مي علي
على وقع إحراز الجيش السوداني تقدّماً ملحوظاً على الأرض، ولا سيما في ولايتي الخرطوم والجزيرة، بدا أن الحكومة السودانية باتت ترتّب لمرحلة ما بعد الحرب على صعيد التحالفات السياسية الداخلية والخارجية. ويأتي ذلك في الوقت الذي شهدت فيه «تنسيقية القوى الديمقراطية والمدنية» (تقدّم) حالةَ تشظٍّ، بعدما سادت أوساطها خلافات داخلية حول مسألة تشكيل حكومة موازية في مناطق سيطرة «قوات الدعم السريع». وعقب اجتماع التأم الأسبوع الماضي، أعلنت الهيئة القيادية لـ«تقدّم»، في بيان، فكَّ الارتباط بين المجموعة الداعية إلى إقامة حكومة موازية وتلك الرافضة لها، لافتة إلى أن «كل طرف سيعمل حسبما يراه مناسباً ومتوافقاً مع رؤيته حول وقف الحرب وتحقيق السلام، وتأسيس حكم مدني ديمقراطي».
على أنه فور الإعلان عن حلّ تنسيقية «تقدّم»، أعلنت قوى سياسية ومكوّنات مهنية واجتماعية، رافضة لتشكيل حكومة موازية، تشكيل «التحالف المدني الديمقراطي لقوى الثورة» (صمود)، برئاسة رئيس الوزراء السابق، عبد الله حمدوك، الذي أطاح الجيش بحكومته عام 2021. وفي الوقت نفسه، عكفت مكوّنات سياسية داخل السودان على تسليم الحكومة «خارطة طريق» للإعداد لمرحلة ما بعد الحرب واستئناف العملية السياسية الشاملة التي تفضي إلى انتخابات عامة. وبحسب بيان صادر عن الخارجية السودانية، فإن «الخارطة» المشار إليها تضمّنت «إطلاق حوار شامل يجمع كل القوى السياسية وتشكيل حكومة كفاءات وطنية مستقلّة لإكمال مهام الفترة الانتقالية، والتي تراوِح ما بين سنة و3 سنوات»، بالإضافة إلى «إعانة الدولة على تجاوز تبعات الحرب»، فيما توكل إلى القوى الوطنية مهمّة «إجراء تعديلات على الوثيقة الدستورية، ومن ثم اختيار رئيس وزراء مدني». وبحسب البيان، فإنه لا مجال أمام أي مفاوضات مع «الدعم السريع»، ما لم تضع الأخيرة السلاح وتخلي الأعيان المدنية في كل ولايات السودان، ولا لوقف لإطلاق النار ما لم يُرفع الحصار عن مدينة الفاشر.
وفي أعقاب ذلك، أعلن رئيس مجلس السيادة، عبد الفتاح البرهان، ترحيبه بـ«كل من يصحّح موقفه» من السياسيين. ورأى أنه «لا توجد فرصة ثانية للمؤتمر الوطني للعودة إلى الحكم على أشلاء السودانيين»، على حدّ وصفه، داعياً الراغبين في الحكم إلى التنافس مع القوى السياسية الأخرى في الانتخابات. وأثارت هذه التصريحات موجة من الغضب في أوساط عناصر «التيار الإسلامي»، فيما اعتبر مراقبون أن توقيتها «غير مناسب»، كونها «قد تسهم في خفض الروح المعنوية للمقاتلين في أرض الميدان، خاصة أن المعركة لم تُحسم بعد».
ومع ذلك، يبدو أن خطاب البرهان المشار إليه لم يكن موجّهاً إلى الداخل، بقدر ما كان معنياً بمخاطبة المجتمع الدولي وإبداء حرص الحكومة على تحقيق المصالحة الوطنية؛ إذ دعا وزير الخارجية، علي يوسف، على هامش «مؤتمر ميونيخ للأمن»، والذي اختُتم أولَ أمس، المجتمع الدولي و«الاتحاد الأفريقي» والأمم المتحدة و«الجامعة العربية» على وجه الخصوص إلى دعم خارطة الطريق باعتبارها تمثّل «توافقاً وطنياً لإرساء السلام». وكان الوزير استبق التئام قمة «الاتحاد الأفريقي» في أديس أبابا بإرسال رسالة خطية إلى وزراء خارجية الدول الأعضاء في «مجلس السلم والأمن الأفريقي»، دعاهم فيها إلى إعادة النظر في تقييم الأوضاع في السودان على ضوء المستجدات الأخيرة، مطالباً برفع تجميد عضوية بلاده في «الاتحاد الأفريقي»، الأمر الذي قوبل برهنه بـ«تحوّل مدني واضح».
