آخر الأخبار
الرئيسية » إدارة وأبحاث ومبادرات » من أجل جبهة وطنية مدنية ديمقراطية

من أجل جبهة وطنية مدنية ديمقراطية

 

 

هيثم المناع

 

أزيحت يوم الثامن من كانون الأول 2024، غمامةٌ سوداء ثقيلة جثمت على صدور السوريين والسوريات زمناً طويلاً وقاسياً، وانفتح الأفق واسعاً أمام شمس الحرية، وفرصة تاريخية ليقرر الشعب السوري مصيره بنفسه، لأول مرة منذ عقودٍ طويلة.

إلا أن التوجهات والقرارات الأساسية التي اتخذتها قيادة العمليات العسكرية، من حلّ المؤسسة العسكرية والشرطية والأمنية، والتسريحات التي طالت قطاعات واسعة من مؤسسات الدولة المدنية، والاعتقالات والملاحقات التي طالت آلاف المواطنين، والتعيينات ذات اللون السياسي والإيديولوجي الأحادي، تشكل اليوم عائقا ماديا أمام مرحلة انتقال تشمل مختلف فئات المجتمع وتعبيراته السياسية والمدنية. وبكل أسف، تستبعد يوما بعد يوم، فرصة عقد مؤتمر وطني جامع وتفرّغ الكلمات من مضامينها والحوار الوطني من شموليته وتمثيليته وصلاحياته، وتجري مصادرة القرار في قضايا جوهرية كالصياغة المشتركة لمبادئ دستورية وقيام حكومة تمثيلية للطاقات والكوادر السورية ويجري إبعاد قطاعات واسعة من المواطنين والمواطنات بسبب انتماءاتهم الطائفية أو القومية أو السياسية.

إنّ المرحلة الراهنة التي تعيشها البلاد هي مرحلة محكومةٌ بقدرٍ كبيرٍ من المخاطر والمهمات الكبرى، فقد حطمت سنوات النزاعات المسلحة البنيات التحتية، ونهبت مافيات العهد البائد احتياطات سوريا النقدية وأثقلت العقوبات الجماعية كاهل السوريين الذين تحولت قطاعات كبيرة إلى البطالة الفعلية أو المقنعة وصار الفقر القاسم المشترك الأعلى بين السوريين، ناهيكم عن ملفات التهجير القسري الداخلية ومخيمات النزوح واللجوء الجماعي إلى خارج البلاد.

إلا أن الشعب السوري الذي قدم تضحيات كبيرة، محكوم عليه في الوقت نفسه بقدرٍ كبير من الأمل والإصرار والعزيمة على بناء مستقبل أفضل يليق بنضالات السوريين والسوريات، وبدرب الآلام الطويلة التي قطعوها منذ آذار 2011، بل وقبله بعقود.

إنّ القوى السياسية والمنظمات المدنية والاجتماعية الموقعة على هذا البيان، واستناداً للتواصل فيما بينها، وللقاءات التشاورية التي عقدتها، ترى أن المهام الملقاة على عاتق الوطنيين السوريين في هذه المرحلة، تتطلب استلهام روح وفكر الآباء المؤسسين لسوريا، قادة الثورة السورية الكبرى، الذين تساموا عن انتماءاتهم الضيقة، القومية والدينية والطائفية والعشائرية، وحتى السياسية والإيديولوجية، واتحدوا تحت الشعار الوطني الجامع: «الدين لله والوطن للجميع». والالتزام الجماعي بالشرعة الدولية لحقوق الإنسان والدفاع عن الحقوق السياسية والمدنية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية والبيئية في برامجنا السياسية.

اليوم أيضاً، تحتاج البلاد إلى أوسع تحالف وتوافق بين كل الوطنيين السوريين، بمختلف انتماءاتهم، وتحتاج تحديداً واضحاً للمهام الكبرى وتعاوناً في تحقيقها.

المهام الوطنية الكبرى

1- استكمال توحيد الشعب السوري والأراضي السورية، من الجنوب إلى الشمال، ومن الشرق إلى الغرب، في ظل دولة واحدة، وبجيش وطني واحد تنحصر فيه مهمة حمل السلاح جيش ينتأى عن الشأن السياسي، وذلك بالاستناد، أولاً وأخيراً، إلى الحوار والتوافق وتقديم التنازلات المتبادلة.

2- الحفاظ على السلم الأهلي، والدفاع عنه عبر التصدي للعقليات الثأرية وخطابات الكراهية والإقصاء، وتعزيز ثقافة البناء المشترك والمواطنة المتساوية ورسم مسار واضح وشفاف للعدالة الانتقالية: (كشف الحقائق في كل الانتهاكات الجسيمة التي وقعت، المساءلة والمحاسبة، جبر الضرر، تعزيز السلم الأهلي والمصالحة الوطنية).

3- إنّ بناء مستقبل ديمقراطي ومدني لسوريا يستوجب تمكين المرأة السورية، وتعزيز دورها في مختلف المجالات، وضمان استقلاليتها الكاملة، وتحقيق مساواتها مع الرجل في الحقوق والواجبات.

4- تمثل الطفولة حجر الأساس لأي مستقبل واعد، إن أطفال سوريا، الذين كانوا الفئة الأكثر ضعفًا وتضررًا خلال السنوات الماضية، يستحقون حماية خاصة من العنف والاستغلال والتطرف، وضمان بيئة آمنة تضمن لهم حياة كريمة وتعليمًا متكافئًا.

