آخر الأخبار
الرئيسية » كتاب وآراء » ملك أميركا وملك إسرائيل 

ملك أميركا وملك إسرائيل 

 

 

إبراهيم الأمين

 

يشكل اجتماع اليوم بين الرئيس الأميركي دونالد ترامب ورئيس وزراء العدو بنيامين نتنياهو محطة مفصلية بالنسبة إلى منطقتنا. قد يبدو الاجتماع طبيعياً في سياق العلاقة الخاصة التي تربط بين الجانبين، سواء على صعيد الدولة أو على الصعيد الشخصي.

لكن ملفات البحث لن تكون عادية، وسيحتاج الطرفان إلى قرارات واضحة لتبيان حقيقة التطابق في المصالح، وبالتالي الإستراتيجيات في المرحلة المقبلة. علماً أن للاجتماع خصوصية ترتبط بطبيعة كلٍّ من الرجلَين، بين مجنون عالمي يتصرف على أنه الملك المتوَّج على الحكم في أميركا، ويفكر في طريقة تعديل الدستور للبقاء في منصبه لولاية جديدة، وربما ينضم بدوره إلى نادي «إلى الأبد»، وبين مجرم يعتبر أن تورّطَه في الدم العربي يشكل عاملَ تغذيةٍ لبقائه ليس على رأس الحكومة، بل متوَّجاً كملك لإسرائيل، والمخلّص الذي سيقودها إلى الخلاص النهائي.

 

طبعاً هناك حاجة إلى أن يعيد أي مراقب مراجعة تسلسل الأحداث والقرارات والتصريحات التي صدرت عن إدارة ترامب منذ ما قبل توليه منصبه في كانون الثاني الماضي.

 

وهي مراجعة تتيح معرفة أن «المنطق التجريبي» لا يزال يتحكّم في العقل الأميركي، وسط غياب لإستراتيجية يمكن البناء عليها وتقدير مآلات الأمور، لأن ما أعلن عنه من نوايا وأفكار لا يزال في طور الاختبار، وثمة مؤشرات قوية على فشل كبير أصاب بعض خططه، وهو فشل قد يدفعه إلى إعادة النظر في أمور كثيرة، ولكنه قد يدفعه إلى مزيد من الجنون، خصوصاً أن قاعدة الاستثمار المركزية لديه، تقوم على فكرة القوة والبلطجة في كل أصقاع الدنيا. وهو ما يفعله اليوم في اليمن، ويمكن أن يفعله في أمكنة كثيرة من المنطقة، كما هو سمة قراراته في الجانبَين المالي والاقتصادي داخل أميركا وخارجها.

 

ما دامت المبادرة لا تزال بيد مجانين العصر فإن السؤال عن تناقضاتهم قد يفيد في تقدير مسار المواجهة القائمة في كل المنطقة

 

أما ملك إسرائيل، فهو يزداد قناعة، بعد كل ما مرّ به كيانه منذ 7 أكتوبر 2023، بأن القتل هو الوسيلة الوحيدة لضمان مستقبل كيانه، وأنه لا حدود للقتل، وبالتالي، فهو يتعمّد إستراتيجية الهروب من المساءلة داخل الكيان وخارجه، بل يعمد في كثير من الأحيان إلى الاحتيال على القوانين وقواعد العمل، لضمان استمراره في الحكم من جهة، وضمان السير بمشاريعه.

 

لكنه، في الحالات كلها، يعرف أن 7 أكتوبر نفسه كشف إسرائيل أمام العالم، وأظهر أنها غير قادرة على حماية نفسها من دون دعم مباشر من أميركا ودول الاستعمار القديم أيضاً. ونتنياهو الذي ينظر إلى نفسه في المرآة كل صباح، على أنه الابن البارّ للفكر الصهيوني، وأنه تجاوز بن غوريون وكل القادة المؤسسين، يجد نفسه أيضاً، مقيّداً بالحسابات التي تضعها الولايات المتحدة أمامها على الطاولة. ولأنه يعرف هذه الحقيقة، فهو يريد استغلال كل دقيقة من «المرحلة الحالية» لتثبيت ما يعتقد أنها «أصول تابعة لإسرائيل»، سواء في مواجهة الفلسطينيين أو بقية العرب والمسلمين.

