الكاتب: موسى عاصي
على هامش أعمال الدورة الـ58 لمجلس حقوق الإنسان، جمع دبلوماسي غربي عريق، قضى سنوات طوال في مركز القرار في الأمم المتحدة، بعض الصحافيين المعتمدين في جنيف، للحديث عن آخر التطورات والتوقعات في بعض النقاط الساخنة في العالم من الشرق الأوسط إلى أوكرانيا وصولاً إلى مستجدات الأزمة بين الكونغو الديمقراطية ورواندا. لكنه استطال بالشرح حول مجريات الأمور في الشرق الأوسط والخيارات المطروحة في كل من الأراضي الفلسطينية المحتلة وسوريا ولبنان وصولاً إلى إيران.
بدأ حديثه عن القضية الفلسطينية التي “تبقى أساس عدم الاستقرار في المنطقة” واستثناؤها من الحلول المطروحة لن يؤدي إلا إلى المزيد من التصعيد ويبعد الاستقرار المنشود، وأخطر الطروحات الموجودة على الطاولة اليوم هو محاولة قلب الوضع الحالي رأساً على عقب، بمعنى نسف القضية الفلسطينية من جذورها، بدءاً بتهجير أهل غزة، استجابة لخطة ترامب، وضم كل أنحاء الضفة الغربية وإبعاد القسم الأكبر من سكانها.
لكن الدبلوماسي العريق يعتقد أن ترامب لا يريد فعلاً تطبيق خطته المعلنة بإبعاد أهل غزة عن أرضهم، لأن ذلك يعني العودة الأكيدة إلى مسار الحرب، وهذا الأمر يتعارض إلى حد بعيد مع خطط ترامب الاستراتيجية القائمة على منطق إحلال السلام في كل من الشرق الأوسط وأوكرانيا بأقصى سرعة، وهو يعمل فعلاً لوقف الحروب ويرى نفسه الحائز المقبل على جائزة نوبل للسلام، بفضل إحلال السلام في هاتين المنطقتين.
إلا أن الخطر الكبير الذي يمكن أن يقضي على أحلام ترامب، يبقى في ما يخطط له رئيس الحكومة الإسرائيلية بنيامين نتنياهو الذي يرى في اقتراح إفراغ القطاع من السكان، مناسبة ذهبية لاستئناف الحرب، إذ لا يمكن إفراغ القطاع من السكان إلا من خلال حرب أكثر قساوة مما حصل خلال الأشهر الـ15 الماضية كما يقول الدبلوماسي، و”ترامب يعلم تماماً أن نتنياهو جاهز تماماً للعودة إلى الحرب بعد الانتهاء من عملية تبادل الأسرى بجهوزيته نفسها لضم الضفة الغربية”.
ويعتقد الدبلوماسي، أن ما يقوم به ترامب من خلال عرض “خطة غزة” هو نوع من التضليل، أو رفع حرارة المزاد العلني حول غزة لكي يصل في نهاية المطاف إلى أفضل الحلول الممكنة لصالح “إسرائيل”، هذا من جهة، ومن الجهة الثانية، يريد المقاول الأميركي أن يساهم مباشرة في إعادة إعمار القطاع.
وفي هذا الإطار، يرى الدبلوماسي الغربي أن السعودية “وحدها” القادرة في هذه المرحلة، على لعب دور محوري لتعطيل خطط نتنياهو، “فهي تملك أفضل العلاقات مع ترامب” ويمكن لها استغلال هذا الأمر لمنع تهجير سكان القطاع أو ضم الضفة الغربية، والعمل على إيجاد البدائل الممكنة للحل “ما دام ترامب يسعى للتطبيع بين السعودية وإسرائيل”.
يقول الدبلوماسي، إن الفضل في وقف إطلاق النار في غزة يعود إلى ترامب ذاته، ويوضح أن نتنياهو، الذي فاجأته فعلاً عملية 7 أكتوبر (طوفان الأقصى)، كان يرفض رفضاً تاماً أي حديث عن وقف إطلاق النار ويعدّ الأمر “معقداً جداً”، لكنه غيّر موقفه بين ليلة وضحاها واستجاب بشكلٍ مفاجئ لطلب ترامب وأوقف الحرب قبل تسلم ترامب الرئاسة بساعات.
