في حراك لافت، متعدّد الأطراف، كثّفت الإدارة السورية الجديدة، والتي يقودها الرئيس الانتقالي، أحمد الشرع، جهودها لتوسيع قنوات التواصل مع وجهاء وقيادات السويداء، المحافظة ذات الأغلبية الدرزية، والتي تسعى إسرائيل إلى «فدرلتها» تحت ذريعة «حماية الأقليات». ويأتي ذلك في وقت تبدي فيه القوى الفاعلة في المحافظة ردود فعل متباينة حيال التطورات في دمشق، بين من يرغب في الانضمام إلى جهود الشرع، ومن يخشى الوقوع تحت سطوة إدارة مركزية متشدّدة.
وبعد سلسلة بيانات وتصريحات رافضة لدعوة وزارة الدفاع السورية الناشئة إلى تسليم الأسلحة وانخراط الفصائل في هيكلية الوزارة، وعقب موجة من التظاهرات الرافضة للتشكيل الحكومي الجديد، والذي اعتبرته غير ممثّل لها، كشفت مصادر في المحافظة عن مضمون رسالة وجّهتها «الفعّاليات الدينية والاجتماعية والسياسية والنقابات على ساحة المحافظة» للشرع، تضمنت دعوة إلى الحوار، ورفضاً للإعلان الدستوري.
وإذ اعتبرت ذلك الإعلان عبارة عن «طموحات مكوّنات هامة من الشعب السوري وأهداف ثورتها»، فهي طالبت بـ«إعادة النظر فيه من خلال حوار حقيقي جامع بما يضمن فصل السلطات ويحقق العدالة والمواطنة ويفعّل أسس المحاسبة ويؤسّس لمجلس شعب منتخب من السوريين مباشرة، لتكون لهذا المجلس الصفة التمثيلية الحقيقية لأنه سيكون صمام الأمان في صياغة الدستور الدائم وقانون الانتخابات العادل والقيام بالرقابة على عمل السلطة التنفيذية». كما طالبت بتفعيل الإعلام الرسمي، والذي غاب بشكل كامل منذ سقوط نظام الرئيس السابق، بشار الأسد، باستثناء «وكالة الأنباء الرسمية» (سانا) التي تابعت عملها، رافضةً، في الوقت نفسه، الخطاب الطائفي.
أيضاً، جدّدت الرسالة التي وقّع عليها شيخا العقل يوسف جربوع وحمود الحناوي، وحسن الأطرش، حفيد قائد الثورة السورية سلطان باشا الأطرش، إلى جانب عدد من قادة الفصائل، وعلى رأسها «حركة رجال الكرامة»، التمسك بوحدة التراب السوري، ورفض أي تدخل خارجي، ودعت إلى تشكيل لجنة للحوار الاقتصادي، وإعادة الضباط المنشقين عن الجيش وقوى الأمن، وأولئك الذين لم يتورّطوا في الدماء، في سبيل إعادة إحياء مؤسسات الدولة.
وبدا لافتاً في الرسالة غياب توقيع الشيخ حكمت الهجري، الذي يحاول منفرداً قيادة الحراك المناوئ للشرع، في موقف يكشف عن انقسامات داخلية في بنية المحافظة ومرجعياتها، ويبدو أنه دفع دمشق إلى العمل على خطوط تواصل متعددة؛ إذ زار محافظ السويداء الممثّل للشرع، مصطفى البكور، شيوخ العقل الثلاثة، الهجري والحناوي وجربوع، كلّاً في مكان إقامته، مهنئاً بمناسبة «عيد الفطر». ونقل مركز إعلام السويداء عن الهجري، قوله خلال الاستقبال: «(إننا) لدينا ثقة بالمحافظ الدكتور مصطفى البكور وهو صلة الوصل بيننا وبين الحكومة في دمشق»، وإن «ما يهمنا اليوم هو تمكين الشباب ومنحهم الفرص المناسبة، وعلينا جميعاً الوقوف إلى جانبهم، خاصة أصحاب الكفاءات العلمية العالية، فهذه هي النظرة الأجمل إلى مستقبل الوطن».