5- يجب ضمان تكافؤ الفرص التعليمية لجميع الأطفال، دون تمييز على أساس الطائفة، العرق، أو المنطقة، وينبغي أن يكون التعليم للجميع، بعيدًا عن التوظيف السياسي أو الأيديولوجي، ليصبح أداة للتنوير وبناء ثقافة وطنية جامعة قائمة على احترام التنوع والانتماء المشترك لسوريا المستقبل.

6- نتيجة عقود التصحر الثقافي والسياسي، وتفشي جهالات الحقد والانتقام والثأر، تعاني قطاعات واسعة من ضعف في التكوين المعرفي والتعليمي، ويزيد الطين بلة وضع يد الظلاميين على المؤسسات التعليمية في مناطق سيطرتهم ومحاولاتهم السيطرة على الناشئة والطفولة باسم الدين الحنيف. من هنا ضرورة القيام بنهضة تعليمية وتربوية شاملة بمشاركة المجتمع المدني والنخب والكوادر السورية المخلصة من أجل مستقبل معرفي حر لأبنائنا.

7- العمل بكل الوسائل لإنقاذ الغالبية الساحقة من السوريين من الفقر المدقع الذي تعيشه، وتأمين سبل العيش الكريمة لها عبر الخروج من اقتصاد الحرب إلى اقتصاد التنمية والبناء، مواصلة المطالبة برفع العقوبات الاقتصادية الأحادية الجانب والمشاركة الفاعلة للرأسمال السوري في المهاجر في مهمة إعادة البناء. الأمر الذي يتطلب صياغة نموذج اقتصادي سوري، يقوم على تحقيق أعمق عدالة اجتماعية وأعلى نمو، بالاستناد إلى الخبرات والعقول السورية داخل وخارج البلاد.

8- العمل بكل الأشكال المتاحة من أجل خروج المقاتلين غير السوريين من البلاد، وتعزيز السيادة الوطنية واستعادة الأراضي السورية المحتلة وفي مقدمتها الجولان المحتل.

 

المؤتمر الوطني العام والمرحلة الانتقالية

يتطلب تنفيذ هذه المهام، حواراً مسؤولاً متواصلاً بين أوسع طيف من القوى السياسية والاجتماعية السورية، التي تقع على عاتقها مسؤولية مشاركة الوطنيين السوريين على اختلاف أطيافهم في مؤتمر وطني عام يشمل ممثلين عن كافة القوى والشخصيات الوطنية السورية، دون إقصاء، وبرعاية أممية، تماهيا مع ما جاء في اجتماع مجلس الأمن الدولي بتاريخ 18/12/2024م وذلك بغية تنفيذ القرار الدولي 2254.

لا يمكن الحديث عن انتقال جدي وتحرر من المنظومة التسلطية الدكتاتورية، دون فصل السلطات وصياغة دستور حديث، يؤسس لدولة مدنية ديمقراطية تعددية، وصيغة متطورة للعلاقة بين اللامركزية التي تضمن ممارسة الشعب لسلطته المباشرة فـي المناطق وتحقق الاكتفاء الذاتي والتوزيع العادل للثروات والتنمية فـي عموم البلاد، والمركزية فـي الشؤون الأساسية (الخارجية، الدفاع، الاقتصاد)، دولة يكون عمادها الأساسي المواطنة المتساوية لكل أبنائها بغض النظر عن الدين أو الطائفة أو الأثنية أو الجنس، تضمن حرية التعبير والاعتقاد والتجمع والاحتجاج السلمي.

إن الموقعين على هذا البيان التأسيسي من أجل بناء الجبهة الوطنية المدنية الديمقراطية، يمدون يدهم لكل السوريين والسوريات، بقواهم وتشكيلاتهم المختلفة، ويعتبرون الباب مفتوحاً للعمل الجماعي من داخل التحالف ومن خارجه، لتحقيق المهام الوطنية الكبرى المشار إليها آنفاً، وصولاً بالبلاد إلى بر الأمان، ووصولاً بالسوريين إلى أوضاع تصان فيها كراماتهم وحقوقهم…

دمشق في 2/3/2025

ملاحظة عملية: بعد مناقشة مختلف المقترحات المقدمة من التنظيمات المدنية والسياسية في داخل الوطن وخارجه، ومناقشة نص المسودة المقدمة من عدد من التجمعات السياسية في سوريا والتي كان لها السبق في التأكيد على ضرورة بناء جبهة وطنية مدنية ديمقراطية واسعة في عموم البلاد، تتوجه اللجنة السياسية المنبثقة عن “الاجتماع الموسع للقوى والشخصيات المدنية والسياسية” بهذا البيان، باعتباره حجر الأساس لأية توافقات سياسية ونضالات ميدانية في هذه المرحلة الصعبة التي تعيشها سوريا

(أخبار سوريا الوطن ١-صفحة الكاتب)

x

‎قد يُعجبك أيضاً

وزير الاتصالات: نعمل على تطوير قطاع الاتصالات وتوفير أجود أنواع الخدمات

أكد وزير الاتصالات وتقانة المعلومات المهندس حسين المصري، أن الوزارة تعمل على تطوير قطاع الاتصالات، وتوفير أجود أنواع الخدمات. وقال الوزير المصري في تصريح لـ ...