بدا أن الحكومة في السودان تسعى إلى إيجاد تحالفات لإبعاد البلاد عن شبح العزلة الدولية الذي خيّم عليها سابقاً
كما خاطب البرهان، أمس، الأمم المتحدة والاتحاد الأفريقي، قائلاً إن الشعب السوداني «لن تُفرَض عليه أي حكومة». وأضاف البرهان، في كلمة ألقاها في بورتسودان: «على كل من يتحدّث نيابة عن الشعب السوداني في الخارج ألّا يحلم بأن يعود إلى حكم السودان. لن نقبل بأن يُفرض علينا حمدوك أو أي شخص آخر»، معتبراً أنه على المجتمع الدولي «ألّا يبذل جهداً في محاولة إعادة شخصيات منبوذة» إلى السودان.
وبدا أن الحكومة في السودان تسعى إلى إيجاد تحالفات دولية ليس لحسم المعركة عسكرياً فقط، لا بل لإبعاد البلاد عن شبح العزلة الدولية الذي خيّم عليها في عهد حكم الرئيس المخلوع، عمر البشير، وخصوصاً في حال استمرار قائد الجيش، الذي يخضع لعقوبات وزارة الخزانة الأميركية منذ نهاية العام الماضي، في الحكم. ويرى محللون أن أثر تلك العقوبات انعكس إيجاباً على سير المعارك على الأرض، حيث أدرك قادة الجيش أنه لا فائدة تُرجى من الولايات المتحدة، ما دفعهم إلى تكثيف نشاط قواتهم على الأرض، والذي أسفر عن تقدّم كبير، وخاصة في ولاية الخرطوم التي تقترب من إنهاء وجود «قوات الدعم السريع» داخل أراضيها، حيث يتقدم الجيش بصورة متسارعة في شرق الولاية في ضاحيتي كافوري والحاج يوسف، فضلاً عن إحكامه الحصار على «قوات الدعم» المتواجدة في وسط العاصمة في منطقتي المقرن والسوق العربي، تمهيداً لبسط سيطرته على القصر الرئاسي والمقار الحكومية والوزارات القابعة في وسط العاصمة. وأمس، قال الجيش إن قواته وصلت إلى ضاحية المايقوما في منطقة شرق النيل شرقي العاصمة الخرطوم، وبثّ صوراً تظهر الجنود وسط سكان الضاحية بعد وصولهم إليها وإبعاد «قوات الدعم».
وبعدما أعلن وزير الخارجية في ختام زيارته موسكو، الأسبوع الماضي، توصّل السودان وروسيا إلى تفاهمات مشتركة بخصوص إنشاء القاعدة الروسية على المياه الإقليمية السودانية في البحر الأحمر – الذي ظلّ موضع شد وجذب وفقاً للحالة السياسة في البلاد منذ أن وافق البشير على منح موسكو قاعدة هناك عام 2017 -، لا يستبعد المحللون أن يكون التقارب السوداني – الروسي قد جاء نتيجة فقدان الحكومة الأمل في الولايات المتحدة أيضاً. وفيما لم يوضح الوزير نوع التفاهمات التي تمّ التوصل إليها، يبدو أنها ستشمل اتفاقيات بخصوص التعدين الروسي في السودان والتعاون العسكري.
وطبقاً لمصدر دبلوماسي تحدّث إلى «الأخبار»، فإن السودان، وفي ظل المحنة الكبيرة التي يمر بها، يحتاج إلى حليف دولي له وزن كبير، إمّا أن يكون الولايات المتحدة، أو روسيا والصين والدول التي تتحالف معهما. وأضاف: «نحن في السودان يئسنا من أي موقف إيجابي من الولايات المتحدة تجاهنا، وبالتالي حتى إذا كانت لدينا مآخذ على التحالف مع روسيا، لكننا لا نملك خياراً غيرها».
واعتبر الدبلوماسي أن المسألة غير مرتبطة بفرض العقوبات الأميركية على قادة الجيش؛ فـ«حتى إذا لم تفرض العقوبات ليس لدينا خيار غير روسيا»، مشيراً إلى أنه «على الرغم من الظروف التي تمر بها روسيا، وتبعات الحرب على اقتصادها، والتي لا تمكّنها من دعم الدول التي تتحالف معها بشكل كبير، إلا أن التحالف معها أفضل من أن نبقى من دون غطاء دولي». وذكّر، في الوقت نفسه، بمواقف روسيا في مجلس الأمن الداعمة للسودان، قائلاً إنه «لولا مواقفها القوية، لكان السودان تعرّض لأذى كبير». وإذ لفت إلى أن «تعليق أمر القاعدة الروسية هو الذي جعل روسيا تنكمش في علاقاتها مع السودان خلال الفترة الماضية»، فهو رأى أن قرار الحكومة بخصوص هذه القاعدة «ينطلق أساساً من مصلحة السودان العليا». وتابع: «غالبية الدول التي حولنا في الإقليم لديها قواعد غربية داخل أراضيها لم يتم أخذ رأينا فيها».
أخبار سوريا الوطن١_الأخبار