رفض رؤساء الطوائف المسيحية في الساحل السوري دعوات الفيدرالية
واستقبل وزير الدفاع السوري، مرهف أبو قصرة، بدوره، وفداً من «حركة رجال الكرامة» برئاسة الشيخ ليث البلعوس. وبينما نشرت «سانا» صوراً للقاء، فهي لم تكشف عمّا جرى خلاله، علماً أن مصادر من السويداء ذكرت أن الزيارة «بروتوكولية»، وتهدف إلى تقديم المباركة بعيد الفطر. والجدير ذكره، هنا، أن السويداء أعادت تفعيل مؤسسات الحكومة بعد اتفاق مع المحافظ، كما تمّ تحويل مقر «حزب البعث» إلى مقر رئيسي لفرع «جامعة دمشق» في المحافظة، وتمّت إعادة تفعيل الضابطة العدلية، في وقت تسيطر فيه فصائل المحافظة على الأرض، وتمنع الأمن العام أو الفصائل التابعة لوزارة الدفاع من دخولها.
وتزامن هذا الحراك، مع أزمة خلقها اعتقال قوى الأمن التابعة للإدارة السورية، 21 سياسياً ينتمون إلى «حزب الانتماء» الذي ينشط في السويداء، بينما كانوا في طريقهم إلى الرقة للمشاركة في فعالية سياسية نظّمتها «الإدارة الذاتية» الكردية، الأمر الذي أثار ردود فعل غاضبة في السويداء. وإذ تم الإفراج عنهم في وقت لاحق، فقد تبيّن تعرض بعضهم للتعذيب، وفق شهادات تم تداولها، كشفت عن اعتقالهم في حمص ونقلهم إلى مدينة حارم في ريف إدلب، حيث أُخضعوا للتحقيق بشكل عنيف، في حين ذكرت مصادر من الأمن السوري أن سبب اعتقالهم يعود إلى وجود شخص لم يكن يحمل بطاقة شخصية، إضافة إلى امتلاك أحدهم سلاحاً (مسدس)، ما دفع إلى التحقيق معهم.
وفي غضون ذلك، ومع استمرار حالة الانفلات الأمني والاغتيالات والسرقة والاعتداءات في الساحل السوري الذي شهد مجازر مروّعة في السادس من آذار الماضي لا تزال أصداؤها مستمرة، كشفت مجموعة من الناشطين العلويين عن تشكيل رابطة لهم في المهجر، وعقد أول لقاء تشاوري لهم، انتهى بإصدار بيان حمّل السلطات السورية مسؤولية تلك المجازر. وأعلنت «الرابطة» رفض التشكيل الحكومي الأخير، والذي جاء «بهدف إرضاء الخارج أكثر منه إرضاء للداخل السوري»، وفق البيان، الذي دعت فيه إلى الكشف عن مصير آلاف العناصر والضباط من الجيش السوري المنحل، والذين تم اعتقالهم، والإفراج عمّن يثبت عدم تورطه في أي جريمة، وبناء منظومة تشريعية وقضائية واضحة.
وأصدر رؤساء الطوائف المسيحية في الساحل السوري، بدورهم، بياناً مشتركاً على خلفية ظهور دعوات إلى إنشاء فيدرالية في الساحل. وجاء في البيان أن «الكنائس المسيحية في محافظات اللاذقية وطرطوس، إذ تدين بشدة أي تعدٍّ يمسّ بوحدة الأراضي السورية ومحاولة تقسيمها، تستنكر أيضاً وترفض أي تجاهل وإلغاء من أصحاب هذه الدعوات للمسيحيين كمشكّل رئيسي لحاضر وماضي الساحل السوري».
وتابع هؤلاء: «نحن مكونٌ أساسيٌّ في محافظات طرطوس واللاذقية والتي نشكل فيها كمسيحيين نسبة ربع إجمالي سكانها، وتؤكد الكنائس المسيحية بكهنتها ومؤمنيها ومثقّفيها على ضرورة وضع حدٍّ لهذه الدعوات الهادفة إلى تمزيق السلم الأهلي والتي تتنافى مع كل القيم الإنسانية والأخلاقية والوطنية». كما ناشدوا «جميع الجهات المعنية، داخل سوريا، تحمل مسؤولياتها في تطبيق مخرجات الإعلان الدستوري، لكبح جماح أصحاب الفتنة والداعين إلى الفرقة بين الشعب السوري، وإخماد خطابات الكراهية والفتنة، والسعي نحو حلول سلمية ترسّخ الاستقرار وتحفظ كرامة الإنسان وتصون وحدة الوطن».
أخبار سوريا الوطن١-وكالات-الأخبار