محمد خواجوئي
طهران | شرّعت حادثة تفجير ميناء «الشهيد رجائي»، الباب واسعاً أمام سيلٍ من فرضيات يتقدّمها التخريب، ذلك أن التوقيت، والمكان، وكون الميناء شكّل أصلاً هدفاً سابقاً…
كلها عناصر تستحضر بطبيعة الحال هكذا سيناريوات. ففي وقت الظهيرة، وتحديداً بينما كان يجري الوفدان الإيراني والأميركي محادثاتهما في مسقط، وفي موقع في شمال الخليج ليس بعيداً من مكان المحادثات، هزّ انفجار ضخم، ميناء «الشهيد رجائي»، أكبر الموانئ التجارية الإيرانية، معيداً إلى الأذهان انفجار مرفأ بيروت، عام 2020.
ويقع «رجائي» على بعد 23 كيلومتراً من مدينة بندر عباس، مركز محافظة هرمزكان جنوب إيران، ويُعدّ أضخم ميناء تجاري في البلاد، وأكثرها تجهيزاً، فضلاً عن كونه بنية تحتية تجارية مهمّة للبلاد.
وبحسب الإحصاءات المتوافرة، فإن نحو 70% من مجمل الصادرات والواردات الإيرانية، تتمّ عبر هذا الميناء، ما يرخي بتداعيات ثقيلة على الواقع التجاري الإيراني، مع انهيار جزء كبير منه.
«الموضوع النووي
والعقوبات فقط»، يشكّلان
مادة المحادثات
وفيما اختلفت الروايات المتناقَلة حول سبب الانفجار، أعلن المجلس الإعلامي للحكومة الإيرانية، في بيان، أن الحادثة وقعت «في أحد المستودعات القابلة للاشتعال» في ميناء «رجائي»، فيما أعلنت جمارك مدينة بندر عباس أن «الانفجار ناتج على الأرجح من تخزين سلع خطيرة ومواد كيميائية في باحة الميناء».
وتُظهر صور الحادثة أن حريقاً بسيطاً شبّ بدايةً، لكن وبعد دقائق، حصل انفجار هائل، أدّى عصفه والنيران التي اندلعت بفعله، إلى تدمير أقسام واسعة من الميناء. ومن جهتها، أعلنت وزارة الصحة الإيرانية حالة الطوارئ على خلفية تلوّث الهواء في بندر عباس، وتحدّثت عن «احتمال انتشار مُلوّثات، بما فيها الأمونيا وثنائي أوكسيد الكبريت وثنائي أوكسيد النيتروجين، على مستوى المدينة»، ما تسبّب في تعطيل العمل والدوام فيها.
وأعلنت الناطقة باسم الحكومة الإيرانية، فاطمة مهاجراني، بدورها، أن الحكومة قرّرت إعلان الإثنين «يوم حداد عام» في جميع أنحاء البلاد، على خلفية الانفجار المأساوي في «رجائي»، والذي أسفر عن مقتل 40 شخصاً على الأقل، وإصابة أكثر من ألف آخرين بجروح، وفقاً لحصيلة جديدة صادرة عن «الهلال الأحمر الإيراني»؛ علماً أنه لم يتم إخماد الحريق في الموقع بشکل کامل حتی مساء أمس.
كذلك، تفقّد الرئیس الإیراني، مسعود بزشکیان، المنطقة، مساء الأحد، لتقييم الوضع بعد الانفجار. ومن هناك، شدّد على ضرورة إجراء تقييم مفصّل وشامل لأسباب الحادثة، داعياً إلى توضيح ما جرى في أسرع وقت ممكن، بهدف منع تكرار مثل هذه الحوادث في المستقبل.
وفيما أعربت العديد من دول العالم، وخاصة تلك المجاورة لإيران، في رسائل منفصلة، عن تعازيها للحكومة والشعب الإيرانيَّيْن، برزت التكهنات باحتمال ضلوع إسرائيل في الحادثة، ولا سيما في ظلّ تذمّر حكومة تل أبيب من مسار المفاوضات الإيرانية – الأميركية. وتكاثرت تلك التكهنات، التي أجّجها اتساع رقعة الانفجار وتزامنه مع المحادثات النووية، على الرغم من أن مسؤولاً إسرائيليّاً قال لـ»القناة الـ12»، إنه «لا علاقة لإسرائيل بانفجار ميناء رجائي»، وعلى الرغم كذلك من أن السلطات الرسمية الإيرانية، لم تتحدّث، إلى الآن، عن كون الواقعة مُدبّرة.
وإذ كان ميناء «رجائي» هدفاً لهجوم سيبراني إسرائيلي عام 2020، فإن التخمينات تدور هذه المرّة، حول الشحنات التي ذكرت بعض وسائل الإعلام الأميركية أنها جاءت من الصين، وقيل إنها كانت تحتوي على مواد كيميائية لإنتاج وقود الصواريخ الباليستية.
لكنّ وزارة الدفاع الإيرانية أكّدت، من جهتها، عدم وجود أيّ شحنات عسكرية في موقع الانفجار الضخم عند وقوعه، إذ قال الناطق باسمها، رضا طلائي نيك، للتلفزيون الرسمي: «لم تكن هناك أيّ شحنات مستوردة أو مصدّرة للوقود العسكري أو للاستخدام العسكري في المنطقة التي شهدت حادث الحريق في ميناء الشهيد رجائي».
ومع ذلك، أشارت صحيفة «هم ميهن» الإيرانية إلى أن هناك شكوكاً قويّة في تورّط إسرائيل في الانفجار، داعيةً السلطات إلى «إعادة النظر في إجراءاتها الأمنية، والمسارعة في إجراء التحقيقات والكشف عن نتائجها».
أمّا صحيفة «كيهان» الأصولیة والمقرّبة من المرشد الإيراني، فعنونت في «مانشيتها»، أمس: «انفجار مهيب في ميناء رجائي… حادث أم عمل تخريبي؟»، فيما لفتت صحف أخرى إلى تزامن هذا الحدث مع الجولة الثالثة من المفاوضات الإيرانية – الأميركية، في العاصمة العُمانية مسقط.
وكتبت صحيفة «ستاره صبح»، مثلاً، في صدر صفحتها الأولى بخط عريض: «صدمة الانفجار في خضمّ المفاوضات»، في حين أشارت صحيفة «اقتصاد بويا» إلى أن العديد من المخازن في الميناء غير محدّدة الهوية، ولا يُعرف بالتحديد ما في داخلها، معتبرة أن هذا الغموض في محتويات المخازن يعزّز من فرضية أن تكون هناك عمليات تخريبية متعمّدة قامت بها جهة ما.
وفي هذا السياق، وجّه البعض أصابع الاتهام نحو أميركا، معتبرين أن الأخيرة، وتزامناً مع المحادثات النووية، تُقدِم على عمل تخريبي لـ»جعل موقف الجمهورية الإسلامية في المحادثات أكثر ضعفاً»، وبالتالي «فرْض مطالبها عليها»، وهو ما يتطابق مع إستراتيجية «دبلوماسية الإكراه» التي يتّبعها ترامب، إذ يجري مفاوضات ويمارس الضغط والتهديد في الوقت ذاته.
أخبار سوريا الوطن١-الأخبار