنا نفوذنا في لبنان وسوريا والعراق”.
من جهته، ذهب المحاضر في “كلية جونز هوبكنز للدراسات الدولية المتقدمة”، فالي نصر، إلى أنّ عام 2024 “اتّسم بأهمية بالغة بالنسبة إلى إيران، نظراً إلى ما شهده من تغيّرات جذرية في البيئة الإستراتيجية الخاصة بها”، معتبراً أنّ “إيران فقدت القدرة على ضبط (سلوك) إسرائيل، وهو ما أضعف موقفها أمام كل من الأوروبيين والأميركيين”. وخلص نصر إلى أنّ “الإيرانيين لا يرون أنفسهم ضعفاء بالطريقة التي يتم تصويرهم بها”؛ فهم، وإن “كانت لديهم نقاط ضعف جوهرية”، إلّا أن ترامب بدوره، وفق تقديراتهم، “مقيّد في خياراته، في حال قرّر عدم اتباع المسار الدبلوماسي، علماً أن المخاطر عالية جداً في حال انخراطه في صراع عسكري لا تستطيع الولايات المتحدة السيطرة عليه”.
أما مديرة برنامج الشرق الأوسط في “مركز تشاتام هاوس” للبحوث، سنام فاكيل، فرأت أنّ الضربات التي تلقّاها المحور الإقليمي المدعوم من إيران، قد تجعل الأخيرة “أكثر استعداداً لإبرام صفقة مع ترامب في مقابل حصولها على ضمانات أمنية بعدم تعرّضها لهجوم من قِبل إسرائيل”، معربة عن اعتقادها بأنّ “طهران بحاجة إلى الحصول على حافز من جانب ترامب على نحو يدفعها إلى إبرام صفقة معه إذا ما كانت تريد تجنب المزيد من (التدابير العقابية بموجب سياسة) الضغوط القصوى الأميركية، وتلافي المزيد من الضربات الإسرائيلية”.
أخبار سوريا الوطن١ الاخبار