 

تجربتنا نحن العرب مع التحالف الأميركي – الإسرائيلي في السنتين الأخيرتين، تجعلنا لا نراهن أبداً على قيام تنازع بينهما. فالأصل هو أنهما يتعاملان مع كتلة بشرية كبيرة في المنطقة على أنها قاعدة الأعداء المشتركين لكليهما، ولا يوجد أي خلاف حول أصل الوجهة. لكن، ثمة تطورات تحصل في أكثر من مكان، تجعل التنازع قائماً حول آليات العمل والوجهة والسقف أيضاً. وهو ما يدفع مراقبين إلى الحديث الآن عن تطور جديد في العلاقة بين الطرفين، يوحي بوجود ثغرات كبيرة في الرؤية.

 

وينقل زوار العاصمة الأميركية كلاماً يقولون إنه مختلف عما كان عليه قبل ثلاثة أشهر، وإن نتيناهو سيواجه صعوبة في إقناع ترامب بالمضيّ في السياسة المتّبعة حتى الآن.

 

وبعيداً عن القناعات الحقيقية بأن أميركا لا تهتم أصلاً لغير مصالحها، وبالتزامن مع سعي إسرائيل إلى توسيع دائرة النار في المنطقة، مع تركيز على نقلها إلى ايران، فإن المهم الانتباه إلى كون ما تطلبه إسرائيل من برامج لا يتسبب لأميركا نفسها بإحراج، ولكنه بدأ يتسبب بمشكلة كبيرة لبقية حلفاء واشنطن في المنطقة. وقد يكون هذا الأمر هو مركز التغيير الفعلي. فقد لمس المسؤولون الأميركيون الذين زاروا دول المنطقة لأكثر من مرة خلال الشهرين الماضيين، أنّ المناخ العام ليس داعماً للمشروع الأميركي- الإسرائيلي كما تروّج تل أبيب، بل خرج بعض المسؤولين الأميركيين بانطباعات مقلقة إزاء احتمال حصول انفجارات كبيرة في عدد من دول الحلفاء الأساسية، لا سيما مصر والسعودية والأردن، وأنه قد يكون من الصعب ضبط الأمر عندها، خصوصاً أنّ التغييرات التي تحصل في سوريا ليست مضمونة النتائج بعد. كما إنّ التحولات في السياسات التركية والعراقية ليست كلها في الاتجاه المناسب لإستراتيجية الغرب.

 

عملياً، الأُحجية ليست صعبة التفكيك، وطبيعة الخطاب لدى الرئيس الأميركي وفريقه كفيلة بتظهير الأمور على حقيقتها. ولن يتأخر الوقت حتى تتكشّف حقيقة الاتفاقات، وبالتالي، معرفة وجهة الأمور، لا سيما في ما يتعلق بملفات رئيسية: مصير غزة والضفة الغربية، مستقبل العمل في لبنان وسوريا، السقف الجديد للمواجهة في اليمن، وأخيراً، والأهم، طريقة التعامل مع إيران.

 

في جانبنا، ليس هناك رهان استثنائي على تحولات كبيرة. لذلك، إنّ من يهمهم الأمر يتصرفون على أساس الأسوأ من ناحية الخيارات، وتبدو محركات الاستعداد للحرب ناشطة في كل اتجاه، وهو ما يستشعره حلفاء أميركا في الخليج قبل غيرهم. لكن، ما دامت المبادرة لا تزال بين العدو وحليفه الأميركي، لا يمكن إلا الانتظار لمعرفة الخطوة التالية. وفي هذه الأثناء، يعمل من يجب أن يعمل على ترتيب أموره وأوراقه حتى لا تأخذه الحرب على حين غرّة!

(أخبار سوريا الوطن ١-الأخبار)

x

‎قد يُعجبك أيضاً

أمريكا.. هل تحولت الى شركات قابضة؟

عدنان نصار لا يمكن لأمريكا أو غيرها من دول العالم أن تعيش بعزلة عن العالم أو تبقى دولة منفردة بكل شيء.. ففي العرف الدولي تشابك ...