“عيون على جنوب لبنان”
بالنسبة إلى جنوب لبنان، يرى الدبلوماسي العريق في الأمم المتحدة أن “إسرائيل” لن تتخلى بسهولة عن النقاط الخمس التي احتلتها مؤخراً، وهي تعدّها “عيون إسرائيل على الجنوب”، وهذه النقاط باتت تشكل اليوم، مع الأراضي التي احتلتها في جنوب سوريا، جزءاً من رؤيتها الأمنية لإعادة تشكيل الشرق الأوسط.
لكنه يحذر، أنه في الوقت الذي لا تتحرك السلطات الجديدة في سوريا في هذا الملف، فإن الوضع في جنوب لبنان مختلف، “لأن عدم الانسحاب من هذه النقاط سيخلق ذريعة لحزب الله من أجل العودة إلى المقاومة المسلحة”، ويقول: الأفضل لـ “إسرائيل” أن تنسحب من هذه النقاط، لأن ذلك سيسحب الذريعة من حزب الله وسيدفعه للقبول بموقعه الجديد كجزء من المكونات السياسية اللبنانية والتراجع عن كونه قوة عسكرية، حتى ولو لم يتخل عن سلاحه في المرحلة الأولى، وهذا سيؤدي إلى تثبيت استقرار الحكومة اللبنانية، و”هذا الأمر يصب في مصلحة إسرائيل”.
خياران أمام دمشق
تقف دمشق اليوم أمام خيارات مصيرية، إما أن تبقى السلطات الجديدة فيها محسوبة على التطرف، أو الموافقة والسير فعلاً بمنطق الحوار الداخلي الجدي تمهيداً لانتقال سياسي يعكس التنوع الذي يمثله الشعب السوري وبناء حكم جديد من دون استثناء أي من المكونات الأساسية، أما مشكلة الكرد فالحل الأمثل يبقى، من وجهة نظره، من خلال استنساخ التجربة الكردية في العراق، وقد يدفع الرئيس الأميركي بهذا الاتجاه.
إيران والولايات المتحدة
يرى الدبلوماسي الغربي في الأمم المتحدة أن مستقبل المنطقة يرتكز على تطورات الوضع بين ثلاث قوى هي الولايات المتحدة وإيران و”إسرائيل”، ويؤكد أن حواراً بدأ فعلاً بشأن الملف النووي وبشكل من الأشكال بين الجانبين الإيراني والأميركي، “لا نعرف إلى أين وصل”، لكنه حوار حاسم وسيحدد الخيارات الأساسية بالنسبة إلى مستقبل منطقة الشرق الأوسط.
هذا الحوار، يسير تحت ضغط كبير من قبل “إسرائيل”، التي تحاول إقناع ترامب بعدم التعويل على الحوار مع الإيرانيين والانتقال إلى الخيار العسكري عبر توجيه ضربة قاسمة ليس فقط للمنشآت النووية الإيرانية إنما أيضاً لكل مراكز القوة لدى إيران.
لكن ترامب، لا يحبذ في هذه المرحلة السير بالضغوطات الإسرائيلية، ويرى أن هناك إمكانية فعلية للتوصل إلى حلول مرضية مع الإيرانيين، تضمن قطع طريق إنتاج الأسلحة النووية على طهران، ويذكر الدبلوماسي دائماً أن ترامب يريد فعلاً إنهاء التوتر في منطقة الشرق الأوسط وأوكرانيا.
أوكرانيا أمام استعمار جديد
وأخيراً في الملف الأوكراني، يشير الدبلوماسي الغربي إلى أن “الجميع” تفاجأ بسرعة التواصل بين ترامب والرئيس الروسي فلاديمير بوتين، ويرى أن ترامب يريد وقف الحرب بأقصى سرعة، والاتصال مع بوتين قطع الطريق على أي تعقيد لخطته من قبل الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي، لكنه يرى أنه بخلاف ترامب، فإن الروس يريدون أيضاً وقف إطلاق النار ولكن بموازاة حل المشكلات الجذرية مع كييف والمتعلقة تحديداً بعدم انخراطها في حلف “الناتو”، وإعادة هيكلة الحكم فيها، وينهي الحديث عن أوكرانيا، بأن هذا البلد ذاهب باتجاه استعمار جديد، على خلفية الحديث الأخير عن تفاهمات يجري التحضير لها لتقاسم الثروات المعدنية الهائلة فيها بين موسكو وواشنطن.
أخبار سوريا الوطن١ الميادين