علي عبود
أربكت حرب التعريفات الجمركية التي أشعلها الرئيس الأمريكي دونالد ترامب في معظم دول العالم المحللين ومراكز الدراسات الاقتصادية والسياسية، واختلفوا حول تأثيراتها الفورية، وعلى الأمدين القريب والبعيد.
وعوّل البعض على تراجع ترامب بعد انكشاف ماستسببه هذه الحرب من ركود وتضخم وتراجع وبطالة وانهيار في أسواق المال والتكنولوجيا وأسعار الطاقة..الخ، لكن هذا لن يحصل مادامت حرب التعريفات الجمركية هي الوسيلة الفعالة لترجمة هدف ترامب الأول: أمريكا العظيمة!
وقد سبق لترامب أن قال منذ أسابيع: أنا أحب التعريفات الجمركية!
ويمكن القول أن جميع استنتاجات وتنبؤات المحللين والسياسيين صحيحة، لكن الحقيقة التي يُجمع عليها الكل أن العالم مضطر خلال القادم من الأشهر والسنوات للتعامل مع حرب تعريفات ترامب الجمركية، من منطلق أن أمريكا هي أكبر سوق إستهلاكي في العالم وتحديدا لأكبر شريكين تجاريين لها وهما الصين وأوروبا!
ولعل أكثر المرتبكين هم كبار المستثمرين وهم يسألون منذ اندلاع حرب التعريفات الجمركية: ماالملاذ الآمن لاموالنا التي تتآكل يوما بعد يوم؟
وبما أن كبار الشركاء التجاريين لأمريكا لايمكنهم الإستغناء عن أسواقها الكبيرة، وخاصة إن الأمريكي هو المستهلك الأكبر في العالم، فإن خيارات المستثمرين للتأقلم أوللخروج من هذه الحرب بأقل الخسائر محدودة جدا وتكاد تنحصر بإثنين إما تحمل نسب التعريفات الجمركية المفروضة عليهم كي يتمكنوا من منافسة المنتجات الأمريكية، أو اللجوء إلى ملاذ آمن كشراء الذهب، مايعني خروجهم نهائيا من السوق الأمريكي!
ورأى بعض المحللين الإقتصاديين أن الخيار الفعال الذي يسعى الرئيس ترامب بدفع المستثمرين العالميين لتبنيه هو نقل الجزء الأكبر من استثماراتهم إلى الداخل الأمريكي، فمثلا الشركات التي تُصدّر السيارات إلى الأسواق الأمريكية ستكتشف انها مضطرة لإنتاج السيارات في أمريكا حيث ستكون معفاة من الرسوم والضرائب..الخ.
نعم، ترامب يسعى لتخفيض المستوردات الضخمة من الخارج بإغراء مصدريها في مختلف دول العالم، وتحديدا من الصين وأوروبا وكندا والهند واليابان إلى نقل الجزء الأكبر من استثماراتهم إلى أمريكا، مايعني تحريك عجلات الإنتاج وزيادة فرص العمل وإعادة المجد للدولار في العالم الذي بدأ يفقد هيبته أمام التكتلات الناشئة كمجموعة بريكس.
وليس صحيحا ماذهب إليه البعض بأن الشعب الأمريكي سيدفع ثمن حرب ترامب الجمركية، مستندين إلى مقولة أن المستهلك الأمريكي بحاجة إلى السلع الأساسية المستوردة مايعني تقلصا لقيمة أجوره وبالتالي الإستغناء عن الكثير من السلع في حياته اليومية.. فسياسة ترامب الجديدة تقوم على أساس: إعفاءات ضريبية قد تصل إلى الصفر على المستهلك الأمريكي مقابل رفع التعرفات الجمركية على السلع المستوردة بنسب كبيرة.
أكثر من ذلك، ستشهد أمريكا على المدى المتوسط (هجمة) من كبار مليارديرات العالم المالكين للشركات المصدرة لتأسيس شركات في أمريكا تعفيهم من التعرفات والرسوم والضرائب وأجور الشحن..الخ، والنتيجة إتاحة الفرص أمام المستهلك الأمريكي لشراء المنتجات الأساسية بأسعار أقل من السابق مع توفير آلاف فرص العمل شهريا، وتحسن القوة الشرائية للدولار، وتصحيح الخلل في ميزان أمريكا التجاري مع شركائها في معظم دول العالم..الخ.
ومن هنا نفهم التفاوت في نسب الرسوم الجمركية المفروضة على العالم (32% على الواردات من إندونيسيا و10% على الواردات من البرازيل و49% على الواردات من كمبوديا و24% على الواردات من اليابان ونسبة 26% على الواردات من الهند و32% على الواردات من تايوان و30% على الواردات من جنوب أفريقيا و10% على الواردات من بريطانيا و 34% على الواردات من الصين) فالأمر يتعلق بتقليص المستوردات من الخارج لصالح تصنيعها في الداخل.
وعندما يخسرأغنى 500 ملياردير في العالم ما مجموعه 208 مليارات دولار في يوم واحد، بعد إعلان الرئيس الأمريكي دونالد ترامب رسوم الاستيراد على عدد كبير من الدول، فهذا جرس إنذار للخطر الوشيك الذي يواجه الشركات العابرة للقارات بأنها ستتعرض لخسائر جسيمة إن لم تستجب لهدف ترامب (أمريكا العظيمة) أيّ بتصنيع مستورداتها في أمريكا وليس في الخارج.
لقد خسر مارك زوكربيرغ مؤسس (ميتا) فور قرار ترامب 17.9 مليار دولار (حوالي 9% من ثروته) وانخفضت ثروة مؤسس شركة أمازون للبيع بالتجزئة عبر الإنترنت، جيف بيزوس، بمقدار 15.9 مليار دولار في يوم واحد، وخسر صديق ترامب رجل الأعمال الأمريكي إيلون ماسك، مالك شركتي تيسلا وسبيس إكس، 11 مليار دولار يوم سريان حرب التعريفات الجمركية مع انخفاض سعر الأوراق المالية لشركة تيسلا بنسبة 5.47%
صحيح أن مخاوف رئيسة منظمة التجارة العالمية نغوزي أوكونجو إيويالا محقة، فحرب الرسوم الجمركية ستؤدي إلى تقليص التجارة العالمية لكن المستفيد منها (أمريكا) أولا على المديين القريب والبعيد!
الخلاصة: حرب الرسوم الجمركية التي أشعلها الرئيس ترامب هي ترجمة لعدوانيته تجاه الخصوم والحلفاء على حد سواء فهو يرى أنهم يستغلون أمريكا منذ عقود طويلة، وقالها صراحة: مايفعلونه بنا نفعله بهم ّ!،
ولهذا هدّد ترامب بمحاسبة الدول التي (تعاملنا بشكل سيّئ، بما في ذلك الحواجز غير النقدية)، معتبراً أنّ قراره يُعدّ بمثابة (إعلان استقلال اقتصادي.. ويوم تحرير لأميركا)!
ودعا ترامب أصحاب الشركات الكبرى في العالم إلى الأخذ بخيار معادلته الجديدة: استثمروا في أمريكا لأنها ملاذ كم الآمن للإفلات من الرسوم والضرائب.
(موقع أخبار سوريا الوطن-٢)